شركاء الألم .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003

 شركاء الألم .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003

شركاء الألم .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003

الطلاق المباح كما يقول أهل الفقه إنما يكون عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة‏، وسوء عشرتها‏، والتضرر بها‏،‏ من غير حصول الغرض منها ومن البديهي أن ما يصدق على المرأة يصدق على الرجل أيضا‏.
عبد الوهاب مطاوع

أنا زوجة صاحب رسالة‏ (‏عصير الكراهية ـ‏ 2003/6/20)‏ الذي كتب لك عن معاناة ابننا الشاب ـ ذي الخمسة والثلاثين عاما ـ في زيجته التعسة‏,‏ بسبب سوء طباع زوجته بمزاجها السوداوي المتقلب‏,‏ وبطرها وعنادها وتحجر قلبها‏,‏ وميلها الغريزي لافتعال المشاكل وتقبيح كل ما هو جميل‏,‏ فضلا عن انسياقها وراء استعداء أبويها لها على زوجها ووالديه‏,‏ وإيهامهما زورا بتفوق شقيقيها على زوجها وشقيقه‏,‏ حتى بلغ بها الحال إلى التطاول على زوجها بما لا يليق على مرأى ومسمع من طفلتيهما دون مراعاة لصحتهما النفسية‏,‏ والتأثير في وجدانهما الرقيق بالحط من شأن أهل أبيهما وإعلاء مكانة أهلها‏,‏ على الرغم من علمها يقينا برجحان كفة أهل زوجها‏.‏ ثم التمادي في غلواء الغضب وهي مقيمة في بيت أبيها إلى حد توعد أبنيهما بمنعهما من الالتحاق بمدرستيهما في العام الدراسي الوشيك‏.‏
وفي الرد على استشارته لك في أن يقضي ابننا بقية أيام شبابه مع هذه الزوجة‏,‏ حرصا على مستقبل البنتين اللتين تسقيهما كل يوم عصير الكراهية لأبيهما وأهله‏,‏ أو أن يسرحها بإحسان ثم يتحرى اختيار الزوجة الصالحة‏.
قلت له‏:‏ إن الأمر يرجع إلى الزوج وحده وإلى قدرته على الاحتمال وأمله في الإصلاح‏.‏ فإما أن يختار التعلق بالأمل في الإصلاح ومحاولة تجنيب الأطفال عناء التمزق بين  أبوين منفصلين‏,‏ حتى ولو تحمل هو راضيا تعاسته الشخصية‏,‏ وإما أن يختار الخطوة التي تعفيه من التعاسة والعناء بغض النظر عما سيدفعه أطفاله من ثمن غال لذلك‏.‏
وإني أشهد بعين العدل والإنصاف‏,‏ أن ابني بتدينه الأصيل وخلقه الرزين وحلمه وسعة صدره‏,‏ لم يدخر جهدا ـ طيلة ما يزيد على عشرة أعوام ـ في دفع السيئة بالحسنة‏,‏ أملا في التغلب علي طباع السوء وتحويل وجهتها نحو الخير دون جدوى .‏.‏ ولا أخشى على الأطفال من التمزق بين أبوين منفصلين‏,‏ إذا أقاموا في شقة مستقلة مع أمهم في العمارة التي نملكها‏,‏ وقدر لأبيهم أن يتزوج امرأة صالحة في شقة ثانية من نفس العمارة أو في الجوار القريب‏.‏


وقد دفعني للكتابة إليك‏,‏ إحساسي العميق بقلب الأم لمأساة صاحبة رسالة‏ (‏الاختيار الصحيح ـ‏2003/5/23),‏ ثم مأساة صاحبة رسالة‏ (‏العسل المر‏2003/9/5).‏
وأعرف من خبرتي الطويلة في الحياة بين التدريس والتوجيه وسط بناتي الطالبات والمعلمات‏,‏ أن شركاء الألم هم الأقدر على مواساة بعضهم البعض في المحن ‏(‏إن المصائب يجمعن المصابينا‏).‏ ولذلك أطمع في مشاركة مثل هذه أو تلك ـ  من قارئات بابكم الإنساني ـ بالمودة والرحمة لحياة ابني في مستقبل عمره المديد إن شاء الله‏.‏
وإليكم ـ أدناه ـ عنواني ونبذة مختصرة عن ابني‏,‏ إن رأيتم‏,‏ إمكانية التواصل بيني كأم وبين من قد تكون ـ بإذن الله ـ ابنة لي وزوجة لابني‏,‏ حتى ننظر معا مدى التوافق بين الظروف المحيطة بكلا الطرفين‏,‏ ومدى استعداد كل منهما لإشباع احتياجات الآخر‏,‏ كخطوة تمهيدية للالتقاء والتعارف بينهما‏,‏ لعل الله يجمع بينهما فيكونان سندا  لبعضهما البعض‏,‏ في زيجة سعيدة موفقة بالحنان والحب والتفاهم‏.‏
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏


ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

شرع الله سبحانه وتعالى لنا الطلاق لبعض الزيجات التي تستعصي على الإصلاح ويعجز الطرفان أو أحدهما عن مواصلة احتمال تعاسته الزوجية إلى ما لا نهاية‏,‏ إنه كالدواء المر الذي لا مفر من تجرعه في بعض الأحيان‏,‏ وفي الحديث الشريف الذي رواه أبو داود قال عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق وإنما يكون مبغوضا من غير حاجة إليه‏.‏
والطلاق المباح كما يقول أهل الفقه إنما يكون عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة‏,‏ وسوء عشرتها‏,‏ والتضرر بها‏,‏ من غير حصول الغرض منها ومن البديهي أن ما يصدق على المرأة يصدق على الرجل أيضا‏,‏ ولقد فسر الشيخ الرئيس ابن سينا ذلك في كتابه الشفاء بقوله أن من أسباب الطلاق المباح أن من الطبائع مالا يألف بعض الطبائع فكلما اجتهدوا في الجمع بينهما زاد الشر والنبو ـ أي الخلاف ـ وتنغصت المعايش‏.‏


فإذا كنت تضمنين حقا يا سيدتي ألا تدفع حفيدتاك الصغيرتان الثمن الغالي لانفصال أبويهما‏..‏ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته صدق الله العظيم‏,‏ ويكفي ما تكبده ابنك طوال عشر سنوات داميات‏,‏ وأرجو أن تتصل بي كاتبتا الرسالتين المشار إليهما لأقدم لهما عنوانك ورقم تليفونك واترك لكن ذلك التواصل والاتصال‏.‏

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2003

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات