واجب الضيافة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1997
إن اهتزاز مثل الام يهدي الى ابنها شرخ نفسي .. وقد ينعكس عليه بأبلغ الضرر فى حياته الشخصية ، وربما علاقته بزوجته فى المستقبل ، ونظرته إلى الجنس الآخر ، وإلى الحياة طوال العمر.
عبد الوهاب مطاوع
تبدأ فصول المشكلة المؤلمة التي أحدثك عنها
، ولا أستطيع أن أتحدث عنها مع أي إنسان آخر ، منذ ست سنوات ، وأنا فى الثانية
عشرة من عمري ، حين رجعت إلى البيت ذات يوم ، وفتحت شقتنا بالمفتاح ، فإذا بى أجد
مفاجأة قاتلة في انتظاري ، وهى وجود أقرب الأشخاص إلى الأسرة مع أمي وحدهما في
المسكن ، وفى موعد يعرف الاثنان أن أبى يكون فيه في عمله .. فلم أملك إلا الصمت والاكتئاب
والحزن الغامض ، الذي لم أكن أعي أسبابه وقتها ، ورغم صغر سني .. فقد لاحظت
الارتباك الذي تولى أمي وصديق الأسرة لعودتي غير المتوقعة ، وحاولت أمي أن تقنعني
بأنه قد جاء منذ لحظات فقط على موعد مع أبى ، ولكن أبي تأخر فى العودة ، فاضطرت هي لاستقباله
وتقديم واجب الضيافة له ، حتى يرجع أبي .
ورغم أنني كنت أكثر منها رغبة في أن أصدق
هذه القصة ، إلا أنني لم أستطع أن أفهم لماذا يتطلب واجب الضيافة أن تجلس أمي معه
على الأريكة الضيقة نفسها فى الأنتريه ، مع أن به أماكن لستة أشخاص ، أو لماذا
اضطربا اضطرابا مخجلا ، حين دخلت عليهما ، حتى كادا يقعان على الأرض عند نهوضهما
من الأريكة ، بسبب اصطدام وجهيهما و تلعثمهما .
ولكاتب هذه الرسالة أقول :
من المؤلم حقا أن تتعرض لمثل هذه المحنة
المريرة فى صباك وفى شبابك أيضا ، ولولا إدراكي لعمق ما تعانيه من ألم وخجل وإحساس
مرير بالعار تجاه أقرب الناس إليك ، لما نشرت رسالتك هذه ، كما لا أنشر
مثيلاتها من الرسائل ، التى تحكى عن وقائع لا أخلاقية ، لم يخجل منها مجتمع بشرى ،
منذ فجر البشرية ، فإن كنت قد نشرتها هذه المرة ، فلكي أخفف عنك بعض ما تعانيه من
أثر ما تكتمه فى صدرك ، ومن أثر اهتزاز مثل الأم المستهترة أي شرخ نفسي ، تهديه
إلى ابنها ، وقد ينعكس عليه بأبلغ الضرر فى حياته الشخصية ، وربما علاقته بزوجته
فى المستقبل ، و نظرته إلى الجنس الآخر ، و إلى الحياة طوال العمر .
فإذا كنت قد التزمت بالصمت فى المرة الأولى
، وكتمت أحزانك فى صدرك ، وكابدت هذا المشهد المؤلم فى مخيلتك طوال ست سنوات ،
فلقد كان عذرك وقتها ، وأنت صبى صغير فى الثانية عشرة من عمرك ، لا تعي كثيرا من
حقائق الحياة ، وتحكمت نظرة الابن الصغير إلى الأم ، التى ينبغي دائما رمز للطهر
والعطاء ، كما أنك كنت لا تملك لها شيئا ، وهى زوجة لرجل مسئول عن حماية عرضه و
الدفاع عنه .
وعلى الرغم من كل ذلك .. فلقد كان من واجبك
أن تنفر من هذا الشخص ، وأن تعتزله ، وتبدي الجفاء الشديد ، وترفض الاقتراب منه ،
أو اقترابه منك ، ولا تستجيب لأي تودد من جانبه إليك ، بغير أن تصرح بحقيقة أسبابك
، إذ لعل هذا الجفاء المفاجىء من جانبك تجاهه ، كان يساعد أباك على الشك فى أسبابه
و محاولة التحري عنها ، والتصرف على ضوء ما يتوصل إليه من معلومات ، بشأن شريكة عمره
.
أما فى المرة الثانية ... فلم يكن لك أي عذر
فى صمتك هذا ، حتى ولو كان تحرجا من الأم ، و كان من واجبك ألا تقبل من الطرفين أي
تبرير درامي " لصدفة " لقائهما فى شقة أختك الغائبة ، وأن تنتفض غضبا
ضدهما معا ، وتطالب هذه السيدة التي أتعفف عن وصفها بلقب الأم ، بتحليل هذه
العلاقة الآثمة ، ووضعها فى إطارها المشروع ولو بالزواج العرفي ، وهو أضعف الإيمان
، بل إنك كنت تملك إحراجهما معا فى ثورة غضبك ، وتهديدك لهما على أن هذا الزواج
على الفور ، وتصحبهما معا من شقة أختك إلى أقرب مأذون أو مكتب لعقد الزواج الشرعي
أو العرفي و الإشهاد عليه ، حفظا لكرامتك التي أدمياها مرتين ، وحتى لو طلقها بعد
ذلك وابتعد عنها .
وربما كان هذا أقرب ما كان سيفكر فيه ، بعد
أن تتحول العلاقة الآثمة إلى علاقة مشروعة ، لسبب بسيط ، هو أنه سوف تساوره غالبا
الشكوك فى إخلاصها له ، وقد خبر وفاءها من قبل لزوجها ، وخبر حقيقة إخلاصها لمن
تحمل اسمه .. فضلا عن أنه كان سيعرف أن المغامرة " المجانية " قد تحولت
إلى زواج مشروع ، له أعباؤه الاجتماعية والعائلية ، و له تبعاته ، التى قد لا يقدر
على تحملها بالنسبة لأسرته وزوجته وأبنائه ، إذ ليس من المعقول أن يكون شابا
" عزبا " ، وإنما الأقرب للعقل ، وقد كان صديقا لأبيك ، هو أن يكون فى
مثل سنه أو يقاربه فى العمر .
وعلى أية حال فما دامت هذه الفرصة قد أفلتت
من يديك ، فلا تكتف هذه المرة باجترار الأحزان وحدك ومكابدة ذلك المشهد الكريه فى
مخيلتك ، وغالب حرجك و خجلك وإحساسك المرير بالعار ، وطالب تلك السيدة بأن تتزوج
صديقها ، ما دامت مستمسكة به كل هذه السنوات ، حتى لو على حساب كرامة ابنها
ورجولته وصحته النفسية ، واستعن بشقيقتك المتزوجة على ذلك ، فإن لم يتحقق ذلك
فطالبه بلا حياء منها ، لأن الحياء مع من لا يستحى ضعف مرذول ، بأن تقطع علاقتها
بهذا الشخص ، وحرم أنت عليه الاقتراب منها ، أو من بيت الأسرة ، وضيق عليها و عليه
الخناق بكل ما تستطيع من وسائل ، واصبر على هذا الكرب العظيم ، الذى يذكرنا بعذاب
هاملت بخيانة أمه لأبيه مع عمه ، و تآمرهما عليه ، حتى تنهى دراستك و تشق حياتك
بعيدا عن هذا الجو الفاسد ..
هذا إذا لم تكن قادرا من الناحية العملية و
المادية على أن تقدم على ذلك الآن ، فى حالة إصرارها على مواصلة هذه الحياة غير
الفاضلة بلا زوج .. وبلا تعفف عن الخطيئة .
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
تعليقات
إرسال تعليق
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وشكرا