الدموع الجافة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1990
أنا يا سيدي
زوجة منذ ١٣ عاما وموظفة وزوجي موظف أيضا وقد أنجبنا ثلاثة أطفال وعشنا حياة هادئة
سعيدة نحلم بأن نربي أطفالنا تربية صالحة ونحسن تعليمهم ليواجهوا معركة الحياة ، ولأني
زوجة عاملة فإني انهض من نومي مبكرا وأخرج أطفالي إلى مدارسهم ثم أذهب إلى عملي
وأعود منه في الساعة الثالثة بعد الظهر .. واحرص على أن أعود للبيت قبل عودتهم من
المدرسة بدقائق لأكون في استقبالهم ثم يعود زوجي من عمله بعد ذلك بحوالي ساعة
ونجتمع حول مائدة الغداء.
أما في الأجازة
الصيفية فإني أخرج إلى عملي في الثامنة صباحا .. وأترك أطفالي في الشقة وأغلق
بابها عليهم بالمفتاح بعد إعداد طعام الإفطار لهم .. وبعد التوصيات اللازمة لهم
بالابتعاد عن النوافذ وعدم استخدام البوتاجاز الذي أغلق محبسه أيضا .. ثم أعود في
الثالثة فأجدهم يلعبون أو يتفرجون على التليفزيون .. وقد اعتادوا على ذلك في كل أجازة.
وفي يوم من أيام شهر أغسطس الماضي عدت من عملي مرهقة من الحر وفتحت باب شقتي وأنا أتوقع سماع صياح الأطفال من وراء باب الشقة كعادتهم عندما يسمعون صوت المفتاح يدور في القفل .. فلم أسمع صياحا، ولا ضجيجا وخمنت أنهم مشغولون بمتابعة التليفزيون ففتحت الباب فإذا بي أرى كل شيء في الشقة مبعثرا .. وأطفالي الصغار مقيدو الساقين واليدين وفوق فم كل منهم كمامة من القماش تكتم صوته وتكاد تكتم أنفاسه.. وهم جميعا راقدون على الأرض أو على الكنبة وبقايا دموع جافة متحجرة على وجوههم وقد أعياهم التعب والبكاء .. ولم أدر بنفسي ولا بما صنعت حينذاك لكن المؤكد أني جريت إليهم وأنا اصرخ بكل ما في من طاقة ودموعي تنهمر كالسيل ورفعت عنهم الكمامات وفككت قيودهم.
وانشق قلبي نصفين حين علمت أنهم بقوا على هذا
الحال من الساعة التاسعة صباحا إلى أن عدت إليهم وعرفت منهم إنهم فوجئوا بعد خروج
زوجي وخروجي من الشقة بحوالي 15 دقيقة بعدة أشخاص لا يعرفونهم فتحوا الباب بمفتاح
مزيف وكتفوهم وربطوا أربطة من القماش حول أفواههم ثم راحوا يقلبون كل شيء في الشقة
وأخذوا كل ما فيها من أجهزة وأشياء لها قيمة وانصرفوا في سلام من حيث أتوا والحمد
الله أنهم لم يفكروا في التخلص منهم .
وعاد زوجي
وصدم بما حدث .. وأبلغنا الشرطة وحصرنا المسروقات فبلغت قيمتها حوالي عشرة آلاف
جنيه علم الله وحده كيف جاء كل قرش من ثمنها .. وتم تحرير المحضر وأعطونا رقمه
وكلف بالقضية رائد شاب من ضباط القسم .. وتم كل ذلك ونحن نعرف الفاعل أو على الأقل
المخطط الذي أرسل هؤلاء الأشخاص ليرتكبوا جريمتهم وحددناه بالاسم لرجال الشرطة وانتظرنا
القبض عليه وعليهم وإعادة المسروقات أو بعضها فمضت ثلاثة شهور بلا أي خبر عنهم.
ولكاتبة هذه
الرسالة أقول :
المفروض يا سيدتي ألا نحتاج إلى واسطة قوية أو ضعيفة لكي يهتم رجال الشرطة بالبحث عن هؤلاء الجناة وإعادة المسروقات إليكم أو استردادها ممن اشتروها لكننا على أية حال نعيش على أرض الواقع .. وليس في سماء الخيال .. ونعرف أن قليلا من الاهتمام الفوقي ، بأي قضية يحفز همة رجال الشرطة في المستويات الأصغر لبذل أقصى الجهد لضبط الجناة .. وظروفك على أية حال تستحق بعض هذا الاهتمام .. لهذا فإني أضع رسالتك تحت أنظار من يستطيعون استثارة الحماس المفقود وإدارة العجلات الواقفة بمجرد السؤال العابر عن مصير هذه القضية .. فعسى أن يتحقق الأمل المنشود بعد هذه التجربة المروعة لك ولأطفالك الأبرياء وإنا لمنتظرون.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر