القائمة الرئيسية

الصفحات

واجب الضيافة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1997

 واجب الضيافة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1997

 واجب الضيافة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1997


إن اهتزاز مثل الام يهدي الى ابنها شرخ نفسي .. وقد ينعكس عليه بأبلغ الضرر فى حياته الشخصية ، وربما علاقته بزوجته فى المستقبل ، ونظرته إلى الجنس الآخر ، وإلى الحياة طوال العمر.

عبد الوهاب مطاوع



أنا شاب من أسرة متوسطة ، أدرس بالجامعة ، و أعمل إلى جانب الدراسة ، لأساعد نفسي على أعباء الحياة وعمري 18 عاما .

تبدأ فصول المشكلة المؤلمة التي أحدثك عنها ، ولا أستطيع أن أتحدث عنها مع أي إنسان آخر ، منذ ست سنوات ، وأنا فى الثانية عشرة من عمري ، حين رجعت إلى البيت ذات يوم ، وفتحت شقتنا بالمفتاح ، فإذا بى أجد مفاجأة قاتلة في انتظاري ، وهى وجود أقرب الأشخاص إلى الأسرة مع أمي وحدهما في المسكن ، وفى موعد يعرف الاثنان أن أبى يكون فيه في عمله .. فلم أملك إلا الصمت والاكتئاب والحزن الغامض ، الذي لم أكن أعي أسبابه وقتها ، ورغم صغر سني .. فقد لاحظت الارتباك الذي تولى أمي وصديق الأسرة لعودتي غير المتوقعة ، وحاولت أمي أن تقنعني بأنه قد جاء منذ لحظات فقط على موعد مع أبى ، ولكن أبي تأخر فى العودة ، فاضطرت هي لاستقباله وتقديم واجب الضيافة له ، حتى يرجع أبي .

 

ورغم أنني كنت أكثر منها رغبة في أن أصدق هذه القصة ، إلا أنني لم أستطع أن أفهم لماذا يتطلب واجب الضيافة أن تجلس أمي معه على الأريكة الضيقة نفسها فى الأنتريه ، مع أن به أماكن لستة أشخاص ، أو لماذا اضطربا اضطرابا مخجلا ، حين دخلت عليهما ، حتى كادا يقعان على الأرض عند نهوضهما من الأريكة ، بسبب اصطدام وجهيهما و تلعثمهما .



 

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

 

من المؤلم حقا أن تتعرض لمثل هذه المحنة المريرة فى صباك وفى شبابك أيضا ، ولولا إدراكي لعمق ما تعانيه من ألم وخجل وإحساس مرير  بالعار تجاه أقرب الناس إليك ، لما نشرت رسالتك هذه ، كما لا أنشر مثيلاتها من الرسائل ، التى تحكى عن وقائع لا أخلاقية ، لم يخجل منها مجتمع بشرى ، منذ فجر البشرية ، فإن كنت قد نشرتها هذه المرة ، فلكي أخفف عنك بعض ما تعانيه من أثر ما تكتمه فى صدرك ، ومن أثر اهتزاز مثل الأم المستهترة أي شرخ نفسي ، تهديه إلى ابنها ، وقد ينعكس عليه بأبلغ الضرر فى حياته الشخصية ، وربما علاقته بزوجته فى المستقبل ، و نظرته إلى الجنس الآخر ، و إلى الحياة طوال العمر .

فإذا كنت قد التزمت بالصمت فى المرة الأولى ، وكتمت أحزانك فى صدرك ، وكابدت هذا المشهد المؤلم فى مخيلتك طوال ست سنوات ، فلقد كان عذرك وقتها ، وأنت صبى صغير فى الثانية عشرة من عمرك ، لا تعي كثيرا من حقائق الحياة ، وتحكمت نظرة الابن الصغير إلى الأم ، التى ينبغي دائما رمز للطهر والعطاء ، كما أنك كنت لا تملك لها شيئا ، وهى زوجة لرجل مسئول عن حماية عرضه و الدفاع عنه .

وعلى الرغم من كل ذلك .. فلقد كان من واجبك أن تنفر من هذا الشخص ، وأن تعتزله ، وتبدي الجفاء الشديد ، وترفض الاقتراب منه ، أو اقترابه منك ، ولا تستجيب لأي تودد من جانبه إليك ، بغير أن تصرح بحقيقة أسبابك ، إذ لعل هذا الجفاء المفاجىء من جانبك تجاهه ، كان يساعد أباك على الشك فى أسبابه و محاولة التحري عنها ، والتصرف على ضوء ما يتوصل إليه من معلومات ، بشأن شريكة عمره .

 

أما فى المرة الثانية ... فلم يكن لك أي عذر فى صمتك هذا ، حتى ولو كان تحرجا من الأم ، و كان من واجبك ألا تقبل من الطرفين أي تبرير درامي " لصدفة " لقائهما فى شقة أختك الغائبة ، وأن تنتفض غضبا ضدهما معا ، وتطالب هذه السيدة التي أتعفف عن وصفها بلقب الأم ، بتحليل هذه العلاقة الآثمة ، ووضعها فى إطارها المشروع ولو بالزواج العرفي ، وهو أضعف الإيمان ، بل إنك كنت تملك إحراجهما معا فى ثورة غضبك ، وتهديدك لهما على أن هذا الزواج على الفور ، وتصحبهما معا من شقة أختك إلى أقرب مأذون أو مكتب لعقد الزواج الشرعي أو العرفي و الإشهاد عليه ، حفظا لكرامتك التي أدمياها مرتين ، وحتى لو طلقها بعد ذلك وابتعد عنها .

 

وربما كان هذا أقرب ما كان سيفكر فيه ، بعد أن تتحول العلاقة الآثمة إلى علاقة مشروعة ، لسبب بسيط ، هو أنه سوف تساوره غالبا الشكوك فى إخلاصها له ، وقد خبر وفاءها من قبل لزوجها ، وخبر حقيقة إخلاصها لمن تحمل اسمه .. فضلا عن أنه كان سيعرف أن المغامرة " المجانية " قد تحولت إلى زواج مشروع ، له أعباؤه الاجتماعية والعائلية ، و له تبعاته ، التى قد لا يقدر على تحملها بالنسبة لأسرته وزوجته وأبنائه ، إذ ليس من المعقول أن يكون شابا " عزبا " ، وإنما الأقرب للعقل ، وقد كان صديقا لأبيك ، هو أن يكون فى مثل سنه أو يقاربه فى العمر .

 

وعلى أية حال فما دامت هذه الفرصة قد أفلتت من يديك ، فلا تكتف هذه المرة باجترار الأحزان وحدك ومكابدة ذلك المشهد الكريه فى مخيلتك ، وغالب حرجك و خجلك وإحساسك المرير بالعار ، وطالب تلك السيدة بأن تتزوج صديقها ، ما دامت مستمسكة به كل هذه السنوات ، حتى لو على حساب كرامة ابنها ورجولته وصحته النفسية ، واستعن بشقيقتك المتزوجة على ذلك ، فإن لم يتحقق ذلك فطالبه بلا حياء منها ، لأن الحياء مع من لا يستحى ضعف مرذول ، بأن تقطع علاقتها بهذا الشخص ، وحرم أنت عليه الاقتراب منها ، أو من بيت الأسرة ، وضيق عليها و عليه الخناق بكل ما تستطيع من وسائل ، واصبر على هذا الكرب العظيم ، الذى يذكرنا بعذاب هاملت بخيانة أمه لأبيه مع عمه ، و تآمرهما عليه ، حتى تنهى دراستك و تشق حياتك بعيدا عن هذا الجو الفاسد ..

هذا إذا لم تكن قادرا من الناحية العملية و المادية على أن تقدم على ذلك الآن ، فى حالة إصرارها على مواصلة هذه الحياة غير الفاضلة بلا زوج .. وبلا تعفف عن الخطيئة .

 

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1997

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


reaction:
Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما ستشربه غدا

تعليقات

محتوي المدونة غير منسوخ من الانترنت ولكنه جهد فريق عمل قام بجمعه من أرشيف جريدة الأهرام وإعادة كتابته ومراجعته وتهيئته للنشر ليكون مرجع شامل لمحبي الأستاذ .. لذا نرجو من السادة الأفاضل الذين يتخذون المدونة أساسا ومرجعا لمنشوراتهم عدم النسخ والاكتفاء بروابط الرسائل لحفظ مجهود فريق العمل وإلا عرضوا أنفسهم للإساءة والفضح على وسائل التواصل الاجتماعي ليكونوا عبره لغيرهم من سارقي جهد غيرهم. نيفين علي .. بسنت محمود