الاختيار الصحيح .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003
وبقيت على هذا الحال سبع سنوات إلى أن جاء الرجل الذي فرضوه علي مرة أخرى بقولهم إنه مناسب وليس لي زوج سواه وأنه الاختيار الصحيح الذي سيسعدك ويعوضك عن كل شئ, ولم أتحمس لهذا الاختيار لأنني لم أحس نحوه بأي إحساس أو عاطفة أو حتى مجرد تفاهم إلا أنهم أصروا على موقفهم وأن التفاهم والحب يأتيان بعد الزواج, وتحت ضغطهم وإصرارهم استسلمت لرأيهم بعد معاناة كبيرة معهم, وتم الزواج على مضض, ودخلت عش الزوجية الذي وصفوه لي بأنه جنتي ومملكتي الجديدة وأن هذا هو الزوج المنتظر, فإذا بي أجده هو الآخر إنسانا بعيدا كل البعد عن الحياة الزوجية الطبيعية وليس عنده ما يقدمه للزوجة ليلة الزواج ولا بعدها بأيام ولا شهور, وكانت فاجعتي أكبر وصدمتي أعنف وكذلك صدمة أهلي, وقمنا من جديد بالذهاب إلى كبار الأطباء والاستشاريين لكن دون جدوى طول ثلاث سنوات أو أكثر, فما كانت هناك أية فرصة للشفاء ومعي كل التقارير والتحاليل التي تثبت ذلك, وأنه ليس هناك نسبة شفاء تصل حتى إلى10%, وأنه لم يكن له الزواج من الأصل .. ناهيك عن سلوكه وتصرفاته معي من إهمال واستهتار وتركي في المنزل وإهانتي, وفي كل مرة يتدخل أهلي ويضغطون علي للعودة إلى بيتي فأنا دائما رهينة المحبسين.. منزل الزوجية أو منزل أهلي الذي أقيم فيه الآن.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من حقك بالفعل أن تحيي الحياة الزوجية الطبيعية وأن تتطلعي للأمومة وتحلمي بطفل صغير تحملينه فوق ذراعك ويتقدم في مدارج الطفولة أمامك, ومادمت لا تصبرين على حياتك الحالية ولا تقدرين على مكابدة الحرمان مما تتوقين إليه, فلا مفر من التسليم بالفشل عملا بقاعدة دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر.. ذلك أن الزواج عصمة للمرأة كما هو تحصين للرجل, فإن افتقد أحد أهم أركانه وشعر أحد طرفيه بعجزة عن الصبر عما ينقصه لم يعد هناك مجال للتردد أمام القرار.. ولا يغيرن من الأمر شيئا أن يكون الفشل للمرة الثانية في حياتك.. وينبغي لأهلك ألا يهلعوا له ويتحسبوا لأثره الاجتماعي عليك, لأن الأمر يتعلق بدرء الفتنة عنك, كما أن سبب انهيار الحياة الزوجية في المرتين لا يرجع إليك ولا تتحملين مسئوليته.. فإذا كنت قد تعجلت التسليم بالفشل في زواجك الأول الذي لم يستمر لأكثر من شهرين.. فلقد منحت زواجك الثاني فرصته العادلة واستمر أربع سنوات دون أمل في تحسن الأحوال.. ومن سوء الطالع حقا أن تتكرر هذه المحنة في حياتك مرتين وبنفس التفاصيل.. غير أنني أعجب أكثر لقولك إنك قد تزوجت في المرتين بغير أن يكون لك رأي في الاختيار, وبغير أن يحق لك أن تعربي عن تفضيلك لهذا أو ذاك ممن تقدموا إليك, إذ كيف يحدث هذا والأهل الرحماء لا يتخذون القرارات المصيرية لأبنائهم الراشدين نيابة عنهم.. ولا يستبعدونهم منها.. وفي أي عصر تعيشين يا سيدتي, وقد روى لنا الأثر أن فتاة عربية شكت إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن أباها قد عقد نكاحها على ابن عمها بغير أن يستأذنها وهي عن ذلك غير راضية, فاستدعى الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه الأب وأمره أن يفك عقده نكاحها لأنها لا ترضاه فصدع الرجل بالأمر, فإذا بابنته تقول للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: قد أجزت ما فعل أبي.. وإنما أردت أن يعلم الآباء أن ليس لهم من الأمر شئ!
فكيف تقولين أنك قد تزوجت
زوجك الأول وزوجك الحالي دون رغبة منك؟
أغلب الظن أنك قد استؤمرت
في زواجيك.. وقبلت بإلحاح الأهل عليك وتزيينهم لحسن اختيارهم لك.. ثم صادفت
سوء التوفيق في الزواجين, ومن نفس الزاوية المؤثرة. فاستجبت إلى الطبيعة
الإنسانية التي تبحث دائما عن طرف خارجي لتحمله مسئولية تعاستها وتتهمه بالمسئولية
عما يكابده من حرمان.. وأيا كان السبب فأنت الآن تواجهين مشكلة ملحة لا يفيد في
حلها إدانة طرف دون آخر وتحميله مسئولية تعاستك.. وإنما يفيد فقط التحرك لاتخاذ
خطوة عملية للحل.. ومحاولة تحجيم الخسائر.
العيوب
رسالة من بريد الجمعة تعقيب من أحد القارئات على الرسالة
أنا قارئة شابة وقد قرأت رسالة الاختيار الصحيح التي
تشكو فيها فتاة من أنها تزوجت مرتين وفي كلتا المرتين كان الزوج مصابا بداء
العنة, وأسمح لي أن أستفيض في هذا الموضوع والذي تعاني منه فتيات كثيرات ولا
يعرفن ماذا يفعلن حيث يقعن تحت أيدي رجال أنانيين لا يهمهم إلا المظهر الاجتماعي
وينسون أنهم سيقفون بين يدي الله تعالي وسيسألون لا محالة عن ذلك, ويرجع هذا
لجهلنا بأمور ديننا الذي يعمل الغرب علي محوه من أذهاننا ولا يبقي لنا إلا ما
يطبعونه في أذهاننا بشتي الوسائل, وأقول لها ولا حياء في العلم: إن الحل يسير
جدا حيث يحدث فسخ للعقد ـ بغير طلاق ـ لوجود العلة وهذا كما جاء في الفقه الشافعي
في باب النكاح ما نصه ويرد الرجل بخمسة عيوب: الجنون والبرص والجزام والجب والعلة
فأما الجنون فمعروف أما البرص فهو بياض شديد في البشرة يذهب لونه ودمويته وأما
الجزام فيحمر منه جزء من الجسم ثم يسود ثم يسقط ويتناثر ويتلاشي والجب هو قطع
العضو والعنة هي فقد الشهوة هذه هي العيوب الخمسة التي يرد بها الرجل وهناك عيب
آخر أختلف فيه الفقهاء وهو( فقد الأنثيين) هل يرد أم لا؟ فمن قال إنه يرد فلأن
أساس الزواج الإنجاب وهذا ليس في استطاعته ومن قال انه لا يرد فلإستطاعته ممارسة
حياة الزوجية. وبما أن زوج كاتبة الرسالة من النوع الخامس من النص وهو العنة لذا
يعتبر العقد لاغيا لوجود العلة كما ذكرنا ولا يحق لأهلها بأي حال من الأحوال
إكراهها علي الاستمرار معه في حياة لا طائل وراءها, أما إذا قدر الله لها الزواج
مرة أخري فيكون الزواج الأول لها ويكتب ذلك في العقد ولا يعتد بالزيجتين
السابقتين.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
شكرا لك لاهتمامك بتوضيح هذا الأمر, غير أنني أقول
لك فقط أن عدم الاعتداد بالزيجتين السابقتين لا يتحقق إلا بالفسخ أي بفسخ عقد كل
زيجة منهما.. وليس بالطلاق.. والفسخ يتطلب كما تعرفين حكما من القضاء بعد
أثبات العيب ولما كانت كاتبة رسالة الاختيار قد طلقت من زوجها الأول اختيارا وليس
بحكم المحكمة فإنه لا يمكن إلغاء هذا الزواج أو عدم الاعتداد به.. أما زواجها
الحالي فإنها تستطيع الحصول علي حكم بفسخه إذا أثبتت أمام القضاء عيب الزوج..
وهو أمر يتطلب عناء طويلا ومحرجا وتتعفف عنه عادة الفضليات من النساء والأفضل هو
التفاهم الودي علي الانفصال بغض النظر عن عدد الزيجات أو الاعتداد بها!
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2003
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر