يوم الفرح .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987

 

يوم الفرح .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987

يوم الفرح .. رسالة من بريد الجمعة عام 1987

أنا مواطن من سكان الإسكندرية أسكن منذ 5 سنوات بجوار أسرة متوسطة اعتدت أن أراهم مرة كل شهرين حين يأتون من السفر .. ويفتحون الشقة المغلقة .. ينظفونها وتدب الحياة في مسكنهم . وبحكم الجيرة تعرفت عليهم ووجدت فيهم أسرة مصرية طيبة كنت أظنهم في البداية مصيفين ممن يحتفظون بشقة في الإسكندرية يأتون إليها في الصيف أو كلما سمحت لهم الظروف .. لكني عرفت فيما بعد أن رب الأسرة يعمل في إحدى شركات البترول بالبحر الأحمر بنظام اليومية عن طريق مقاول، وأنه يجمع أجازاته كل شهرين ثم يعود إلى مسكنه بالإسكندرية ليقضى أجازة حوالي 10 أيام يعود بعدها إلى عمله راضيا سعيدا .

ولاحظت وأنا الموظف البسيط أنهم يعيشون في بحبوحة من العيش وأنهم كرماء كطبيعة المصري حين يعطيه الله من فضله ، فكانوا حين يأتون من البحر الأحمر يجيئون محملين بأشياء كثيرة لهم وللجيران أيضا فيغدقون على أطفالي الهدايا التي يعجز دخلي المتواضع عن رد الكثير منها حتى تعلق بهم أطفالي وأصبحوا يسألون عنهم كلما طالت غيبتهم .

وفي العام الماضي جاءوا في الأجازة كالمعتاد وسعدنا بهم وفرح أطفالي بمجيئهم انتظارا للهدايا التي حصلوا عليها فعلا لكن الأجازة طالت هذه المرة حتى مضت الأسابيع والشهور بغير أن يرحلوا كالعادة ... ويئس أطفالي من العودة من عندهم بشيء مما تعودوه .. فأصبحوا وأنا آسف لهذه الحقيقة لا يقبلون عليهم بكثرة كالسابق ثم نسيت أمرهم في مشاكل الحياة اليومية الكثيرة .. ولم أعد أراهم إلا جين التقى بالأب نازلا أو صاعدا فنتبادل كلمات التحية والمجاملة .. إلى أن كنا في الشهر الماضي وجاءوا يدعوننا لحضور خطوبة ابنتهم الأخيرة التي لم تكن قد تزوجت بعد فهنأناهم ووعدنا بالحضور وفى يوم الخطوبة دقوا الباب علينا أكثر من مرة، مرة لاستعارة أطباق وأخرى لاستعارة الكراسي .. وثلاثة لاستعارة الشوك حتى استوفوا منا تقريبا كل ما يلزم لهذا اليوم .. ولم اهتم بذلك لأنه شيء عادي في مثل هذه المناسبات.

 ثم جاء موعد الخطوبة ودخلنا شقتهم مهنئين .. فإذا بي أرى حطام شقة .. لا شقة دخلتها وعرفتها من قبل .. ورايتها عامرة بالخير .. فلا شيء تقريبا سوى الأشياء التي استعاروها منا هي التي تقوم بواجب الضيافة .. وتلجمت .. ولم استطع الكلام ورأيت زوجتي تتصبب عرقا وهي في أشد الحرج .. وبحكم الجيرة انتظرنا حتى انقض المولد وشعرت الأسرة بحيرتنا فتكلم الأب وقال في اختصار : انخفض سعر البترول فاستغنت الشركة عن عمال المقاول وكنت من بينهم، ولم أحسب لهذا اليوم حسابا فبعت كل ما أملك واستدنت، لي معاش من خدمة سابقة ٣٦ جنيها لا استطيع أن أسرق أو أن أتسول طرقت كل الأبواب بحثا عن عمل .. مهنتي براد أول لكن الورش لا ترحب بمن اشرف على الستين والشركات تريد الشباب .. ربنا موجود.

خرجت من الفرح وبداخلي مأتم ورحت أجري وأسأل في كل مكان عن عمل لهذا الجار الطيب بلا أمل .. ودخلي المحدود لا يساعدني على أداء الواجب معهم .. كما أنهم أيضا لا يقبلون لو استطعت .. فحين قدمت للعروس بعد الخطوبة بيومين هدية نقدية بمناسبة الفرح أعادوها إلينا بكل إباء مكتفين بهدية ليلة الخطبة البسيطة .. إنني موظف بسيط وعلاقاتي محدودة .. فهل تستطيع أنت أن تجد عملا لجاري هذا يكون بمثابة طوق النجاة لأسرته الطيبة ؟

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح وبهذا المنطق سوف أسعى .. وأرجو أن يكلل الله مسعاي بالنجاح .. فاكتب إلي باسم رب هذه الأسرة وعنوانه وأملي كبير في أن يلقى بعض أصحاب الورش بالإسكندرية أو بعض المسئولين بشركاتها طوق النجاة لهذه الأسرة المصرية المتعففة التي هتكت سترها أزمة انخفاض أسعار البترول.

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1987

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات