بريق الأمل .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993


 

بريق الأمل .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

بريق الأمل .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993

 

أنا سيدة في الخمسين من عمري , ربة بيت وزوجة لرجل طيب صالح يعمل موظفا بدرجة مدير عام بإحدى الشركات العامة , وهو والحمد لله رجل طاهر اليد لا يقبل الحرام على نفسه وبيته , ولم يزل بعد الثلاثين عاما من العمل يعيش في شقة متواضعة بحي شعبي ونحمد الله كثيرا على ذلك .. ولقد كان ينبغي لنا أن نعيش في مستوى أفضل مما نحن فيه الآن لولا اختبار الله سبحانه وتعالى لنا في ولدين من أبنائنا الستة.

أما الولدان فأحدهما في الثانية والثلاثين من عمره , وهو أكبر الأبناء وقد شاءت إرادة الله أن يولد بعيب خلقي في عينيه , وهو القصور في الجفون وانتهى بعد عشرين عملية جراحية اضطرتنا إلى الاقتراض والمعاناة إلى كف بصره نهائيا والحمد لله على قضائه وقدره , فلم تمنعه الاعاقة من مواصلة كفاحه وتعليمه في الأزهر وجندنا له امكانياتنا المحدودة وكنا نستأجر له من يذاكر معه واشترينا له ما يحتاجه من كتب , فحبب الله إليه الدراسة والعلم وواصل مشواره بنجاح حتى حصل على الماجستير وعمل مدرسا بالأزهر وهو يعد للدكتوراه الآن والحمد لله على فضله ونعمته .

أما ابني الثاني ففي الثانية والعشرين من عمره وقد ولد بقصور بسيط في إحدى ساقيه , لكنه يعاني من اضطراب عصبي يجعله يهتز في مشيته ولا يقوى على الوقوف منتصبا لأكثر من خمس دقائق , وقد أدت ظروفه الصحية هذه إلى تعثره في الدراسة فلم يستطع الحصول على الثانوية العامة رغم ما بذله من جهد مضن لنيلها , وكان طبيعيا بعد استنفاده لمرات الرسوب أن يؤدي الخدمة العسكرية عند بلوغه السن المقررة , فأداها ولولا رحمه الله التي بصرت القلوب الرحيمة بحالته الصحية لعاد إلينا من خدمته جثة هامدة , لكنهم راعوا أكرمهم الله حالته فكانوا لا يكلفونه من الأعمال إلا بما يطيقه .. وانتهت فترة التجنيد بسلام وبدأت مشكلته الحقيقية التي اكتب لك بشأنها , فهو راسب ثانوية عامة ولا أمل له في وظيفة كتابية تناسب حالته وبسبب ظروفه الصحية فهو لا يستطيع أن يقوم بعمل شاق كحمل الأشياء أو صعود السلم , وفرص العمل المتاحة لأمثاله كلها من فرص الأعمال التي تتطلب ذلك فعجزنا عن إيجاد عمل له , وتدهورت حالته النفسية لاحساسه بعجزه وأصبح يثور لأتفه الأسباب وتفاقمت المشكلة حين أعلنت احدى الجهات الأمنية عن حاجتها لعمال حراسة واجتاز الاختبارات الطبية بسلام ثم انكشف عجزه على الفور حين بدأت فرقة التدريب والإعداد . ومن هذا اليوم يا سيدي وابني محطم نفسيا خاصة بعد أن قيل له في أسباب رفضه أنه مصاب باضطراب عصبي قد يكون سببه ورم في المخ , حفظ الله الجميع منه , لقد عجزنا يا سيدي عن حل مشكلته ونحن لا نتضجر من نفقات طعامه وشرابه وملبسه , فالله هو المعين على كل أمر عسير وهو الرازق الكريم , لكني أتمزق حسرة حين أفكر فيما عساه أن يفعل في مستقبل حياته وحين أراه يشعر بأنه رجلا بلا عمل كإحدى إخواته البنات ويتألم , لقد فشلت محاولاتنا لإيجاد عمل له يشعره بالأمل في حياته ومستقبله , ألا يستطيع أحد قرائك الأفاضل أن يقدم له هذا العمل إنقاذا له ولنا مما نعانيه ؟

جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"

abdelwahabmetawe.blogspot.com

 

ولـــكـــاتـــبة هـــذه الـــرســـالـــة أقـــول:

 أضع رسالتك بكل ما تحمله من معاني الرضا والصبر والامتثال تحت أنظار من يملكون إعادة الأمل إلى نفس هذا الشاب المحكوم بأقداره وتخفيف معاناته ومعاناتكم , وأقف على باب ربي آملا في رحمته وأنتظر .. "وما تشاءون إلا أن يشاء الله" وهو "فعال لما يريد" .. صدق الله العظيم .

                                 نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" ديسمبر 1993

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 

 

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات