البشرى .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988
سیدي هل تذكر
الرسالة التي نشرتها منذ حوالي شهرين بعنوان العطر الأخاذ ، للطبيب الفاضل الذي ضم
إلى أسرته وأطفاله الأربعة وليدا محروما تخلت عنه أمه .. فأسماه "خالدا"
، وكتب إليك يطلب منك أن تختار له أسرة محرومة من الإنجاب لكي ترعى هذا الطفل
وينشأ في أحضانها بلا حرج ولا تفرقة بين الأبناء.
لقد نشرت هذه
الرسالة النبيلة فانهالت عليك رغبات الأسر الكريمة لرعاية هذا الطفل حتى بلغ ما تلقيته
خلال 7 أيام فقط 11 طلبا من قارئات وقراء أفاضل وكنت أنا القارئ رقم 11 حيث كتبت
لك مدينتي في الجنوب أطلب ضم هذا الطفل لأسرتي الصغيرة المكونة مني وزوجتي بعد أن
طال انتظارنا لمن يؤنس وحدتنا فنشرت هذه الاستجابات، وناشدت هؤلاء القراء الأفاضل
أن يعطوك مهلة لمدة 3 أسابيع تختار خلالها الأسرة التي تلائم ظروف هذا الطفل، وشكرت
الجميع وقلت أنك تنفست عطرا إنسانيا فواحا من رسائلهم وقرأت وزوجتي ذلك - فغمرت
الفرحة قلبينا وعشنا ننتظر اتصالك بنا .. ورحنا نحلم بهذا الطفل الموعود وترتيب
أيامنا القادمة وهو في أحضاننا وانتهت المهلة ولم تكتب إلينا ولم تتصل بنا فخيم
الحزن علينا .. وفهمنا أنك قد اخترت له غيرنا وتألمنا وأرادت زوجتي أن تخفف علي
الأمر .. فقالت لي : لا تحزن لعل الله يبدلنا به طفلا من دمنا ولحمنا ، وشاركتها
تفاؤلها وأملها .. وواصلنا حياتنا كما اعتدناها ولم يرى لنا إلا الأمل القديم في
نجاح العلاج الذي بدأته زوجتي في مستشفى القصر العيني تحت إشراف طبيب شاب ممتاز هو
الدكتور أحمد .. منذ أكثر من عام ومضت الأيام لا تحمل لنا جديدا ، حتى فوجئت منذ أيام
بزوجتي تعود إلى من زيارة الطبيب الدورية طائرة فوق السحاب لتبلغني والفرحة تغمر
وجهها بأنها قد حملت أخيرا وصح حملها وثبت وأنه سوف يكون لنا بعد قليل بفضل من
الله وبأمره - وليد من صلبنا .. فانتفضت قائما أصلي لله اشكره وادعوه خوفا وطمعا
.. واذكر فضله وأتعجب من عجيب صنعه ولطفه فقد تألمت حين حرمنا من رعاية هذا الطفل
المحروم خالد فعوضنا الله عنه خيرا .. ووجدت نفسي اكتب لك لأشكر طيب نواياك .. ولأنك
أدخلت علينا الفرحة خلال أسابيع المهلة الثلاثة التي عشناها مع الأمل ... ولكي
اشكر الطبيب
الممتاز الذي
اشرف على علاج زوجتي في مستشفى حكومي مجاني لم يكلفنا شيئا - فكان فخرا لبلاده - وأيضا
لكي اشكر الطبيب الفاضل ابن الصعيد الذي ضم خالد إلى أطفاله، وأقول للجميع أنه لا يأس
مع الحياة وكل عام وانتم جميعا في خير وسعادة والسلام عليكم ورحمة الله .
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
أرجو أولا أن تقبل عذري واعتذاري عن عدم الاتصال
بك خلال الفترة الماضية فالحق أني كنت قد طلبت مهلة الأسابيع الثلاثة لأني كنت
خلالها على سفر وحين عدت من رحلتي هممت بأن أبت في أمر الطفل خالد فاتصل بي من الخارج
قارئ مصري يراسلني منذ عامين بشأن رغبته في رعاية طفل له نفس ظروفه .. واستمهلني
إلى أن يأتي في أجازته السنوية لمصر في أوائل نوفمبر لكي يقدم عرضه ويشرح ظروفه
لعلها تكون ملائمة لهذا الطفل .. فاستجبت لرغبته وأجلت الأمر كله إلى الاثنين القادم
بعد أن جاء إلى القاهرة وحددت له هذا الموعد .. لكن رسالتك جاءتني قبل أيام من
الموعد المضروب للتقول لي بالدليل مرة أخرى أن الله قد ضرب لك ولي وللجميع مثلا
جديدا على أن رحمته التي تسع كل شيء قد تهطل من السماء في أية لحظة يشاء وهكذا جاءتك
البشرى وأنا استعد للاتصال بك وبكل أصحاب العروض وبالطبيب الفاضل الذي حملني هذه
الأمانة لأعرض عليه ما تلقيته من عروض ومن بينها عرضك الكريم.
فهنيئا لك ما
ادخره لك الله من فضل .. فلقد أردت شيئا فبدلك خيرا منه .. وكذلك يضرب الله الأمثال
.. أما خالد فسوف يهيئ الله من يرعاه ويحميه من بين أصحاب هذه العروض الإنسانية
النبيلة وأرجو أن ينتظر الطبيب الفاضل اتصالي التليفوني مساء الاثنين القادم لنتفق
معا على أفضل العروض لرعاية ربيبه وشكرا له ولك ولكل من أراد أن يوقد شمعة في طريق
هذا الطفل المحروم
وآه لو أدرك
كل مهموم مغزى هذا المثل الذي
شهدته حياتك .. وتعلقنا دائما بالأمل في رحمة الله وقلنا لأنفسنا كلما ضاقت النفس
بما تريد .. أليس الصبح بقريب ؟
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1988
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر