ورقة على الحائط .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002
إني أضم صوتي إلى صوت كاتب هذه الرسالة في مناداة الآباء والأمهات أن يرحموا أبناءهم من دفع فواتير سوء اختيارهم لشركائهم في الحياة، وأن يعفوا نفوسهم الطاهرة من البغضاء ضد أحد الأبوين مهما كان سجله مع الطرف الآخر أو كانت جنايته عليه .. فنحن لو فعلنا ذلك فإنما نزيد من مساحة الحب والعطف والتراحم في الحياة، ونقدم لها أبناء أسوياء نالوا حظهم العادل من الرعاية الصحيحة والحب المبصر الذي لا يشوه وجدانهم بالأحقاد على أقرب البشر إليهم .. ولا يحرمهم من التواصل السليم مع الحياة .. وإن العهد كان مسئولا.
عبد الوهاب مطاوع
قرأت رسالة النار المتأججة التي تعبر عن بغض وكراهية شديدين من كاتبتها لأبيها
بسبب تخليه عنها في الصغر, ثم جاءت رسالة ثمار الشوك فدعمت بقصد أو دون قصد
المنطق الأول للرسالة الأولي فأحدثت الرسالتان صحوة مفاجئة وتفكيرا عميقا لدي
الكثير من الآباء خاصة الذين يعيشون الظروف نفسها وكان من أثر هاتين الرسالتين
رسالة جبال الحقد والتي برر صاحبها المواقف الظالمة التي يتعرض لها بعض الآباء
بسبب الأحقاد والكراهية التي تملي علي أبنائهم وبناتهم, فيشبون وهم يكرهون آباءهم
لأسباب خارجة تماما عن إرادة هؤلاء الآباء, ولقد أعجبتني كلماتك في الرد علي
الرسالة حيث قلت ليس هناك أظلم ممن يفسد مشاعر طفل بريء علي أحد أبويه ويؤلبه عليه
ويغرس بذور البغضاء والكراهية فـي نفسه ضده.
واستطردت
ومن عجب أن من يفعل ذلك إنما يفعله وهو يعتقد أنه ينتقم بذلك من الطرف الآخر..
غير مدرك أنه بقدر ما يسيء إلي هذا الطرف بإفساد مشاعر ابنه عليه فإنه يسيء بأضعاف
أضعاف ذلك إلي هذا الابن نفسه ويرشحه للتعاسة في الحياة ولمواجهة الدنيا بمرآة
داخلية مشوهة أفسدتها عليه أحقاده ومرارته التي غرسها في صدره الطرف المنتقم ..
إن هذه الكلمات فيها فصل الخطاب في هذا الموضوع المرير.
ولقد
قطعت رسالة ثمار الشوك وعلقتها علي الحائط في الغرفة التي أظل بها أغلب الوقت في
شقتي لكي تكون نصب عيني ولكيلا أنسي أبدا المشاعر السيئة التي تتولد لدى الأطفال
إذا شعروا بأن آباءهم يتخلون عنهم خاصة في الطفولة والصغر, وكرهت أن أكون واحدا
من هؤلاء, وقد لاحظت أن الأطفال مثل التاريخ يدونون كل شيء وتبقى الحقائق دائما
مهما توارت خلف الغش والتضليل والخداع, وأما لماذا فعلت ذلك فلأني بعد أن تخرجت
في كلية الهندسة وأنهيت الخدمة العسكرية عينت في تخصصي في إحدى وزارات المرافق
المهمة في الدولة, وتزوجت من سيدة مطلقة في ريعان شبابها وجمالها اعتقادا مني
أنها ستحفظ هذا الجميل, وتحقيقا لرغبة في نفسي أن تكون زوجتي جميلة جدا لأن
والدي عير والدتي في إحدى المرات بعدم جمالها, فأثرت هذه العبارة في نفسي وكرهت
أن تصاحبني زوجة غير جميلة, وبالفعل تزوجت من لم يكن لديها من الشروط, التي
حددها الدين غير هذا الشرط, وأقصد جمال الشكل, وسرعان ما تحول إلى قبح يصعب
احتماله وظهرت المـؤشرات السلبية من البداية لكني صممت على الاستمرار والزواج
وأثمر الزواج طفلا ثم طفلة ثم استمرت المشكلات بيننا وظلت الزوجة الغالبية العظمي
من الأيام بعيدا عني في منزل أسرتها, حيث إن عملي وإقامتي في محافظة أخرى ثم
خططوا بعد ذلك للاستيلاء على شقتي في محافظتي الأصلية ونجحوا في ذلك.
وكانت الضربة الثانية حين استغلوا وجودي في أحد
المستشفيات بالقاهرة وذهبوا بزوجتي إلي المحافظة التي أعمل بها حيث مقر عملي وسكني
الإداري وبه أثاث الزوجية وأخذوا كل شيء وتم الطلاق, ولم أحزن على شيء مما فقدته
سوى فراقي لطفلي وطفلتي, حيث كان عمر ابني وقت الطلاق 7 سنوات وطفلتي 4 سنوات,
فصممت على أن أعمل جاهدا على ألا يشعر الطفلان بهذه الكارثة التي أحلت بهما وبي,
وكان القدر رحيما حيث أن أهلي وأهل مطلقتي يقيمون في بلدة واحدة وأعمل أنا في بلد
آخر وأزور أهلي وبلدي الأصلي باستمرار وبالتالي تكون زيارتي لأبنائي من طبيعة
الأمور, فكنت أطلب رؤية الطفلين ومصاحبتهما في الشوارع والحدائق ولم يكن أهل
أمهما يمانعون في ذلك والحمد لله ومازلت لأربع سنوات بعد الطلاق على هذا المنوال
أسافر كثيرا لرؤية فلذات الأكباد مع عدم التوفيق في زيجة جديدة, وعدم القدرة على
التوفير لمثل هذه الزيجة والصرف ببذخ على الطفلين وأخذهما معي أحيانا إلى المحافظة
النائية الجميلة التي أعمل بها.
وإذا كان لأهل مطلقتي ميزة واحدة لا يوجد غيرها
فهي موافقتهم الدائمة عند طلب الطفلين تليفونيا حيث لاحظوا الحب الجارف الذي أكنه
لهما وازداد بعد الطلاق ويوافقون أيضا علي اصطحابي لهما في الأوقات المناسبة للسفر
إلي المحافظة التي أعمل بها.
لقد أزعجتني الرسالتان اللتان نوهت إليهما في البداية إزعاجا شديدا بصرف النظر عن
حقيقة ما سردته صاحبتا الرسالتين, ولقد علقت رسالة ثمار الشوك على الحائط لأن
صاحبتها نجحت في جعلي أكره أن أكون مثل والدها في نظر طفلي وطفلتي, بل إنني عزمت
علي السفر سريعا لرؤيتهما واحتضنت ابنتي بشدة عندما رأيتها تسرع إلي لدرجة أنها
قالت لي إن ضلوعها قد ألمتها.
وأخيرا أريد أن أعرض الاتفاق الذي يجب أن نوقع عليه وهو أن الأطفال ليس لهم ذنب
فيما يحدث بين آبائهم وأمهاتهم, ويجب ان نجنبهم بقدر المستطاع الآثار السلبية
للطلاق وألا ننسي أبدا أنهم ضحايا يستحقون العطف والرحمة والمودة, وقضاء حاجاتهم
فرض مؤكد لأنهم الذين تعرضوا للمأساة بفرقة آبائهم وأمهاتهم دون ذنب أو جريرة
ارتكبوها, والعهد الذي قطعته علي نفسي هو ألا أخون هذين الطفلين أبدا حتى ولو
تزوجت وأنجبت غيرهما بمشيئة الله, كما أني لن أعيرهما أبدا بما فعلت أمهما معي
أو أهلها ولم أحملهما مسئولية أي فعل خاطيء ليس لهما جريرة فيه والله علي ما أقول
شهيد.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ونعم العهد الذي عاهدت يا سيدي.. وأني لأدعو الجميع إلي مشاركتك هذا العهد الأمين.. وان يضموا أصواتهم إلي صوتك وصوتي في مناداة الآباء والأمهات أن يرحموا أبناءهم من دفع فواتير سوء اختيارهم لشركائهم في الحياة, وأن يعفوا نفوسهم الطاهرة من البغضاء ضد أحد الأبوين مهما كان سجله مع الطرف الآخر أو كانت جنايته عليه.
فنحن لو فعلنا ذلك فإنما نزيد من مساحة الحب والعطف والتراحم في الحياة, ونقدم
لها أبناء أسوياء نالوا حظهم العادل من الرعاية الصحيحة والحب المبصر الذي لا يشوه
وجدانهم بالأحقاد علي أقرب البشر إليهم.. ولا يحرمهم من التواصل السليم مع
الحياة.
وإن العهد كان مسئولا أيها الصديق .. وشكرا لك على رسالتك.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر