الرغبة المدمرة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993
أنا واحدة من قارئاتك الدائمات .. أكتب إليك اليوم لأني في أشد الحاجة لأن أروي لك قصتي مع الحياة .. منذ 25 عاما كنت فتاة صغيرة تدرس بالمرحلة الاعدادية وتعيش مع أبويها وأخوتها , حين جاء إلى بيتنا شاب من أقاربنا ليقيم بيننا فترة دراسته بأحد المعاهد العليا . وكان هذا الشاب يعاني من شدة أبيه معه .. وحصل على دبلوم تجارة في بلدته وأراد أن يكمل تعليمه بأحد المعاهد العليا بالقاهرة فوافق أبوه بعد جهد جهيد وبشرط ألا يطالبه بأية نفقات . وجاء هذا الشاب ليقيم معنا فسعدنا بوجوده بيننا واتخذناه أخا أكبر لنا وصديقا كنا في حاجة إليه , وأنهى الشاب دراسته بالمعهد بنجاح وعمل في مدينة ساحلية وانتقل إليها وغادرنا , لكنه ظل على صلة حميمة بنا وبوالدي على وجه الخصوص .. وبعد عامين نقل مرة أخرى إلى القاهرة , وأقام في مسكن خاص به لبعد عمله عن بيتنا وانتسب لأحدى الكليات النظرية , وواصل تردده الدائم علينا حتى أصبح شبه مقيم لدينا مرة أخرى , وواصل تشجيعي على الاستذكار والاهتمام بأمري , فجمعنا الحب الذي اندلعت شرارته في قلبي تجاهه منذ جاء إلينا أول مرة , وتم زواجنا في شقة بسيطة تنازلت بها عن طموحي وأحلامي إرضاء له , وسعدت بها كما لو كانت قصرا منيفا .. وأنهى زوجي دراسته الجامعية بنجاح وانتقلنا للاقامة إلى مدينة هادئة جميله بعيدة عن القاهرة , ومرت أيامنا سعيدة رغم معاناتي من الاجهاض أربع مرات متتالية ويأسي في النهاية من الانجاب , ومع مرور السنوات وتقدمه في عمله بدأت ألاحظ عليه زيادة اهتمامه بنفسه .. وملابسه وأناقته وعطوره , مع ابتعاده جسديا عني بالشهور متعللا بارهاق العمل مع أني أهتم بنفسي كثيرا وأتزين في البيت , في حين ارتدي الحجاب خارجه .. وشيئا فشيئا بدأت معاملته لي تتغير وبدأ يمد يده إلي بالضرب بالحذاء أو "الشبشب" أو بأي شئ آخر .. وأمام أي صديقة أو جارة لي أو أحد أطفال الجيران ولأتفه الأسباب .. وأصبح سريع الخطأ والانفعال , ومع ذلك فلقد كنت أعود فأصفح عنه بعد قليل وتصفو نفسي له سريعا , بل كنت انحني وأقبل قدميه حبا واعتزازا حين ينام ويضع ساقيه فوق "حجري" تدللا ولا غرابة في ذلك فهو الرجل الوحيد في حياتي منذ تفتحت عيناي للحياة وهو أيضا زوجي وحبيبي وابني الذي لم أرزق به .
وذات يوم تشاجر معي لسبب تافه وارتفع صوته غاضبا وضربني بشدة وسبني بأهلي , وكانت أول مرة يسبني فيها بأبي وأمي , ومن "حرارة" الضرب والاهانة رددت عليه سبابه , وكانت المرة الأولى أيضا , وأسفت لذلك كثيرا ولم أسامح نفسي على ردي عليه فجئت إليه في نفس اليوم بالمقص وطلبت منه أن يقص القطعة الزائدة في لساني التي ردت عليه , واعتذرت له بصدق وحرارة , ومع ذلك لم يقبل اعتذاري ولم يصفح وظل غاضبا لفترة طويلة حتى عادت الحياة لمجاريها بيننا بعد صبر طويل .
وحدث خلال ذلك أن حاولت أن أحتفظ بوليد لقيط عثروا عليه في المدينة , وجاء به إلينا مأمور الشرطة لعلمه بأننا لم ننجب , لكن زوجي رفض احتفاظي به وحرمني منه بحجة أنه يريد طفلا من صلبه هو .. وليس من صلب رجل مجهول غيره .. فعرفت أنه قد بدأ يفكر جديا في الزواج من غيري , وكنت قد سمعت منذ فترة قبلها أنه قد تعرف على فتاة تترد على مكتبه كثيرا , فحزنت لذلك وبكيت كثيرا .. وفقدت إحساسي بالأمان .
ثم سافر إلى القاهرة منذ حوالي شهرين .. وزار أبي وصارحه بأنني لم أعد أصلح له وقدم له بعض المبررات الواهية أبرزها أنني أرد عليه انفعالاته وعاد إلى مدينتنا .. وواجهني بأنه سوف يطلقني .. وذهلت حين سمعت ذلك وتوسلت إليه باكية ألا يفعل .. وأن يدعني أبقى زوجة له .. حتى ولو تزوج من أخرى خاصة ولدينا شقتان يستطيع أن يتزوج في إحداهما , لكنه تعلل بأنه لا يستطيع أن يفتح بيتين في وقت واحد .. ولم أشأ أن أتراجع وأنا أرى قصة عمري كله تنهار أمامي فطلبت منه أن يعطيني 50 جنيها كل شهر فقط كإشارة لتحمله المسئولية عني وسأدبر حالي بعد ذلك بمرتبي ولن أكلفه شيئا ولن أطالبه بشئ آخر لكنه أصر على الرفض , فعرضت عليه إذا كان أهل الفتاة التي سيتزوجها يعترضون على زواجه منها وأنا في عصمته , أن أحاول اقناعهم أنا بذلك وبأنه لا خوف من وجودي في حياته , بل وأن أبكي بين أيديهم وأرجوهم وأرجوها أن يوافقوا على زواجه منها مع استمراري في عصمته .. ورجوته بدموعي الغريزة رجاء حارا ألا يتركني مهما حدث لأني أحبه .. ولم أعرف أحدا غيره في حياتي .. ولا أستطيع أن أتعرى أمام رجل آخر , وتعلقت به باكية ومتوسلة كما تتعلق طفلة خائفة بأبيها الذي يوشك أن يغادر البيت ولا تريده أن يتركها وحدها للضياع .. فلم يلن قلبه القاسي ولم يرق , وأجابني ببرود : أنني سأستطيع أن أبدأ حياة جديدة مع غيري بسهولة وسأعتاد على ذلك بعد فترة .
وجاء أبي وأخي ليشهدوا طلاقي .. وجمعت أشيائي ودموعي لا تتوقف لحظة واحدة .. وجاء المأذون وتم الطلاق وتنازلت له عن كل حقوقي المادية , وأمضيت ليلتي "السوداء" في بيت أرملة طيبة من جيراني , وفي اليوم التالي نقل أخي أثاثي من شقتي السابقة وغادرت المدينة التي عشقت هدوءها وأحببتها وعدت كسيرة حزينة إلى القاهرة , وحاولت أن أتشاغل عن أحزاني فرجعت إلى كتبي وكليتي التي كنت قد أهملتها منذ سنوات لأحاول تعويض ما فات لكني لا أفهم ما أقرأ .. ولا أحس بشئ مما يدور حولي ولا أستطيع النوم ولا أجد شهية للطعام أو لأي شئ آخر في الحياة , وأحس بأنني قد فشلت في كل شئ , وخرجت من رحلة السنين بالعدم .. فلا زوج ولا بيت ولا شهادة ولا شكل جميل .. ولا شئ سوى قلب طيب ونفس عطوف تحب الناس وتجد قبولا لديهم .. وفي وسط هذه الدوامة من الأحاسيس والإحباط اتصلت بي زوجة أحد زملائه التي كانت مع غيرها يتضايقن من فرط حبي وتدليلي لزوجي , مما كان يثير غيرة أزواجهن , وقالت لي : أنني أستحق ما نلته من زوجي لأنني بالغت في تدليله وارضائه وأقرضته مالا وبعت ذهبي من أجله فاشترى شقة وأرضا وأعطيته من الرعاية والاهتمام أكثر مما يستحق فرفعت "سعره" .. فماذا كانت النتيجة ؟ .. أو لم تكن هي على حق في معاملتها العادية لزوجها ؟.. وأنهت مكالمتها بأنني أستحق مرة أخرى ما حدث لي.
وأنا أسألك يا سيدي : هل كنت على خطأ حقا في معاملتي لزوجي وتدليلي له وإفراطي في حبه ورعايته ؟!
إنني أرجوك أن تقف إلى جواري وترشدني إلى الصواب .. وتحدد لي أخطائي وكيف اتداركها في المستقبل .. فهل أخطأت في تصرفاتي ووقوفي معه ؟.
وهل أخطأت بتمسكي به حتى اللحظة الأخيرة .. وهل أستطيع حقا "كما قال لي سامحه الله" أن أبدأ حياة جديدة مع غيره .. بلا حرج ؟ وهل تنصحني بأن أتعجل ذلك كما يرى زوج شقيقتي ليكون هناك من أهتم به ويهتم بي ويخرجني من دائرة الأحزان المتصلة التي أعيش فيها الآن ؟
إنني "أريد أن أكون صريحة معك" وبالرغم حبي السابق الكبير لزوجي أحس الآن برغبة غريبة في الانتقام منه .. وأتمنى أن ينتقل إلى مكان أو منصب أقل مما هو فيه الآن لكي يقل دخله ومرتبه وتقل نقوده التي طالما "بهدلني" بسببها .. فكيف أقاوم هذا الشعور المدمر الذي تسلل إلى نفسي ؟!
وماذا تقول للرجال الذين يبيعون "الواقع" بكل ما فيه من حب ووفاء "بالغيب" الذي لا يعلمونه ولا يعرفون إذا كان سيحقق لهم أملهم الضعيف في الانجاب .. أم لا ؟ .. وأخيرا كيف يرضى الله لي ولأمثالي سبحانه وتعالى بالعذاب وهو من قدّر علينا ولا راد لقضائه .. عدم الانجاب !
ولـــكـــاتـــبة هـــذه الـــرســـالة أقــول :
يخيل إلي يا سيدتي في بعض الأحيان أن هذه العبارة المأثورة تصدق على كثير من حالات الزواج في عصرنا الحالي , وتقول : إذا أرادت الزوجة أن تنال السعادة مع زوجها , فعليها أن تفهمه كل الفهم .. وتحبه بعض الحب , أما إذا أراد الزوج أن ينال السعادة مع زوجته فعليه أن يحبها كل الحب .. وأن يكف عن محاولة فهمها نهائيا تجنبا للمتاعب معها .. ولأنه لن ينجح في فهمها فهما صحيحا في النهاية مهما فعل !
ورغم نبرة السخرية والمبالغة في العبارة إلا أنها تؤكد حقيقة هامة من حقائق الحياة فعلا وهي أن الحب والفهم مطلوبان معا من جانب الزوجة لكي ينجح زواجها ويستمر .. والفهم قد يكون أكثر فعالية لها في تحقيق هدف الحفاظ على الطائر الشارد في قفصه من الحب في بعض الأحيان .. أما فهم الزوج لزوجته وإن كان مفيدا أيضا بالتأكيد فى تيسير الحياة وإنجاحها إلا أنه ليس جوهريا في ذلك , إذ قد يكفي الحب الصادق في ذلك لأن طائر الزوجة أكثر استئناسا وأقل ميلا للضيق بقيود القفص , وأقل تعرضا واستجابة لنداءات التمرد والانطلاق وخارجة بطبيعتها المائلة دوما للاستقرار .
والتبصر يا سيدتي هو بعبارة بسيطة : قدرة الإنسان على إدراك المعاني الحقيقية للأمور ومعرفتها المعرفة الصحيحة بالدراسة والتأمل والتفكير الدقيق .. وتزداد حاجة الإنسان إليه في المواقف المصيرية والمحزنة في حياته لكي يستوعبها ويفهم أسبابها الحقيقية .. فيعينه هذا الفهم على إعفاء نفسه من اللوم إذا تكشف له بالتبصر الحكيم أسباب أخرى لما تعرض له لا يد له فيها , ويعينه على تدارك أخطائه ومحاولة إصلاحها إذا كشف التأمل والتحليل عن مسئوليته عن هذه الأسباب .
وفي تقديري أن زواجك من البداية كان يحمل معه بذرة الخطر ولا أقول الفشل , لأنه فيما أتصور كان في بعض أسبابه زواج عرفان أو رد للجميل من هذا الشاب الذي تخلى عنه أبوه ووجد في أبيك وأسرتك صدرا مفتوحا وقلبا عطوفا .. والزواج الذي يكتب له النجاح والاستمرار لابد أن يطلب لذاته ولأسباب تتعلق أساسا بشخص شريك الحياة فيه وليس بغيره مهما كانت الظروف والدوافع .. فهناك دائما من الوسائل ما يستطيع به الإنسان أن يعبر عن عرفانه واعترافه بالجميل لمن أحسنوا إليه دون الحاجة لظلم إنسانة بالزواج منها لأسباب لا تتعلق بشخصها هي .
لكنه حتى إذا لم تكن البداية صحيحة .. فإن شرارة الحب الصادق حين تولد كفيلة بتعويض خطأ البدايات .. كما أن تشابك الخيوط بين الشريكين بمجئ الأبناء الذين يربطون بينهما حتى نهاية العمر، كفيل أيضا بمساعدة السفينة على الطفو غالبا فوق سطح الماء مهما كانت الأنواء وقوة الرياح , ولم يتوافر هذا ولا ذاك للأسف في ظروفك .. فلا الحب الصادق الحقيقي الذي لا يدع لصاحبه مجالا آخر للاختيار قد نما وتعملق في قلب زوجك السابق فيعوضه عن تطلعه إلى الانجاب ويدفعه للاكتفاء بك أو حتى للاحتفاظ بك إذا غلبته رغبته القاهرة فيه إلى الزواج من أخرى , ولا سمحت لك ظروفك بالانجاب فتنتفي حاجته إلى طلب ما ينقصه لدى غيرك .. والانفصال أو الزهد الجسدي فيك بالشهور الطويلة علامة خطيرة على جفاف منابع الحب في قلبه تجاهك منذ فترة طويلة .. ورفضه الاحتفاظ بك حتى ولو تزوج رغم تذليلك للصعاب المادية التي تحول دون ذلك وعرضك المؤلم له بأن تتوسلي إلى فتاته وأهلها للسماح له بذلك , دليل آخر أن سفينته قد أمضت في الإبحار بعيدا عن مياهك الدافئة بالحب والوفاء له.
وليس في كل هذه الأسباب ما تستطعين أن تلومي نفسك عليه أو تحاسبيها عنها , فكلها أسباب لا حيلة لك فيها .. وما لا حيلة لنا معه لا لوم علينا فيه .. بل أنه حتى ردك عليه بعض انفعالاته لا يستطيع منصف أن يلومك عليه أو يعتبره سببا مؤثرا في فشل زواجك , وقد كنت تتحملين منه الإيذاء الجسدي والضرب المبرح بالحذاء والشبشب وبأي شئ أمام الصديقات والجيران والأطفال ! ثم تصفحين عنه وتصفو له نفسك بعد لحظات وتبادرينه أنت بالصلح والمغفرة , فأية مسئولية عن هذا الفشل يستطيع منصف أن يحاسبك عليها !
يا سيدتي يكفيك ما قدمته له من حب وعطاء ووفاء وتدليل .. وهو بالمناسبة ليس خطأ حتى ولو بالغت فيه لأن كل إنسان ينفق مما عنده , ومن ليس في جعبته سوى الحب والوفاء لا يستطيع إلا أن ينفق مما عنده .. وليس الخطأ خطأه إذا قوبل حبه ووفاؤه بالتنكر والجحود , وإنما هو خطأ من قابل الاحسان بالاساءة .
أما "رغبتك المدمرة" في أن تتمني له دخلا أقل ومرتبا أصغر وشأنا أهون مما هو عليه الآن .. فهى رغبة مفهومة نفسيا وتعكس ما تحسين به من مرارة تجاهه .. وضيق بتذللك الغريب إليه ليحتفظ بك وجرحه لمشاعرك وكرامتك الانسانية والعاطفية معه .. وهي مشاعر مؤقتة أرجو أن تتخلصي منها بالترفع عنها إشفاقا على نفسك الطيبة العطوف من أن تلوثها الكراهية حتى لمن أساء إليك .. وتجنبا لأن تفسد عليك أيامك بالمرارة واجترار الآلام.
فخير ما نفعل بمن أساءوا إلينا هو أن نسقطهم من حياتنا فلا نتمنى لهم خيرا ولا شرا , ولا نشغل أنفسنا بأمرهم كأنما لم يعد لهم وجود في الحياة .. أما تساؤلك كيف يرضى الله سبحانه لك ولمثيلاتك بالعذاب وهو من قدّر عليك عدم الانجاب , فإني أجيبك عنه بأن الله جل شأنه يجزي كل إنسان عما يصيبه في الحياة ولو كان شكة الشوكة خيرا في الدنيا وفي الآخرة .. ولا يرضى بالعذاب لأحد ولا بظلم أحد وهو من حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما وحكمته في النهاية تخفى على أفهامنا المحدودة .. وهواجسك هذه من خطرات الشيطان لمن يئسن من إغوائه فيزيد من معاناته وآلامه بهذه الوسوسة .. وقد نصحنا رسولنا الكريم بأن من وجد في نفسه من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله , وفي رواية أخرى "فليستعذ بالله ولينته" .
ويرى الامام المازري أن الخواطر قسمان : خواطر عارضة ويدفعها الإنسان عن نفسه بالإعراض عنها , وخواطر مستقرة ولا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها .. ولا شك أن تساؤلك هذا من الخواطر العابرة التي تطوف بالإنسان تحت وطأة همومه وآلامه ولا تستقر في نفسه وتحتاج في دفعها عنه إلى البحث والدراسة .. فادفعيها عنك يا سيدتي حتى لا تضاعف من معاناتك وخسائرك واعتصمي بايمانك وثقتك بربك .. وأملك الدائم فيه وهو نصير المظلومين والمحرومين والحيارى .
أما الرجال الذين يضحون بالواقع جريا وراء غيب لا يعلمه إلا الله فلقد أبديت رأيي فيه مرارا وقلت كثيرا أن الشيطان يغري الإنسان بالمفقود لينسيه الشكر على الموجود , لكن الإنسان معذب دائما بتطلعه الأبدي إلى ما يتصور فيه سعادته وهناءه , ولا يعرف غالبا قيمة الأشياء إلا بعد أن يفقدها .. ومازال يكرر نفس الخطأ منذ بدء الخليقة .
ويبقى في النهاية بعد ذلك , أن أؤكد لك أنك تستطعين فعلا أن تبدئي حياة جديدة مع إنسان آخر يستحقك ويستمتع بينبوع العطاء المتدفق داخلك ويقدره لك ويعوضك عن كل ما لقيت .. ولكن ليس الآن .. وليس قبل أن تطوي هذه الصفحة من حياتك نهائيا , وتجتازي فترة نقاهة نفسية كافية تعيدين فيها مراجعة أيامك وتتخلصي من خلالها من الآثار السلبية لهذه التجربة المؤلمة من حياتك .. ومن بصمات زوجك السابق على شخصيتك ووجدانك وقلبك لكي تواجهى الحياة باستعداد أفضل لاستقبال مؤثراتها الجديدة .. وللحكم الصحيح على اختياراتها , وليس كالزمن يا سيدتي دواء لشفاء الآلام وتطهير الجراح وحرث النفس والقلب تجديدا لحيويتهما .
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" ديسمبر 1993
كتابة النص من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر