الصورة الأخرى ..رسالة من بريد الجمعة عام 1994
لقد قرأت ما كتبته لكم بعنوان "دفء الحياة" إحدي الأمهات اللاتي لم ينجبن ناعية على نفسها ما هي فيه ثم قرأت كلماتكم المواسية والملطفة لآلامها .. واستكمالا لها أعرض على كاتبة الرسالة ما أنا فيه لعل فيما أقول لها ما يزيدها راحة وإقتناعا .
فأنا يا سيدي سيدة اشغل إحدى الوظائف القيادية في الحكومة .. أما زوجي فحاصل على أكبر درجة علمية وله مكانته التي يشار إليها بالبنان حيث كان يترأس إحدى المؤسسات العلمية، وقد منحنا الله سبحانه وتعالى ولدين تربيا في بيئتنا المحافظة والحقناهما بإحدى مدارس اللغات وأنفقنا عليهما في التعليم والدروس الخصوصية كل إيرادنا معا .. وكبر الولدان والتحقا بالجامعة وفوجئنا بهما يتعثران في دراستهما إلى أن اكتشفنا أن أكبرهما مدمن للمخدرات منذ كان في التعليم الثانوي وأنه يستولى على مقتنياتنا من النقود والحلي لينفق على ما يشتريه من المخدرات ولم نتأخر دقيقة في عرضه على الأطباء النفسانيين وعلاجه بأحد المستشفيات لكنه كان يكف عن التعاطي لفترة ثم يعود أكثر تعمقا في إدمانه وقد فقد الرحمة بي وبأبيه إلى أن فرغ منزلنا من كل ما يمكن سرقته فتحول إلى الغرباء وكان مصيره السجن لمدة طويلة وتسبب في إصابتي بإرتفاع في ضغط الدم أما والده فكان مصيره اختلالا إلى االأبد في كل وظائف القلب.
أما الابن الأصغر فقد تعثر أيضا في دراسته الجامعية ثم فوجئنا به وقد ترك كليته بل ترك محافظتنا إلى محافظة أخرى حيث يعمل بائعا في أحد المحلات وأخذت الكوارث الصحية تنهال على والده إلى أن فقد مركزه.
والآن أقول لكاتبة الرسالة ما رأيك يا أختاه فيما نحن فيه ؟ تأكدي أننا كنا نتمنى ألا نرزق بأولاد عما نقاسي منه الآن من فقدان للولدين وفقدان لصحتنا وعار يكلل رأسينا وحمدا لله رب العالمين على كل حال .
جميع الحقوق محفوظة لمدونة "من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
abdelwahabmetawe.blogspot.com
ولـــكـــاتـــبــة هـــذه الـــرســـالـــة أقــــول:
اللهم لا صبر لنا على ما قدر علينا إلا بك , هذا ما ينبغي أن يقوله المرء عن بعض آلام الحياة التي لا قبل له بإحتمالها إن لم يعنه ربه عليها .. وآلامكما من هذا النوع الرهيب من الأحزان أعانكما الله عليها .. ورفع بها درجاتكما عنده .. وأضع رسالتك يا سيدتي أمام كاتبة رسالة "دفء الحياة " .. والتزم الصمت احتراما لأحزانكما .. وكل الأحزان .
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" مايو 1994
كتابة النص من مصدره / بسنت محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر