خواطر المساء .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988

 

خواطر المساء .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988

                      خواطر المساء .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988


قرأت رسالة السائرون نياما ، للزوجة التي تزوجت زوجها وهي لا تحبه على أمل أن تتغير مشاعرها تجاهه بعد الزواج .. فإذا بها تعايش إحساس الكراهية له بعد الزواج حتى لتتمنى في أعماقها موته لتسترد حريتها رغم تفانيه لحبها وحسن معاشرته لها وتصوره أنها تحبه مثلما يحبها .. ولقد أثارت هذه الرسالة تأملاتي وجددت أحزاني وأريد أن أروي لك قصتي لتعرفها هذه السيدة وتستفيد بها في تجربتها، فمثل هذه السيدة تخرجت أنا من إحدى الكليات العملية .. ومثلها تزوجت من أول طارق ملائم لبابي لا لشيء إلا لأني لابد أن أتزوج كما تفعل الأخريات وتم كل شيء بآلية شديدة ولم يفارقني خلال الاستعداد للزواج ذلك الإحساس البغيض داخلي بأني استحق رجلا أفضل منه ، ومع ذلك فأنا أواصل الإجراءات واستكمل الاحتياجات وأؤثث الشقة .. وتم الزواج وكان شابا يكبرني بسبع سنوات، يحبني ويخاف على من نسمة الهواء .. ويخشى علي إن فتحت النافذة أن يظهر لي فجأة جناحان وأطير في الهواء ويعمل كل جهده لإسعادي وأنا أؤدي واجبات حياتي الزوجية معه بإخلاص واحترمه .. لكن هذا الإحساس بعدم الرضا يسيطر علي ويلح علي كل يوم وبأني استحق رجلا أفضل منه كيف .. ولماذا .. لا أعرف لكن هذا هو ما حدث.. فأصررت على عدم الإنجاب منه ، أملا في تغير مشاعري تجاهه ومرت سنة كاملة بغير أن يفارقني هذا الإحساس .. فاستجمعت شجاعتي وطلبت منه الطلاق وفوجئ زوجي بطلبي مفاجأة مذهلة .. اهتز لها ولم يستوعبها لأول وهلة .. فلقد كان يعتقد أننا أسعد زوجين في الوجود ويتصور أنه لم يقصر في حقي من أي وجه من الوجوه وكان ذلك صحيحا بكل أسف .. لكنها النفس الأمارة بالسوء وكان رجلا كريما فلم يقبل أن يرغمني على حياة لا أريدها ، وتم الطلاق في هدوء .

 

وعدت إلى بيت أسرتي مطلقة جميلة في سن الخامسة والعشرين وبعد فترة قصيرة عملت في إحدى الشركات الكبرى بمرتب كبير .. وقلت لنفسي أنني قد بدأت الحياة التي تليق بي وأني سوف أقابل سريعا الفارس الذي أتمناه وأتزوج الزوج الذي تصورته في أحلامي ، رجلا أنيقا غنيا .. مركزه مرموق ... الخ .. وأقبلت على تجربة العمل سعيدة ومبتهجة اذهب إلى العمل كل صباح في أبهى زينتي وأتعامل مع الجميع بأدب واحترام حتى استراح الجميع إلى أخلاق وطباعي، وأتعامل مع قيادات العمل والعشرات من المتعاملين معها .. والمح بينهم كثيرين تنطبق عليهم شروطي في الزواج اللائق .. لكن أحدا منهم لا يطلب يدي  وإنما يطلب البعض صداقتي .. وبالأساليب المعروفة .. وأنت تعرف طبعا معنى الصداقة مع مطلقة صغيرة جميلة .. لكني صمدت لكل المضايقات حتى كسبت احترام الآخرين واستقرت ظروفي في العمل ومرت شهور أخرى .. وأنا انتظر الزوج الذي يليق .. فلا يتقدم لي أحد يتناسب مع أحلامي .. فبعض من تقدموا لي كانت عروضهم طمعا في مرتبي الكبير واستقلالي المادي والبعض الآخر يقبل على الارتباط بي ثم يتردد خوفا من وضعي كمطلقة أو لرفض أهله الزواج مني لأني مطلقة والبعض الثالث يعرض علي وضع الزوجة الأخرى فأتعجب كيف أقبل أن أكون نصف زوجة وقد رفضت من قبل حياة زوجية كاملة كان زوجي خلالها يرعاني ويحبني ولا يطيق البعد عني وفي وسط هذه الأحداث .. علمت أن زوجي السابق قد تزوج وأنجب طفلين وسارت سفينة حياته هادئة ، فتمنيت له السعادة من كل قلبي وافقت بعد حين على الحقيقة القاسية .. وهي أن ٩ سنوات كاملة قد مرت منذ طلبت الطلاق منه .. بسبب هذا الإحساس البغيض وبدأت أراجع حياتي بهدوء فاكتشفت كم كنت حمقاء حين استسلمت لهذا الإحساس ، وعرفت بعد فوات الأوان كم كان زوجي السابق رجلا ممتازا ، وزوجا صالحا ، ودعوت له بالسعادة مع أسرته الجديدة .

 



 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

 ليس لدي يا سيدتي ما أضيفه إلى كلماتك الصادقة سوى أن أتمنى لك من أعماقي أن تلجأ سفينتك إلى المرفأ الذي تجدين فيه راحة النفس واطمئنان القلب جزاء عادلا لرغبتك النبيلة في أن تجنبي صاحبة رسالة السائرون نياما عناء التجربة التي عشتها أنت .

أليس أدل على سلامة الوجدان ونقاء السريرة من رغبة المرء في أن يجنب غيره عثرات الطريق الذي سار فيه من قبل، ومن أن يلتمس لنفسه العزاء والتعويض في ذلك .. وهكذا الحياة يا سيدتي سلسلة متصلة من التجارب نعيشها .. وندفع ثمنها فتضيف إلى خبرتنا القليل .. ثم القليل، ولا يزال الإنسان يبحث عن  سعادته فيتعثر حينا ويتخبط حينا آخر حتى يكتشف السر الذي اكتشفته أنت بالتجربة الأليمة وهو أن سر السعادة في الرضا وقبول ما سمحت لنا به الدنيا من أسبابها .. بل والشكر عليها، لهذا فقد ذكرتني رسالتك بتعليقات عديدة تلقيتها على تلك القصة كانت كلها تنصحها بمثل ما تنصحينها به ما عدا رسالة واحدة من سيدة تطالبها بأن تفعل ما فعلته أنت بحياتك بحجة أن من لم تحب زوجها بعد سنة من الزواج لن تحبه أبدا .. ورغم إيماني كما قلت في ردي على رسالة الزوجة الأولى بأن الحب قد يولد فجأة في لحظة سحرية فتصبح فاصلا بين ما قبلها وما بعدها .. ورغم إيماني أيضا بأهمية الارتباط العاطفي لاستمرار العلاقة الزوجية ، فلقد قرأت بالصدفة قصة رويت من عمر بن الخطاب تصلح تماما للرد على رأى تلك السيدة التي طالبتني بأن انصحها بالطلاق وتشريد طفلتها الوليدة .. لأنها لا تحب زوجها الذي اختارته بنفسها ويحبها ويحسن معاشرتها.

 

 والقصة تقول أن رجلا جاء إلى ابن الخطاب يقول أنه يريد طلاق امرأته فسأله عن السبب فقال أنه لا يحبها ، فتفكر عمر قليلا ثم قال: وهل كل البيوت بنيت على الحب ؟ فأين الرعاية وأين الوفاء .. وأين حسن المعاشرة .. والى السيدة أتساءل أنا أيضا فأين الوفاء .. وأين الرعاية .. وأين حسن المعاشرة .. مع تمنياتي للجميع بالسعادة وراحة البال .

رابط رسالة السائرون نياما

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1988

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات