القائمة الرئيسية

الصفحات

هذه قصة حياتي .. حوار مع الأستاذ عبد الوهاب مطاوع بمجلة كلام الناس

عبد الوهاب مطاوع

الكاتب الصحفي اللامع والمرموق عبد الوهاب مطاوع من أشهر الصحفيين على أرض مصر الكنانة وأكثرهم شعبية, فهو مدير تحرير "الأهرام" أعرق الصحف المصرية, لكنه اكتسب حب الناس له وجمهوره الواسع من باب "بريد الأهرام" .. الذى يشرف عليه منذ تسع عشرة سنة.وفى هذه الزاوية الصحفية التى يقدمها تجد مميزات ثلاث لا تتوافر إلى نادرة بالصحف الأخرى على اختلاف اتجاهاتها:
إن هذا الباب مرآة صادقة لآراء القراء في كل ما يهم الرأي العام.
- يقوم بأعمال خير عديدة لا تحصى سواء فى مجال العلاج أو تقديم المساعدات الإنسانية.
ونأتي إلى السبب الثالث الذي أكسب عبد الوهاب مطاوع "شهرته الفائقة" وهو أسلوبه الرقيق الجذاب في رده على مشاكل القراء بالعدد الأسبوعي للأهرام يوم الجمعة والذي يدل على ثقافة واسعة:ويتابعه مئات الآلاف من القراء, وهو من أكثر الأبواب المقروءة فى الصحف المصرية.ويأتي دائماً فى مقدمة الاستفتاءات التى تجرى بين القراء عن أبوابهم المفضلة,وأصحاب الأقلام الذين يحرصون على متابعتهم..وتعالوا معي لنتعرف على قصة أشهر باب في الصحافة المصرية وحكاية صاحبه.

القارئ العادي ليس عنده حسابات !
يقول عبد الوهاب مطاوع توليت الإشراف على بريد الأهرام فى أغسطس "آب" عام 1982 بتكليف من الأستاذ إبراهيم نافع رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير, وكان الباب يتلقى شكاوى الجمهور, أما فى يوم الجمعة فكان مخصصاً لنشر ردود المسؤولين على مشاكل الناس العامة, ومنذ أول يوم قررت تطوير هذا الباب بفكر جديد .. ولكن كيف تم ذلك ؟
يجيب كاتبنا الكبير عن هذا التساؤل قائلاً:لجأت من أجل تحقيق هذا الهدف إلى وسيلتين.أولاهما تحويله إلى باب للرأي من جانب كونه مخصصاُ للشكاوى والأمر الثاني إدخال لمسات إنسانية عليه, وأدى هذا التغيير إلى نجاح لمسات إنسانية عليه, وعن الجانب الأول يقوم المسؤول عن بريد الأهرام إن القارئ العادي كاتب صادق وليس عنده حسابات أو أغراض شخصية, ويمقت التزلف ويتميز بالشجاعة وعند تحويل هذا الباب إلى منبر للآراء العامة أقبل عليه الكثيرون, وكانت فرصة لقطاعات مختلفة من المجتمع للتعبير عن آرائها بحرية, ولم أحاول الحد من اندفاع القراء فى الكتابة .. كل ما حرصت عليه عدم تجريح الأشخاص..من حقك أن تهاجم الوزارة التى لا تعجبك كما تري د,أما شخص الوزير ذاته فأرجوك أبعد عنه, إذا هاجمته تكون مهمتي تحويل مدفعيتك الثقيلة لشخص المسؤول إلى المنصب الذى يشغله,ولم أمنع أحداً من التعبير عن رأية بمنتهى الحرية.

         سبوع ودموع
والوسيلة الثانية فى التطوير كانت هى الأصعب, فالأهرام بطبيعته جريدة محافظة,وعبد الوهاب مطاوع يريد الاهتمام بالعلاقات بين البشر, ويرى أن مشاكل الإنسان الشخصية لا تقل خطورة عن مشاكله مع الدولة إن لم تكن هى الأخطر لأنها يمكن أن تدمر حياته كلها, وبدأ ينشر رسائل فى هذا الاتجاه ولكن على استحياء, فكانت النتائج مشجعة, لذلك قرر بعد شهر من توليه منصبه تخصيص بريد الجمعة للعلاقات الإنسانية, وانطلقت عجلة النجاح, وبلغت ذروتها فى فترة قصيرة, وأصبح أول شئ يفتحه قارئ الأهرام يوم الجمعة باب عبد الوهاب مطاوع.

سألته: هل تذكر أول رسالة نشرتها فى أهرام الجمعة بعد تطوير الباب الذى تشرف عليه؟
أجابني بابتسامة عريضة وهو يتذكر بدايات هذه الصفحة الواسعة الانتشار, رسالة مؤثرة جدا من شاب فقد طفله الوليد, وقررت أخته أن تلغى حفل السبوع الخاص بوليدها مشاركه منها لشقيقها فى مأساته إلا أن الأخ رفض مسلك أخته, واصطحب بنفسه كل أطفال العائلة فى سيارته وذهب الجميع إلى منزلها وأخذ يغنى للصغار من قلب مجروح ولم يستطع أن يدخل البهجة إلى قلوبهم !
وهكذا تحولت المناسبة السعيدة إلى نكد!! وأرسل يسألني: هل أخطأت فى تصرفي هذا ! كانت فى رسالته حرارة عجيبة:قلت له : أنت إنسان عظيم, وطلبت من القراء أن يشاركوا برأيهم, فوصلني أكثر من ستين خطاباً, وكان هذا أمراً جديداً على الصحافة المصرية يتمثل فى المشاركة الإنسانية لمشاعر الآخرين الذين لا تعرفهم, والاهتمام بأمر إنسان لم نره فى حياتك .. وقد أصبحت هذه المشاركة الوجدانية من العلامات المميزة لصفحة الجمعة.

 مرض عجيب
وتتسع ابتسامة "عبد الوهاب مطاوع" حتى تتحول إلى ضحكة رقيقة وهو يتذكر أغرب خطاب جاءه من قارئ , فهو يحتج على معاملة الناس له.والسبب أنه غاوي تقبيل أحذية السيدات لذلك كثيراً ما تلقى الصفعات والركلات مع أنه كان يتصور العكس, وهل تحلم امرأة بأن يقوم رجل بتقبيل حذائها مهما بلغ عشقه لها؟
وكان ملخص ردى عليه أنه لابد من العلاج عند طبيب نفسي فى أسرع وقت ممكن حتى لا يتلقى مزيداُ من اللكمات والشلاليت !!
ومن أغرب الخطابات التى لا ينساها كاتبنا الكبير كذلك هو الجواب الذى جاءه من رجل يطلب فيه من الزوجات تقوى الله فى أزواجهن , ويحكى تجربته مع زوجته, فقد عاش معها ثلاثين سنة ذاق فيها المرّ!! وكان يشاهد فى معظم الأحيان "قفاها" .. لأنها فى حالة خصام لا ينقطع معه.ولذلك كانت تشيح بوجهها بعيداً عنه وعندما ماتت فرح..وأخذ يدعو عليها وهو يسير فى جنازتها :اللهم ضيق عليها فى قبرها..اللهم شدد عليها..اللهم لا تغفر لها خطاياها.

   إنه شمس وقمرى
سألته ما أروع رسالة وصلت إليك يا أستاذ عبد الوهاب ؟
أجاب دوت تردد خطابات من أم فوق الستين مقيمه فى حلون بضواحى القاهرة فقدت ابنها الشاب فجأة فأرسلت ترثيه : ورغم مرور سنوات طوال على هذا الخطاب إلا أننى ما زلت أتذكره لقد جاء به 24 وصفاً لفلذة كبدها الذى توفى"على طريقة الطباق" مثل:
كان ليلى ونهاري
أرضى وسمائي
شمسي وقمري
يومي وغدي
وأذكر أننى بعد قراءتى لهذه الرسالة قررت أن أفرد لها صفحتي كاملة لأننى عجزت فى ذات العدد عن تقديم رسائل أخرى من شدة تأثري.

       تحنان كلمة جديدة
ويضيف كاتبنا الكبير قائلاً: من الوسائل التى تثير الدمع أيضاً الخطاب الذى نشرته تحت عنوان "الشقيقان" .. شاب عمره 17 سنة وأخوه يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً .. أبوهما رجل عطوف حنون توفى عقب مرض مفاجئ بعدما كرس حياته لتربية أولاده عقب وفاة أمهما, وهكذا أصبح الوالدان بلا سند ولا عائل فى المدينة الكبيرة, واضطر جدهما العجوز الذى يعيش فى الصعيد أن يمكث معهما بضعة أيام قبل أن يعود مرة أخرى إلى بلدته حيث توجد مصالحه, وفكر أن يصطحبها معه إلا أن ظروف دراستها حالت دون ذلك .. فقام بتنظيم أوضاعهما المالية والاجتماعية, وقبل أن يتركهما أخذ يدق أبواب الجيران ويوصيهم باليتيمين, وشكرهم على "تحنان" قلبهم عليهما.
وكانت هذه أول مرة اسمع فيها كلمة تحنان وهى مشتقة من حنان,وطلب الشقيق الأكبر منى أن أكتب مشجعاً لشقيقة لأنه مصاب بحالة إكتئاب: فقد شاهده يقوم بإطعام بعض القطط , فانشرح صدره, وأخذ يشرح لأخيه ثواب ذلك إلا أنه فاجأه قائلاً:"إحنا زى القطط ما لناش أهل".

عبد الوهاب مطاوع .. من أنت؟ّ!
وهناك سؤال مهم يطرح نفسه فى هذا الصدد, كيف يرد عبد الوهاب مطاوع على رسائل قرائه ؟ما هى المعايير التى تحكمه ؟ ويلاحظ فى ردوده أنه صاحب ثقافة عميقة ومتنوعة ..
من أين إكتسب ثقافته هذه ؟ قلت له: يا أستاذ عبد الوهاب مطاوع..نريد معرفة هذا الشخص الذى يتوالى الإشراف على أشهر باب جريدتنا العريقة الأهرام..من أنت؟
أجابني بابتسامة :الإجابة عن سؤالك تقتضى العودة إلى النشأة والطفولة .. أنا من مواليد 11_11_1940..من بلدة دسوق بمحافظة كفر الشيخ فى شمال مصر بالقرب من الإسكندرية .. كنا ثمانية إخوة فأصبحنا ستة بعدما توفى إثنان منا!! وترتيبي الثالث بعد "زينب" أختي الكبيرة وشقيقي "صلاح" الذى لحق بالرفيق الأعلى منذ سنوات ألف رحمه عليه .. نشأت فى عائلة تجار درسوا بالأزهر. ولكنهم لم يصبحوا مشايخ, لأن التجارة فى دمهم.فانغمسوا فيها .. ورأيت أبى دائماً نموذجاً للتاجر الصادق الأمين, ولا شك فى أن نشأته الإسلامية أعانته على ذلك, وطبعاً هذه البيئة ساعدتني كثيراً فى حياتي الصحفية بعد ذلك.
فمعرفتي الواسعة بأحكام الإسلام ترجع بدايتها إلى هذه الفترة.كما أن الزهد فى الدنيا واللمسة الصوفية فى شخصيتي مرجعها جدي الأكبر رأس العائلة الشيخ محمد الشاذلى مطاوع .. وأتذكر فى طفولتي أنه كان يصطحب العائلة كلها فى رحلة إلى القاهرة تستغرق أكثر من أسبوع "يجاور" فيها الأولياء .. يعنى يزورهم ويبيت فى أقرب مكان هم مدفونون فيه مثل :سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة, ولا أنسى السيد البدوي فى طنطا.
وكان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فرصة للفرح والبهجة ننتظرها بصبر كل عام.
      
          حكاية عجيبة عن بابا
سألته عن تأثير والده .. أجابني فى تلقائية .. يا سلام عليه راجل عظيم اسمه الحاج "محمد مصطفى مطاوع" وكان تاجراً, لكنه فى ذات الوقت رأيته على الدوام زاهداّ لا يشغله حب المال ولا الامتلاك .. واسمع هذه الحكاية عن أبى لتعرف منها بعض صفاته.
وخلاصة الحكاية التى رواها " عبد الوهاب مطاوع" أن والده أعطى عاملاً عنده مبلغ ألف جنيه أو يزيد ليقوم بتوصيل هذا المبلغ إلى تاجراَ آخر وفى أواخر الأربعينات كانت الألف جنيه شيئاً كبيراً جداً, إلا أن العامل رغم أن المبلغ قد وقع منه وأخذ يلطم على خده "وبالطبع لم يصدقه معظم العاملين فى المحل واتهموه بسرقته" يقول عبد الوهاب مطاوع:نظر والدي بسخرية إلى هذا العامل وقال له:"إنت خايب .. أيوه..لكن حرامى لا..إمشى من قدامى يا ولد!!! ورفض إبلاغ البوليس ضده, ولم يهتز من جراء هذه المصيبة التى جاءته دون إنتظار بل أخذ يبحث بهدوء عن الفلوس التى ضاعت, حتى فوجئ يوماً برجل يأتيه ومعه المبلغ الضائع وقال إنه عثر عليه فى الطريق, وكاد يأخذه لنفسه لكن زوجته رفضت وقالت لا يدخل بيتي حرام!! ولذلك قدمت إليك بفلوسك التى كنت تبحث عنها؟ فطلب منه أبى أن يأخذ ما يشاء من هذا المال, فرفض الرجل, وأخيراً إتفقنا على أن يحصل على نصيبه الشرعى طبقاً لأحكام الشريعة الغراء.
ومن الغريب أن عبد الوهاب مطاوع لم يعلم بالمصيبة التى نزلت بأبيه إلا بعد أن انتهت الحكاية كلها.
يقول كاتبنا الكبير تعليقاً على هذه القصة :إنه من خلال قراءتك لسطورها تستطيع أن تتبين بعض صفات أبى: الزهد, وطيبه القلب, والعدل فى الرضا والغضب, وكلها صفات مترابطة ومتداخلة تقدم لك فى النهاية رجلاً عظيماً هو أبى,وقد ورثت عنه كذلك أن أتحمل مصائبي وحدي, ولا أشرك فيها القريبين منى ويعجبني فى هذا الصدد قول الفقيه أبو إسحاق الحربى:" الرجل الحق من أدخل همه على نفسه, ولم يدخله على عياله".كما أننى رجل قدري إلى حد بعيد, أرى كل شئ فى الدنيا يتم بأمر الله.

سألته: وماذا عن أمك .. أقصد ست الحبايب؟
أجابني :نموذج للالتزام بالواجب :ربة بيت من الطراز الأول , مثل "النملة" فى نشاطها وهذا تعبيره كل شئ يجب أن تقوم به بنفسها,رغم أن عندها أكثر من شغالة, فقد نشأنا فى أسرة مستورة والحمد لله, وهى تحب النظافة جداً, وكل يوم كنت أجدها تغتسل بعد الظهر, وتجلس فى انتظار رب العائلة أبى وهى "زى الفل".

       الصحافة غربتنى!
ويقول عبد الوهاب مطاوع منذ شبابي المبكر أعجبت بنجوم الصحافة والأدب فى ذلك الوقت والدك إحسان عبد القدوس, ومحمد التابعى ومصطفى وعلى أمين’وتوفيق الحكيم,وتمنيت أن أعمل فى هذا المجال,وكنت قارئاً لهما, وأنفق معظم مصروفى الأسبوعى وهو عبارة عن ربع جنية أو خمسة وعشرين قرشاً فى شراء الكتب والصحف والروايات, وكنت شغوفاً بسلسلة "كتابك" التى كان يصدرها "حلمى مراد" وهى نظرة على الثقافة الأوروبية وحضارة الغرب.
وسلسلة اقرأ وروايات الهلال, وعندما علم أبى بذلك شجعني , وجعل بند القراءة على حسابه.

وعندما حصلت على التوجيهية سنه 1957 صممت على الالتحاق بكلية الآداب قسم صحافه, وكان هذا يعنى أن أترك أهلي وبلدتي, وإنتقلت إلى القاهرة,وأراد أبى أن ألتحق بجامعة الإسكندرية حتى أكون بالقرب منه، لكنه فى النهاية احترم رغبتي رغم ما فى ذلك من تكلفه إقتصادية عليه, فقد كان عليه أن يدفع لى ضعف ما كان سيدفعه إن درست فى مدينة الثغر, وكنت أتقاضى مبلغ شهرياً خمسه وعشرين جنيهاً وهو مبلغ يزيد عما كان يتقاضاه الموظف فى ذلك الوقت, وهكذا تغربت مبكراً, لكننى حققت هدفي, وبدأت بالعمل فى الصحافة وأنا ما زلت طالباً بتشجيع من الكاتب المرموق أحمد بهجب والكاتب الكبير صلاح منتصر, وكان رئيساً لقسم التحقيقات بالأهرام ونشر لى أول موضوع عن المرور فى أغسطس "آب" سنه 1958, وكان عمري وقتها سبع عشرة سنه, وقد علمتني الغربة الاعتماد الكامل على النفس, لكن كان لها بعض السلبيات أهمها حرماني من الدفء العائلي كما أصابتني بنوع من الاكتئاب حيث عشت وحيداً فى العاصمة الكبيرة دون أى سند, لكن من أجل عشقي للصحافة تحملت كل شئ, وبفضل إصراري كانت الأمور تسير إلى الأفضل.فقد كنت أحصل على مكافأة من عملى الصحفي قدرها خمسة عشر جنيهاً وأنا ما زلت طالباً فى حين كان مرتب خريج الجامعة فى هذا الوقت يزيد عنى بأربعين قرشاً فقط! وأتذكر بكل خير الصحفي الكبير "صلاح جلال" الذى خلفه صلاح منتصر فى رئاسة تحقيقات الأهرام,وكان يشجعني على الدوام.

         هددونى بالرفت!
يقول عبد الوهاب مطاوع: بعد تخرجى تم تعيينى سنه1962, لكن إجراءات التعيين استمرت سنتين لأنني بصراحة كنت مهملاً فى متابعتها حتى هددوني بالرفت!!
ويضيف:ظللت أعمل فى قسم التحقيقات بالأهرام حتى سنه 1976 يعنى ما يقرب من ثمانية عشر عاماً,وبعدها أسند لى الإشراف على صفحه إسمها "الوجه الآخر" تهتم بمشاكل الأقاليم وتصدر كل يوم ثلاثاء, وبدأت لأول مرة أكتب فى هذه الصفحة عموداً أسبوعياً تحت عنوان "رأى الوجه الآخر" , وكانت هذه أول مرة أقوم فيها بالتعبير عن ذاتي بعد هذه السنين الطوال, لذلك أنصح الشباب دائماً من تجربتي بعدم الاستعجال.

          تزوجت زواج صالونات
كاتبنا الكبير تزوج سنه 1974 "زواج صالونات" كما يقول..خاله الكبير "محمد أبو سعده"  كان حلقة الاتصال فى ارتباط العمر حيث كان يعرف والد العروس الشيخ محمد شعبان أستاذ الشريعة, وبعد خطبة لمدة سنه تزوج من شريكة عمره السيدة "سكينة" ووجد معها السكن والمودة والرحمة وهى مواصفات الزواج الناجح التى نص عليها القرآن الكريم, وقد أنجب منها "كريم" وهو خريج تجارة ويعمل فى مجال الكمبيوتر و"ريم" التى تخرجت فى آداب إنجليزى .. وبالطبع غمرتني الفرحة عندما علمت أن الأم وابنتها من المحجبات..

سألته:يا أستاذ عبد الوهاب .. هل أنت من أنصار زواج الصالونات أم الارتباط الذى يقوم على قصه حب؟
أجابني: أولا ..أنا من أنصار الزواج المبكر, فهو يعصم الشباب ويحميه,ولكن للأسف تزوجت متأخراً وعمري 34 سنه, فقد شغلتني الصحافة, وجرفتنى الحياة, لكن الله عوضنى خيراً,وفى كل الأحوال أنا من أنصار الزواج الذى يؤدى إلى السعادة سواء أكان عن طريق الأهل أو بعد قصة حب مع ملاحظة أن الغالبية العظمي من الزيجات التى تتم فى بلادنا تقوم على الزواج التقليدى أو الصالونات .. المهم أن يتفق القلب والعقل معاً على اختبار شريك المستقبل.

         تصفية الرسائل
عاد حديثنا من جديد إلى بريد الأهرام الذى يشرف عليه.سألته عن عدد الخطابات التى يتلقاها يومياً؟
أجابنى قائلاً:متوسط عدد رسائل بريد الأهرام اليومى من 200 إلى250 رسالة كل يوم, ويقوم مكتبى بإعدادها ثم أطلع عليها قبل النشر.أما بريد الجمعة فمتوسط رسائلة من مائة إلى مائة وعشرين رسالة كل أسبوع.وهذه أقوم بقراءتها بنفسي ,ولا أسمح لأحد بالإطلاع عليها لأنها تحوى أسرار الناس, وأقوم بتصفيتها وهى عملية شاقة ومتعبة لأن معظمها مهم, ويكفيني أن قارئاً لا أعرفه كلف نفسه بالكتابة ثقة فى شخصي, وهو أمر أحرص عليه, وبعد الإختيارات والتصفيات.يستقر رأيى على خمس عشرة رسالة, ثم أقوم بغربلتها من جديد وتصفيتها إلى ست رسائل فقط, وأنشر عادة ثلاثة منها أكتبها يوم الأربعاء وما ذكرته لك يتم كل أسبوع, ولك أن تتصور صعوبة ذلك.
سؤال وباقى الرسائل ...ماذا تفعل فيها يا أستاذ؟
الإجابة :بعضها موجود بصفه احتياطية .. وكثير من هذه الرسائل أرد عليها بصفه شخصية بعيداُ عن النشر.وبقية الخطابات أقوم بحرقها بنفسى حتى لا تقع فى أيدي غيرى.

        لست قاضياً ولا وكيل نيابة
قلت لكاتبنا الكبير هناك سؤال يشغلني مع غيري من المهتمين بما تكتبه.وهو أن خطابات القراء لا تعبر إلا عن وجهه نظر واحدة .. بينما الطرف الآخر فى المشكلة لم يعبر عن رأيه, فمن أين لك أن تعرف الحقيقة فى هذا الموضوع؟
كان رده :لست قاضياً ولا وكيل نيابة, وإنما أشير برأيى فى حدود الوقائع المعروفة فقط, وأنا أفترض الصدق فى القارئ, فإذا تبين لى أنه لم يقل الحقيقة, فإن مشكلته فى هذه الحالة تكون قد إنتهت من وجهه نظري, ولم أعد مختصاً بها, ومن خبرتي الطويلة أستشعر الصدق بسهولة من وسائل القراء, أما إذا تشككت فلا أنشرها.

تساءلت:وهل ندمت على رأى كتبته؟
أجابنى: هذه أمانة ومسؤولية خطيرة ولذلك أحترس جدا فى الكتابة وأرعى الحذر.ومن هنا كانت أخطائي قليلة, لكن هناك حالات تصلني فيها خطابات من القراء لهم وجهة نظر فى ذات الموضوع أحترمها..وأقوم بإرسالها إلى صاحب المشكلة.

       المناطق المحظورة
سألت كاتبنا المرموق :هل هناك مناطق محظورة فى الخطابات التى تنشرها؟
أجاب عن سؤالى بكلمتين تحديداً "نعم..ألأخلاقيات".
طلبت مزيداً من الشرح فرد قائلاً: هناك من يعمل على تجميل جريمته كالخيانة الزوجية مثلاً أو عقوق الوالدين: ويكتب بإتقان وبراعة مبرراً ما فعل, حتى إنك تكاد تقتنع بالإثم الذى أقدم عليه!
ويضيف عبد الوهاب مطاوع قائلاً:مثل هذه الرسائل أرفض نشرها ,لأن الهدف من كل ما أكتبه إعلاء المثل العليا فى الحياة, وليس إفسادها, وترجيح جانب الخير والفضيلة,فإذا نشرت مثل هذه الرسائل فإنها قد تؤثر على القراء الذين تراودهم أنفسهم على الخطيئة, لكنهم يصارعون المغريات .. لا ينبغى تشجيع الضعف الإنساني مهما كانت الأسباب.
وعن المناطق المحظورة الأخرى تلك التى تتعلق بالخديعةَ! مثل إجراء عملية لستر البكارة لتحقيق غرض نبيل هو الزواج بعدما وجدت الشخص المناسب ,لكنها تخشى أن يرفضها إذا علم بأنها ليست عذراء,وهو موضوع لا يتسامح فيه الرجل الشرقى مهما صاحبه من ندم وتوبة..وهكذا أكون أنا بين نارين..لكنى بكل إصرار أرفض أن تبنى الحياة الزوجية على الغش والخديعة منذ البداية.

     مصدر الزاد
قلت لصديقي العزيز الكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع:
يلاحظ فى ردك على القراء ثقافة واسعة ومتنوعة  ..تستعين بالشعر والشريعة وعينات من الأدب العربى الرفيع..من أين لك بكل هذا الزاد؟
إبتسم قائلاً: هذا من فضل ربى..وكما أخبرتك فقد نشأت فى بيئة متدينة فإكتسبت الثقافة الإسلامية مبكراَ,ومنذ الصغر كما قلت لك أهوى القراءة فى الأدب والتاريخ خاصة, وليس بغريب أن أكون مفتوناً "بتشيكوف" وشديد الإعجاب"بالمعرى" فى ذات الوقت فالمثقف يجب أن يكون واسع الإطلاع على شتى الثقافات,وبعدما أصبحت مسئولاُ عن بريد الأهرام ازددت إهتماماً بعلم النفس والأحوال الشخصية فضلاً عن ضرورة الإلمام بالشريعة, ويعجبنى جداً من علماء الإسلام الإمام الراحل "محمد الغزالى"..آراه واحداً من أكبر المجددين فى هذا الميدان, وتشعر من كتاباته بأنه أديب إلى جانب كونه يعيش مع الناس,فهو ليس منعزلاً فى برج عاجى.

سؤالى الأخير كان عن مصير الخطاب بعد نشره..هل تنتهى مهمته عند هذا الحد,أم أنه يتابع المشكلة حتى يطمئن إلى أنها وصلت إلى حل يرضى مختلف الأطراف؟
أجاب وهو يبتسم: أصحاب هذه الرسائل لا يتركوننى فى حالى , يتصلون بى على الدوام.
وغرضهم أن أطمئن عليهم, ويسعدني ذلك ومن هؤلاء القراء الأعزاء نجحت فى تكوين صداقات وطيدة تقوم على محبة لوجه الله, فليس من ورائها مصلحة, وما أجمل أن تكون صلتك طيبة مع الناس على إختلاف مشاربهم,وتحققت دعوة أمى:"ربنا يحبب فيك خلقه".



نقله من مجلة كلام الناس
أ/ جمال العباسي

كتبه
بسنت محمود

راجعه وأعده للنشر
نيفين علي



تعليقات