صدمة الجمعة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989
أكتب لك هذه الرسالة لتعرف مدى تأثير برید الجمعة على نفسيتي وحياتي
.. فأنا ضحية هذا البريد الأسبوعي .. نعم ضحية ولا تعجب لذلك .. فأنا شاب مهندس أبلغ
من العمر ثلاثين عاما ومنذ نشأتي وحتى الآن وأنا أحاول جاهدا أن أرضي ربي في كل
خطوة أخطوها وفي كل عمل أعمله بل وفي كل كلمة انطق بها .. ولأنني بشر فقد أخطئ
لكني سرعان ما يؤنبني ضميري وأرجع إلى صوابي .. وأحاول دائما تطبيق هذا المنهاج في
عملي وبيتي ومع أصدقائي والحمد لله .. فأنا محبوب من الجميع وحياتي تمضي هادئة.
وأنا يا سيدي مغرم بالقراءة بصورة عامة وعند قراءتي لبعض الحوادث والقضايا والمشاكل العاطفية أتأثر بها وأشعر بضيق شديد لكن ضيقي بالحياة يبلغ أقصى مداه بعد أن اقرأ بريد الجمعة لأنه مليء بمشاكل واقعية وقاتلة ، تكاد تفتك بأصحابها .
وبعد أن انتهي من قراءته أظل أفكر في حال أصحاب هذه المشاكل وأدعو لهم من قلبي وأشاركهم آلامهم على البعد رغم أني لا اعرفهم وتأتى مشكلة الأسبوع التالي وأنا مازلت أعايش مشكلة الأسبوع الماضي فتزيدني ألما على ألم .. وقد وجدت نفسي بعد فترة من الزمن أشعر بالقلق والتوتر النفسي وأخشى أن أواجه في الحياة ما أقرؤه من هذه المشاكل وانعكس ذلك علي جديا حين بدأت أتردد في كل خطوة أخطوها لكي أتزوج .. فكلما هممت بالارتباط تذكرت المشاكل الزوجية التي قرأتها وصور الخيانة والغدر وعدم الوفاء وضياع عشرة العمر في طيش وغضب ، وحين أفكر في خطبة فتاة يشهد لها الجميع بحسن الخلق انظر إليها واسأل نفسي هل ستفعل بي ما فعلته زوجة كاتب رسالة "الخنجر المسموم" أو "السهام النارية" في زوجها فأتردد وسرعان ما اعتذر واختلق الأعذار لأهلي وأصدقائي وسط دهشتهم .
ويتكرر الموقف معي مرارا .. فهذه فتاة ممتازة لكن أباها مغرور وهذه فتاة لا غبار عليها لكن أمها متسلطة .. الخ .
وتمر الشهور ويتصور أهلي وأصدقائي أني اطلب فيمن أتزوجها مواصفات لم أجدها ولا يعرفون حقيقتي وهي أني أصبحت أخشى الفشل والمشاكل بصورة شبه مرضية وأنني أصبحت أتوقع الشر قبل الخير وأعتقد أن الزواج بالنسبة لي خطوة غير مأمونة قد تحمل في طواياها صدمة دامية اخسر فيها حياتي كما حدث لصاحب رسالة السهام النارية الذي يئن له قلبي .. ساعده الله في محنته.
إنني اقترح
عليك يا سيدي أن تغير اسم بابك الأسبوعي من بريد الجمعة إلى "صدمة الجمعة"
فهذا أفضل له لأنه يحمل صدمات نفسية تصدمنا وتزيدنا خبرة بالحياة وبما يحدث في
دنيا البشر من غدر وكذب ونفاق وعقوق وخيانة .. وأريد أن أسالك هل تتأثر نفسيتك
مثلي حين تقرأ هذه المشاكل الحالكة السواد وترد عليها وتحاول أن تهدئ من روع
أصحابها .. وهل حالتي هذه تعتبر حدثا طارئا سرعان ما يزول أم أنها تحتاج إلى علاج
نفسي.
أرجو أن تجيبني
في أسرع وقت وشكرا لله ولأصحاب هذه الرسائل رغم أنهم تسببوا في ألمي ومعاناتي بدون
قصد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ولكاتب هذه الرسالة أقول :
لا يا سيدي ليس هذا هو الهدف من نشر رسائل المعذبين فنحن ننشرها أولا لنشاركهم آلامهم وثانيا لنحاول أن نساعدهم بالرأي في مواجهة أحزانهم وهمومهم وثالثا لكي نضيف إلى خبرتنا بالحياة خبرة ثمينة بأسرار النفس البشرية قد تقصر عنها تجاربنا المحدودة .. لأن الإنسان إذا اطلع على تجارب غيره فكأنما قد عاش حياتهم وأضاف إلى خبراته ثمار تجاربهم ودروسها.
لكن هل يعني
ذلك أنه لا وفاء في الدنيا ولا أمان لفتاة لأننا قرأنا عن بعض السهام النارية أو
بعض الخناجر المسمومة في رسائل القراء ؟ لا يا صديقي بكل تأكيد .. لأننا في رسائل
البريد نتعامل مع المهمومين والمجروحين ومن يتلمسون السلوى فقط ومع ذلك فليست كل آلامهم
تتحمل مسئوليتها تصرفات البشر .. وإنما هناك الكثير منها الذي يرجع إلى تصاريف
القدر كما أنها ليست كلها تجارب سلبية .. فإلى جانب كل قصة خيانة هناك قصص الوفاء
والتضحية والى جانب كل قصة لانتصار الشر مؤقتا عشرات القصص التي ينهزم فيها الشر،
لأن الأصل في الحياة الخير والاستثناء هو الشر بدليل أننا نولد جميعا عرايا أبرياء
لا نعرف شرا ولا حقدا ولا كراهية ولا رغبة في سرقة أشياء الآخرين أو الاعتداء
عليهم أو إيذائهم، ثم تصب الدنيا والمجتمع والبيئة وتشابك العلاقات في أوعيتنا ما
يجعل من هذا خيرا وذاك شريرا ، ورغم ما يبدو لنا ظاهريا من انتشار صور الشر فإنها
مهما انتشرت في أي مجتمع لا تمثل إلا استثناء الاستثناء .. وإلا لتوقفت عجلة الحياة
واحتمى الناس خلف المتاريس يقتلون بعضهم البعض.
وابسط دليل
على ذلك أننا مازلنا نحس بالصدمة حين نقرأ عن خيانة عهد أو انعدام وفاء لأنه خروج
على المألوف .. ولو كان هو القاعدة فلماذا نصدم ولماذا لم نفقد بعد القدرة على
الدهشة والتعجب والاستنكار إذا كان ذلك هو السائد وليس خروجا على الفطرة السليمة .
أما بالنسبة لترددك في الزواج بسبب ما تقرؤه في بريد الجمعة فلقد قلت مرارا أنه ليس المتوقع إلا نادرا أن تكتب لي زوجة أو زوج رسالة ليقول لي فيها أنه سعيد وليست لديه أية مشكلة وأن كل شيء على ما يرام لأنه في مثل هذه الحالة لن يكون هناك دافع أصلا للكتابة وطلب الرأي أو المشورة، وإنما سوف يكتب لي غالبا المصدوم في وفاء شريكة حياته والمصدومة في إخلاص زوجها لأن هناك قضية وهناك دافعا .. ومع ذلك فهؤلاء المعذبون مهما كثروا ليسوا الأغلبية .. لكنهم يشدون انتباهنا وتعاطفنا بقصصهم في حين قد لا نتوقف كثيرا أمام قصة حياة عادية خالية مما يصدم المشاعر .
فتخلص من ترددك يا صديقي وأقدم على مشروع الزواج بقلب مطمئن فليس كل الناس أشباها .. والناس يتزوجون ويتناسلون منذ فجر البشرية فيسعد من يسعد ويشقى من يشقى ولكل نصيبه المقدور في الحياة .
رابط رسالة "رسالة بالحمام الزاجل" تعقيبا على هذه الرسالة
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" يوليو عام 1989
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر