عصير الكراهية .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003

عصير الكراهية .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003 

عصير الكراهية .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003

إن السعادة في الحياة الزوجية مثلها مثل العمر والرزق والصحة والمرض‏,‏ كلها من قدر الله وحده سبحانه وتعالى ‏..‏ ولقد جاء في أمثال سليمان الحكيم عليه السلام‏:‏ البيت والثروة ميراث من الآباء‏..‏ أما الزوجة المتعقلة فمن عند الرب‏.‏
عبد الوهاب مطاوع


أنا واحد من قراء بابك‏,‏ وعلى مدى السنوات الطويلة التي كنت أشارك فيها أصحاب الرسائل وجدانيا‏,‏ بالحزن والأسى أحيانا وبالبهجة والنشوة في أحيان أخرى‏,‏ سألت نفسي كثيرا‏:‏ ترى هل سيأتي دوري ذات يوم لأكتب لك بما يجيش به صدري؟‏..‏ إلى أن طالعتني رسالة الاختيار الصحيح في بريد الجمعة‏,‏ فأخذت أتأمل صورة هذا النسب الكريم‏,‏ الذي يتمثل في أبوين عطوفين‏,‏ يستران عورة زوج ابنتهما‏,‏ ويصبران عدة سنوات على مداواته دون كلل‏,‏ ويرعيان القيم الإنسانية والاجتماعية‏,‏ ثم أقارن هذه الصورة بصورة النسب اللئيم الذي تنتمي إليه زوجة ابني الخريجة الجامعية والمتفرغة لرعاية أسرتها‏,‏ والذي يتمثل في أبوين حاقدين‏,‏ يحادثان ابنتهما دائما دون ملل‏,‏ عن عيوب زوجها وتفوق شقيقيها عليه وعلى شقيقه الطبيب الناجح .‏.‏ ومع علمها برجحان كفة زوجها ذي المؤهل الأعلى والمهنة الأشرف في حماية أمن الوطن‏,‏ إلا أنها تخضع لكلامهما‏,‏ بل وتؤكد لطفلتيها وسنهما لا تتجاوز عشرة أعوام وثمانية أعوام‏,‏ أن خالهما فلان أفضل من أبيهما‏,‏ لأنه أهدى إليهما كذا وكذا‏,‏ دون أن تذكر لهما أن هذه الهدايا أقل بكثير مما أهدى أبوهما إليهما في كل مناسبة ‏.‏

 

إنني حزين هذه المرة حزنا شخصيا‏,‏ لأنني أعد نفسي مسئولا عن الاختيار الخاطيء لهذه الزيجة التعسة‏,‏ ويحزنني أكثر حال ابني الشاب الذي لم يبلغ السادسة والثلاثين من عمره والوسيم الخلقة والأشد وسامة في دينه وخلقه‏,‏ وأستشيرك في أمره‏,‏ هل تنصحه ـ كعادتك ـ بقضاء بقية أيام شبابه مع هذه الزوجة‏,‏ حرصا على مستقبل الأطفال الذين تسقيهم كل يوم عصير الكراهية لأبيهم وأهله‏,‏ بينما هو متغيب عنهم معظم الوقت بحكم طبيعة عمله‏,‏ وهذا هو الخطر الأكبر على مستقبلهم؟‏,‏ أم توافقني الرأي على تسريحها بإحسان‏,‏ ثم التروي من أجل الاختيار الصحيح بمساعدة قراء بابكم الإنساني الحكيم؟

إنني أبلغ من العمر ثلاثة وستين عاما‏,‏ وأشعر بعظيم  الرضا والامتنان لكرم الله سبحانه وتعالى‏,‏ الذي مهد لي سبيل الكفاح مع زوجتي على قلب واحد يدا بيد ومكننا من حسن تنشئة ولدينا حتى تخرجا في كليات مرموقة‏,‏ وتخصيص شقة مجهزة بجميع الكماليات لزواج كل منهما عقب تخرجه‏,‏ في البيت الذي بنيناه بكفاحنا‏.‏ إنني أستشعر جيدا في هذه السن أكثر من أي وقت مضى‏,‏ قدر الحديث النبوي الشريف‏ (‏خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة‏),‏ وأحب لأبني أن يقضي مستقبل عمره المديد إن شاء الله مع الزوجة الصالحة‏,‏ التي تستشعر دائما فضل الله في كل آن‏,‏ وتعرف قدر زوجها‏,‏ وتبادله المودة والرحمة‏..‏ فماذا ترى؟

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

أرى أنك لست مسئولا عن سوء الاختيار أو حسنه ‏..‏ بالنسبة لزواج أبنك‏,‏ حتى ولو كنت أنت الذي رشحت له من ارتبط بها وأنجب منها‏..‏ فالترشيح في حد ذاته ليس سوى خطوة مبدئية تمهد لدراسة الشخصية واختبار المشاعر والطباع والميول والأخلاقيات‏,‏ ومن ثم لاتخاذ قرار الارتباط النهائي‏ ..‏ فإذا كان من حقك أن تحزن لما تستشعره من تعاسة ابنك في حياته الزوجية‏,‏ فإنه ليس من حقك بكل تأكيد أن تجلد نفسك بما ترتكبه زوجة ابنك من أخطاء وسلوكيات غير سليمة تربويا وإنسانيا مع زوجها وأطفالها‏,‏ وأرجو أن تدع الأمر كله لأبنك الرشيد ليتخذ فيه قراره على مسئوليته الكاملة‏..‏ وبغير حث له على اتخاذ موقف معين أو تبني اتجاه محدد فالأمر في البداية والنهاية إنما يرجع إليه وحده‏..‏ وإلى قدرته علي الاحتمال وأمله في الإصلاح ‏..‏ ورؤيته للحياة الزوجية واستعداده لترجيح  سعادة أطفاله على بقية الاعتبارات الأخرى أو العكس فإن اختار التعلق بالأمل في الإصلاح‏..‏ ومحاولة تجنيب الأطفال عناء التمزق بين أبوين منفصلين حتى ولو تحمل هو راضيا تعاسته الشخصية فلا لوم عليه فيما فعل‏..‏ وإن ضاق صدره عن تحمل المزيد من الصبر‏..‏ والتضحيات‏.‏ وآثر أن يختار الخطوة التي تعفيه من التعاسة والعناء بغض النظر عما سيدفعه أطفاله من ثمن غال لذلك‏..‏ فلقد اتخذ قراره بملء أرادته وعليه أن يتحمل تبعاته كاملة‏.

وفي كلتا الحالتين يكون قد مارس حق الاختيار لنفسه ولأسرته الصغيرة وحياته الزوجية‏..‏ بلا مؤثرات خارجية قد يرجع عليها باللوم ذات يوم قريب أو بعيد إذا راجع نفسه وعدل عن قراره السابق فهون على نفسك يا سيدي‏..‏ فمثلك يعرف جيدا أن السعادة في الحياة الزوجية مثلها مثل العمر والرزق والصحة والمرض‏,‏ كلها من قدر الله وحده سبحانه وتعالى ‏..‏ ولقد جاء في أمثال سليمان الحكيم عليه السلام‏:‏ البيت والثروة ميراث من الآباء‏..‏ أما الزوجة المتعقلة فمن عند الرب‏.‏

وكان من دعاء خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه‏:‏ اللهم رضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت‏..‏ ولا تأخير ما عجلت‏..‏ وشكرا.

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2003

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات