رسالة بالحمام الزاجل .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989


رسالة بالحمام الزاجل .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

 رسالة بالحمام الزاجل .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

 

أنا زوجة منذ 18 عاما .. تزوجت زواجا تقليديا لم تسبقه أية معرفة بزوجي الذي تعرفت به لأول مرة ليلة خطبتنا وما إن جلست إليه حتى جذبني بحديثه العذب فتحدثت معه وكأني أعرفه منذ زمن طويل ونسينا كل من حولنا من أقارب ومدعوين حتى نهاية الحفل .. وما أن انتهى حتى كنت قد أحببته حبا ملك علي نفسي وتكررت اللقاءات خلال فترة الخطبة ثم تزوجنا وأنجبنا أطفالا هم الآن صبية في مراحل التعليم المختلفة وخلال سنوات الزواج تعلمت من زوجي أشياء ومعاني لو عشت مائة سنة بدونه لما عرفتها فقد علمني زوجي الصدق وكان مثالا له وعلمني التضحية وإنكار الذات وهما مجسدتان فيه .. وعلمني كيف أحب الناس وكيف أحب الحياة وأن أعطيها .. وألا الهث وراء عرض الدنيا الزائل مرددا دائما حديث الرسول الكريم : "اطلبوا الحوائج بعزة نفس فان الأمور تجرى بالمقادير".

وعلمني الحمد في الشدة وفي الرخاء فما مررنا بأزمة إلا وقال الحمد لله لعله خير لا نعلمه وعلمني زوجي معنى الكرم والعطاء دون انتظار لرد وكان يقول دائما اليد العليا خير من اليد السفلى، وعلمني ألا أكون فضولية فليس للفضول مكان في حياته فهو يعتبر الخوض في سيرة الآخرين جريمة يترك لها المكان فورا .. وكان هو مثالا لكل هذه الفضائل فهو على خلق ودين ويرعى الله كأنه يراه ويؤدى الفرائض ويتصدق بأكثر مما في طاقته وعف اللسان فلم اسمع منه طوال ١٨ عاما لفظا واحدا خارجا عن اللياقة أو الأدب حتى بعد أن أصبحت بعض هذه الألفاظ من لغة الحياة العادية في البيوت .. وهو عفيف القلب واليد واللسان وله من الحياء ما لم أره في غيره .. فهو إذا اجتمعنا في جلسة بها سيدات وأراد أن يرد على حديث سيدة في المجلس يرد عليها وهو ينظر إلي أنا حتى لا يحادثها وهو ينظر في

وجهها.

 

وهو صديقي الوحيد في الحياة وأنا صديقته الوحيدة فصداقاتنا الأخرى سطحية ولا تخرج عن دائرة الأهل .. ولا استطيع عنه فراقا ولا يستطيع هو وعندما نفترق لأيام أو لضرورة قصوى أحس بالغربة والوحشة حتى ولو كنت بين الناس جميعا ورغم سنوات الزواج الثماني عشرة وأولادنا الذين كبروا فمازلت أشعر كل يوم أني عروس تنتظر عريسها بل وفارسها .. وكلما قرأت قصيدة مدح في نبل إنسان تصورت أن المقصود بها زوجي .. وأخيرا أقول لك إنني أصحو كل يوم على إشراقة وجه زوجي وأنام فيكون هو أمير أحلامي .. وأدعو الله كل يوم أن يكون آخر منظر أغمض عليه عيني في دنياي هو وجه زوجي المشرق بالحب على أمل أن يجمعني به الله في الآخرة.

وفق الله الجميع إلى الحب الصحيح الذي يدفع الإنسان إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى والسلام عليكم.

********** 

تلقيت هذه الرسالة من قارئة ترد بها على القارىء الشاب الذي كتب إلي يدعوني لأن أطلق على هذا الباب اسم "صدمة الجمعة" لما قرأه فيه من قصص غدر بعض الزوجات بأزواجهن حتى أصبح يتردد في الارتباط بفتاة خوفا من أن يتلقى منها خنجرا مسموما بالغدر بعد أن تصبح شريكة حياته كما قرأ في بعض الرسائل .. ولقد نشرت رسالته ورددت عليها في حينها وأبديت له وجهة نظري في فساد فكرته .. ثم فاجأتني هذه الرسالة برد من قارئة أرادت أن تروي له حياتها مع زوجها لتؤكد له في النهاية أن الوفاء والإخلاص والحب الحقيقي هو الأصل في الحياة وأن الغدر هو الاستثناء كما قلت له في ردي .. لكن شتان بين ما قلته له أنا .. وما قالته هي له بحديثها عن زوجها وتأثرها به وحبها له !!

 

لقد تنسمت عبير الصدق في كلماتها .. وتخيلت لحظة أن الرسالة قد تأخرت في البريد بعض الشيء نظرا لبطء الحمام الزاجل الذي حملها إلي من عصور الرومانسية الجميلة .. لكن من قال أن هذه الشمائل التي وصفتها الزوجة المحبة في زوجها لم يعد لها وجود في عصرنا .. أو أن هذا الحب العظيم قد أصبح نادر المثال.

إنه موجود دائما وهو الأصل في الحياة وهذه الأخلاق الكريمة هي الأصل أيضا وفي كل زمان لكن صوت الشر مزعج فقط والدليل هو الرسالة التي تحمل خاتم برید أسيوط.

 رابط رسالة صدمة الجمعة

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" نوفمبر عام 1989

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات