حد الكراهية .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2001

 حد الكراهية .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2001

حد الكراهية .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2001

هذه الرسالة تطلعنا على جانب شبه مجهول من جوانب النفس البشرية التي لم تحل كل ألغازها بعد حين يتعمق الكره في نفس طرف تجاه آخر لا مفر له من العيش بقربه فتتحجر مشاعره تجاهه تحجرا نهائيا حتى ليبخل عليه من شدة اليأس منه بمشاعر الكراهية، فكأنما قد تجاوز الكره له إلى عدم الإحساس أصلا بوجوده في الحياة بالرغم من رويته له كل حين.
عبد الوهاب مطاوع


أنا سيدة في بداية الخمسينيات من العمر‏..‏ متزوجة منذ أكثر من ثلاثين عاما‏..‏ كانت لدي قبل زواجي كل المقومات التي تجعلني مرغوبة بشدة .. فأنا من عائلة محترمه ومتدينة‏,‏ ومعروفه بين الجميع بعقلي واتزاني‏..‏ ومشهود لي بالجمال ‏..‏ وحاصلة علي شهادة أهلتني لأن اعمل في مركز مرموق مازلت اشغله حتى الآن فكان أن تهافت علي الكثيرون‏,‏ لكن إرادة الله شاءت لي أن ارتبط بالإنسان الذي نجح في إقناعي بأنه الأفضل لي بما له من خبرة طويلة في التعامل مع الجنس الآخر‏.

 

 ومنذ بداية الزواج‏,‏ اكتشفت فيه أشياء كثيرة‏..‏ فهو أناني‏..‏ جبان‏..‏ مخادع‏..‏ غشاش‏..‏ خائن‏,‏ ولن أطيل عليك في سرد تفاصيل لن تقدم ولن تؤخر في شيء‏..‏ لأنه باختصار‏,‏ الإنسان الذي نجح في شيء واحد فقط هو أن جعلني اكره نفسي‏..‏ واكره اليوم الذي ولدتني فيه أمي‏.‏

ولقد حاولت جاهدة‏,‏ وبمنتهي الإخلاص والثقة‏,‏ أن أغيره في السنوات الأولى من الزواج‏,‏ تارة بالحب وباللين‏,‏ وأخرى بالغضب والخصام‏,‏ ولكن‏..‏ لا فائدة‏..‏ لم يجد معه تفاهم‏..‏ ولا دموع‏..‏ ولا أي شيء آخر‏..‏ لم اطلع أحدا مطلقا على ما أنا فيه‏..‏ حتى اقرب الناس إلي‏..‏ وتحملت وحدي نتيجة سوء اختياري‏, وشيئا فشيئا‏..‏ أصابني اليأس‏..‏ والاستسلام‏..‏ ولم اعد راغبة في اللوم أو العتاب‏..‏ أو حتى مناقشه أي شيء‏..‏ ويبدو أانه قد ارتاح لهذا الوضع‏..‏ وازدادت سعادته‏..‏ نعم سعادته‏..‏ لقد كان يردد دائما لي ولكل من حوله‏..‏ أنه سعيد جدا جدا‏..‏ لأنه أحسن الاختيار‏..‏ وأتعجب‏..‏ ابتسم‏..‏ واسكت‏..‏ هذا الغبي‏..‏ لم يفهم مطلقا أن استسلامي ويأسي منه‏..‏ كان المرحلة المتقدمة جدا من الكراهية له‏..‏ نعم‏..‏ لم يفهم أبدا إنني قد تجاوزت حد الكراهية بكثير‏..‏ حتى وصلت إلى ما أنا فيه‏.


إلى أن جاء يوم‏..‏ واكتشف إصابته بالمرض اللعين‏..‏ واقسم لك بأنني رغم كل شيء‏..‏ قد عاملته بما يرضي ربي‏..‏ وكنت أضع نفسي دائما مكانه‏..‏ وخدمته كما لو كنت زوجة محبة‏..‏ حتى أنني كنت اسمع الثناء علي ممن حولي‏..‏ وكنت أتعجب لهم‏..‏ إذ أنني كنت افعل ذلك من تلقاء نفسي دون انتظار لشكر ولا ثناء‏..‏ وبحكم تربيتي الدينية والأخلاقية فقط‏..‏

ويبدو يا سيدي أن ضميره قد استيقظ في هذه الفترة‏..‏ فأخذ يردد عبارات الشكر لي‏..‏ بل الاعتذار دون الدخول في التفاصيل‏..‏ واخذ يطلب مني كثيرا أن أدعو له‏..‏ حتى يرضى ربه عليه‏..‏
وفي أواخر أيامه‏..‏ شعرت بأنه يريد أن يقول شيئا‏..‏ وكان قد وصل إلى مرحلة من المرض‏ جعلته لا يقوي على الكلام‏..‏ ولكني سألته وبصعوبة شديدة‏..‏ قال إن ما يريد قوله لي‏..‏ قد كتبه في رسالة بعث بها إليك‏..‏ ونشرتها في وقتها‏..‏ ولكن لأنك حجبت بعض تفاصيلها فاني لم افهم وقتها انه هو من أرسلها‏..‏ واخبرني بالعنوان الذي نشرت تحته والوقت التقريبي لنشرها‏..‏ وطلب مني أن ألجا إليك وأحاول الحصول علي أصل هذه الرسالة‏..‏ إذ إنها تضم كل ما يريد قوله لي ولا يقوى عليه‏..‏

وبعد الوفاة‏,‏ نسيت هذا الموضوع تماما‏,‏ وانشغلت بأشياء كثيرة ومشاكل متعددة فرضتها الظروف الجديدة‏..‏ وبعد أن هدأت الأمور نسبيا‏..‏ تذكرت فجاه هذا الموضوع‏..‏ وقررت أن اكتب لأسألك عن هذه الرسالة‏,‏ فهل تحتفظون بالرسائل القديمة .. بأي طريقه للحفظ ؟‏..‏ لقد مضى على نشرها أكثر من أربع سنوات‏,‏ إذ إنه كتبها في بداية إصابته بالمرض‏..‏

فهل من الممكن الحصول عليها أم لا‏..‏ وما هي الطريقة التي تمكنني من ذلك‏,‏ مع مراعاة السرية التامة‏..‏ بالطبع في ذلك‏..‏ ولك الشكر إذا تفضلت بالرد‏..‏ والشكر أيضا لتحملكم مشاكلنا‏.‏

ولكاتبه هذه الرسالة أقول‏:‏
يا إلهي‏..‏ هذا توصيف جديد لنوع من المشاعر احسب أنني لم اطلع عليه من قبل في رسالة سابقه‏..‏ فلقد وصفت مشاعرك تجاه زوجك الراحل بأنها كانت قد تجاوزت حد الكراهية له‏,‏ إلى مرحلة الاستسلام للواقع يأسا من أي أمل في الإصلاح‏,‏ فكأنما أردت أن تقولي لنا أن مشاعرك تجاه زوجك قد تخطت حاجز الكراهية له‏..‏ إلى مرحله التعامل معه كما يتعامل المرء مع بعض حقائق الحياة الكبرى التي لا حيله له فيها‏..‏ ولا مناص له من التسليم بها رضي ذلك أم أبى‏,‏ كالموت والمرض والماضي والتشوهات الجسدية التي خلق بها الإنسان‏!‏

لكنها قصه أخرى لا تجدي الآن مناقشتها وقد رحل الطرف المعني بها من الحياة وانطوت صفحته‏..‏ وإن كانت تطلعنا في نفس الوقت علي جانب شبه مجهول من جوانب النفس البشرية التي لم تحل كل ألغازها بعد حين يتعمق الكره في نفس طرف تجاه آخر لا مفر له من العيش بقربه فتتحجر مشاعره تجاهه تحجرا نهائيا حتى ليبخل عليه من شدة اليأس منه بمشاعر الكراهية‏,‏ فكأنما قد تجاوز الكره له إلى عدم الإحساس أصلا بوجوده في الحياة بالرغم من رويته له كل حين‏,‏ وأيا كان الأمر فإنني استطيع الرجوع إلى رسالة زوجك الراحل واطلاعك عليها إذا استطعت إعانتي علي ذلك بتذكر عنوانها الذي نشرت به‏,‏ فنحن بالفعل نحتفظ بأصول رسائل بريد الجمعة لنحو‏6‏ أو‏7‏ سنوات ثم نقوم بإعدامها‏..‏ ومادامت قد نشرت منذ نحو أربع سنوات فلابد أننا مازلنا نحتفظ بها حتى الآن‏..‏

فاتصلي بي مساء الاثنين المقبل بإذن الله لإبلاغي بعنوان الرسالة‏..‏ وبعنوانك لكي أرسلها لك أو أرسل إليك علي الأقل بعض الكتب التي ضمت مجموعات من رسائل بريد الجمعة خلال السنوات ألماضيه لعلك تجدين فيها الرسالة المشار إليها‏..‏ عسي أن يسهم اطلاعك علي هذه الرسالة في استشعار صدق ندم زوجك الراحل على ما أساء به إليك‏..‏ وتتخففي من بعض مشاعرك السلبية تجاهه وهو بين يدي خالقه‏..‏ وحيث لا يجوز الآن إلا طلب المغفرة له‏..‏ وشكرا .


 

رابط رسالة الثمار الطيبة تعقيبا على هذه الرسالة

رابط رسالة البحر الصامت تعقيبا على هذه الرسالة

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2001

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات