نداء البراءة "رسالة من ابن كاتب رسالة سر التحول" .. رسالة من بريد الجمعة عام 1999

     رسالة من بريد الجمعة عام 1999

 نداء البـراءة  .. رسالة من بريد الجمعة عام 1999

بأكتب لحضرتك الجواب ده وأنا خايف من بابا لأن أول مرة أعمل حاجة من غير ما أقول له‏,‏ وأنا زعلان منك جدا لأن بابا كتب لك مشكلته مع ماما‏,‏ وحضرتك قلت له يطلق ماما‏,‏ وبابا أشترى الجريدة وأنا قرأت الحكاية وكان مكتوب عليها سر التحول وبابا لا يكذب وأرسل لماما ناس كتير علشان ترجع‏,‏ وماما مش راضية نهائي وتركتني أنا وأخويا الصغير كل هذا الوقت مع بابا‏,‏ وهو تعب جدا معانا وكان بيودينا المدرسة ويعمل أكلنا ويغسل هدومنا وراح لشيخ في الأزهر وقال لبابا لا يطلق ماما‏,‏ لكن حضرتك قلت له يطلقها‏,‏ وفعلا سمع الكلام وعمل كده واحنا انا وأخويا كنا زعلانين جدا لأننا قلنا انه يمكن ماما ترجع تاني‏,‏ لان بابا مش بيعمل حاجة تزعل ماما وبيحبنا كلنا وبابا كان مستني ومش راضي يطلق ماما ولما حضرتك قلت له يطلقها وافق بعد شوية‏,‏ فليه حضرت قلت لبابا يعمل كده؟ مش يمكن ماما توافق في يوم من الايام انها ترجع له‏,‏ لأن مفيش حاجة وحشة حصلت من بابا‏,‏ وأكيد ماما بتحبنا وكانت هتوافق في يوم من الايام انها ترجعله وبابا كان بيحاول معاها كتير‏,‏ ودلوقت انا عايز حضرتك تكلم بابا وماما وتقول لهم يرجعوا تاني لبعض وحضرتك تكلم بابا وتقول له يوافق لما ترجع ماما‏,‏ لانه كان قال انه اذا طلقها لا يوافق علي رجوعها تاني‏,‏ وهو بيسمع كلامك‏,‏ وهمه الاتنين كويسين جدا وبيحبونا جدا ومفيش حاجة وحشة حصلت بينهم تخليهم يعملوا كده واحنا مالناش ذنب وبنحبهم والدراسة قربت ومش عايز نتعب وبابا يتعب تاني زي السنة اللي فاتت‏,‏ وأنا جبت مجموع كويس وأخويا كمان نجح ولو بابا وماما رجعوا تاني هنذاكر أكثر ونجيب درجات أحسن‏,‏ وبابا وماما بيصلوا وبيقروا القرآن وبابا كل يوم يروح يصلي الفجر واحنا نايمين وهو بيحبنا وبابا هيعمل لنا الشقة الجديدة وهنبقي فرحانين وهو هيسمع كلامك بس حضرتك قول لبابا وماما‏,‏ بس قول لبابا‏,‏ وياريت ماتقولش له انني بعت لك علشان مايزعلش وأرجو حضرتك تكون فهمت الحكاية من كلامي لاني شاطر في كل المواد لكن موضوعات التعبير صعبة شوية علي‏,‏ وإذا لم تعرف الحكاية احضر الجورنال اللي كتبت فيه الحكاية وانت تفتكر لاني سألت بابا عن حضرتك فقال ان كل الناس اللي عندها مشاكل بتبعت لك فيمكن تكون ناسي المشكلة بتاعتنا ومتشكر جدا أنا وأخويا انك هترجع لنا بابا وماما ونعيش مع بعضنا تاني وشكرا‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة المؤثرة أقول‏:

رجعت إلى رسالة أبيك التي نشرت في‏ 12‏ فبراير الماضي‏,‏ فوجدته لم يقصر في محاولة للحفاظ على حياتكم العائلية ولم يبخل بأي جهد في محاولة إقناع والدتك بالعودة إليكم‏,‏ وأنه قد احتمل صابرا هجرها له ولكما طوال‏ خمس‏ أشهر‏,‏ وإصرارها النهائي على طلب الطلاق حتى لقد هددته بالانتحار إن لم يستجب لرغبتها‏,‏ وحتى رجتك وأنت الصبي الذي لا يبلغ من العمر سوى‏ خمسة عشر‏ عاما وأخاك الطفل الذي لا يزيد عمره على 7 سنوات أن تقنعا أباكما بطلاقها‏,‏ وإلا فإنها سوف تنتحر وتعيشون جميعا بذنب دفعها للانتحار‏,‏ فماذا عساني كنت أستطيع أن أقول له يا ولدى وهي تصر على الطلاق من  أبيك إلى هذا الحد وبعد أن فشلت كل الجهود والمساعي في إقناعها بالعدول عن الطلاق والعودة إليكم‏,‏ بما فيها جهود رجل الدين الفاضل الذي أشرت إليه؟ لقد رأيت له بعد أن استعرضت معه كل هذه الظروف‏,‏ أنه لا مفر له في النهاية من الاستسلام لرغبتها بصفة مؤقتة لأن قيمنا الدينية والأخلاقية تنهانا عن أن يمسك الرجل امرأة تأبي الحياة معه على غير إرادتها‏,‏ حتى ولو كرهنا نحن ذلك وتضررنا منه أشد الضرر‏,‏ ولأن الاستجابة لمطلبها دون عند قد تفتح الباب أمامها في المستقبل لمراجعة نفسها والتفكير في مصير أطفالها وحقوقهم عليها‏,‏ فتهدأ نفسها بعد حين ويتجدد الأمل في الإصلاح‏,‏ ذات يوم قريب‏,‏ فإذا كان والدك قد استجاب لهذا الرأي الذي أتردد ألف مرة قبل أن أنصح به أبا لأطفال صغار مثلك ومثل أخيك‏,‏ فلأنه كان قد يئس تماما من أي أمل في الإصلاح بينه وبينها ومن أي رجاء في عودتها إليكم‏,‏ وما كان لمثل رأيي أن يؤثر فيه لو لم يكن قد اقتنع اقتناعا نهائيا انه لا جدوى لأي محاولة لاستعادة زوجته إليه وإلى ولديها‏.‏ ولقد روي لي في رسالته انه كثيرا ما بكي أمامك وأمام أخيك الصغير‏,‏ من إحساسه بالقهر واليأس من استعادة والدتكما,‏ فماذا كان يستطيع أن يفعل والدك يا ولدي لكي يستعيد إليكما أمكما‏.‏ أكثر مما فعل؟ وماذا كان بمقدوره أن يفعل أمام إصرارها النهائي على الانفصال عنه؟
 فإن كنت تتخوف من انه سوف يرفض عودتها إليكما إذا قبلت هي بها لأنه كان قد أكد انه إذا طلقها فلن يعيدها إلى عصمته مرة أخرى‏,‏ فلقد قال ذلك فقط لكيلا تستسهل والدتك الطلاق وعلى أمل أن يدفعها ذلك الوعيد إلى مراجعة نفسها‏,‏ واستشعار ما سوف يعانيه ولداها بسببه فترجع عنه‏,‏ لكني على ثقة من أن قلبه الذي مازال ينبض بحبك وحب أخيك لن يسمح له بالتمسك بهذا الوعيد إذا لمس من أمكما أي بادرة استعداد للعودة إليكم فهو أب رحيم بأبنائه ولقد كان زوجا محبا لزوجته ومتفانيا في استرضائها وأحسبه بالرغم مما حدث مازال كذلك‏,‏ ومثل هذا الأب العطوف لا يرفض عودة أم ابنيه إليه إذا هي رغبت في ذلك‏.
فإذا كنت تريدني أن أتحدث إلى أبيك في ذلك فإني على أتم استعداد لأن أفعل ذلك بلا تردد‏,‏ كما أني على استعداد أيضا لان أتحدث إلى والدتك في أمر عودتها إليكم‏,‏ لكني أرجوك فقط في أن تستأذنها لي في الاتصال بها تليفونيا لأني لا أفضل أن أحدث أحدا عن حياته الشخصية ما لم يأذن لي بذلك‏,‏ وإن كانت رسالتك الصادقة هذه ابلغ من أي كلمات أستطيع أن أقولها لها‏,‏ وأقدر على تصوير عمق احتياجك واحتياج أخيك إلى أمهما وإلى الحياة العائلية الهادئة التي حرمتما منها
 وإني لأدعوها لقراءة هذه الرسالة ألف مرة وتأمل معانيها واستشعار ما تعكسه من حيرة صبي في الخامسة عشرة من عمره وإشفاقه على نفسه وعلى أخيه الطفل من غياب أمهما عن حياتهما‏,‏ وحلمه الحسير بأن ترجع الأيام الهانئة التي كان يعيش فيها مع أخيه في ظلال أبوين يجمع بينهما سقف واحد‏.‏
إنها رسالة تفتت الحجر ولو كان صلدا‏,‏ وأسألها بعد ذلك‏:‏ أي شيء في الحياة يستحق أن تحرم من أجله هذا الصبي الحائر وهذا الطفل الصغير من الأمان والاستقرار ودفء وجود الأم في حياتهما؟ نعم أي سبب يا سيدتي يمكن أن يصمد لمثل هذا النداء البريء من طفليك ولو كانت لديك كل أسباب الدنيا للانفصال عن أبيهما؟
أما أنت يا صغيري فلا تخش شيئا من غضب أبيك منك لأنك قد كتبت إلي دون علمه‏,‏ فهو لن يغضب أبدا منك وإنما سوف يقدر لك حبك له وإشفاقك عليه مما يتحمله من عناء وحده في رعايتكما‏,‏ ولسوف يزداد حبا لك وعطفا عليك كعهده معك ومع أخيك‏,‏ فإذا كان في رسالتك ما سوف يحزنه ـ دون أي غضب منك,‏ فهو ما تصوره من حيرتك أنت وشقيقك وافتقادكما لأمكما وأملكما المحروم في عودتها إليكما‏.,‏ وكل ذلك لا ذنب لك ولا لأخيك فيه والسلام‏.‏
نشرت عام 1999 في باب بريد الجمعة بجريدة الاهرام
نقلها من أرشيف جريدة الأهرام / محمد يسري

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات