الجرح الغائر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1995

 

الجرح الغائر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1995

الجرح الغائر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1995

أنا إحدى قارئات بابك المدمنات، وكثيرا ما تمنيت أن أقرا مشكلة مشابهة لمشكلتي لأجد فيها ما أستفيد منها، إلى أن قرأت منذ أسابيع رسالة الدائرة المظلمة التي يروي فيها طبيب شاب قصته مع زوجته وطفلتيه ومعاناته معها حتى انتهى الأمر بينهما بالطلاق.. ثم غرق في أحزانه إلى أن عثر على الإنسانة التي أطمأن قلبه إليها ورأى فيها ما يعوضه عما عاناه، فإذا بإحدى طفلتيه تمرض مرضا خطيرا وإذا بمطلقته التي طلبت الطلاق من قبل وأصرت عليه، ترجع إلى صوابها وتطلب التئام الشمل مرة أخرى ليتعاونا معا على علاج طفلتهما.

وقصتي هذه لست أرويها لهذا الطبيب الشاب، إنما أريد أن أرويها للفتاة التي كانت تستعد للارتباط به حين واجه هو هذا الاختيار الذي سينتهي به غالبا إلى الرجوع إلى مطلقته حرصا على الطفلة المريضة وشقيقتها.. فأنا سيدة في الخامسة والثلاثين من عمري نشأت في أسرة متوسطة المستوى كبيرة العدد، وكنت أكبر إخوتي وقد تخرجت في كليتي وعملت في إحدى الشركات فور تخرجي، وتعرفت في العمل على زميل فاضل لي لاحظت عليه منذ البداية قلقه واضطرابه ومعاناته لهموم غامضة وجمعت بيننا زمالة العمل فازداد اقترابا مني بطريقة مهذبة، وعرفت منه إنه على وشك الانفصال عن زوجته التي أنجب منها طفلا عمره 4 سنوات، فعرضت عليه أن أتوسط بينه وبينها للإصلاح وإعادة الشمل، فأكد لي إنه لا فائدة من وراء ذلك وأن كليهما لا يرغب في العودة للآخر وأن كل المساعي السابقة قد فشلت في الإصلاح بينهما، ولم يبق إلا التفاوض على شروط الطلاق، وأسفت لحاله.. ثم تحول الأسف إلى تعاطف شديد حين صارحني بعد فترة بأن زوجته هذه قد انفصلت عنه قبل عام ونصف العام وحرمته من رؤية طفله طوال تلك الفترة، وعندها طالبها بذلك أعلنت له بجرأة شديدة إنه لا حق له في مطالبته برؤية هذا الطفل لأنه ليس ابنه.

 

 وصدم الرجل صدمة هائلة زلزلت كيانه.. واكتسى وجهه بطابع الحزن الدائم والاكتئاب حتى تألم له كل الزملاء وتعاطفوا معه.. وتألمت له معهم وحزنت لحاله، وتم الطلاق بينه وبين زوجته بالفعل وأجتر الرجل الفاضل أحزانه في صمت.. واستمرت علاقة الزمالة الحميمة بيننا في العمل وبعد عام ونصف العام سألني ذات يوم في استحياء هل تقبليني زوجا لك إذا تقدمت بطلب يدك من أسرتك.. ووجدتني أعلن له موافقتي وترحيبي به وكان دافعي إلى ذلك هو تعاطفي الشديد معه وارتياحي العاطفي له الذي يبشر بميلاد الحب الشريف بعد الزواج وتقدم لأسرتي وناقشت الأسرة في ظروفه طويلا وتقبلوا به وتعاطفوا معه فقد كان جديرا دائما بالحب والاحترام.

 

 وخطبت إليه وعمری ۲۳ عاما، واستمرت الخطبة عاما وقعت خلاله بعض المشاكل بينه وبين مطلقته ولم أتوقف عندها باعتبارها من طبيعة الأشياء في مثل هذه الظروف، وتزوجنا في شقة صغيرة مريحة، وبدأنا حياتنا الزوجية وبدأت المشاكل الحقيقية في نفس الوقت من جانب مطلقته كما لو كانت أول مطلقة في العالم تواجه الحياة بطفل صغير !

فلقد بدأت تأتي إلى بيتي كثيرا ومعها في كل مرة مشكلة جديدة وطوفان من السباب والكلمات الجارحة لزوجي، فتاتي مرة ومعها الطفل لتتركه لأبيه لأنها لا تريده، وقد أدت واجبها كاملا تجاهه.. ثم تنقض ما قالت وترجع به من حيث جاءت، وتأتي مرة أخرى مطالبة بزيادة المصروف مع أن زوجي يهتم به وينفق عليها وعلى طفلها بسخاء، وتأتي مرة ثالثة لتعلن إنها سوف تتزوج وتريد أن تتخلص من الطفل ثم ترجع به في النهاية أيضا، وهكذا بلا انقطاع ولا راحة على الدوام، وفي كل مرة تطلق قذائفها الجارحة التي تستحي الأذن من سماعها.

 

وفي إحدى هذه المرات كررت على زوجي وأمامي - سامحها الله - أن الطفل ليس ابنه وإنما ابن أحد الأشخاص القريبين منه، ثم التفتت إلى الطفل الصغير الذي لا يعرف من شئون الدنيا شيئا وطلبت منه أن يبحث عن أبيه الحقيقي حين يكبر .. فطعنت زوجي في مقتل، سامحها الله، وساءت حالته النفسية للغاية وفقد ثقته في نفسه وفي الآخرين، وانطوى على جرحه المؤلم رغم كل محاولاتي للتخفيف عنه.. والتهوين عليه.

وخلال ذلك كان الحمل قد تأخر عندي واتجهت الأنظار من جانب أهل زوجي بتلقائية ناحيتي تتهمني بالمسئولية عن ذلك، باعتبار أنه قد سبق له الإنجاب من قبل، وبدأت رحلة التحاليل والعلاج فإذا بنتائج الفحص تثبت سلامتي وقـدرتي على الحمل في أي وقت، وتثبت من ناحيـة أخـرى وللأسف أن زوجـي هو المسئول عن عدم الإنجاب، ولم تحتمل أعصابه أكثر من ذلك فثار ورفض العلاج ليثبت لنفسه أنه سليم ولا يحتاج إليه .. وقدرت أنـا ظروفه ومحنته المؤلمة فتجنبت الحديث في الموضوع لفترة ثم رجعت له معه فثار من جديد وأصبح يثور كلما فاتحته فيه، وينتهي الأمر بخصـام بيننا لفترة ثم أرجـع إليه وتستمر الـحيـاة من جديد، ومازالت مستمرة منذ أحد عشر عاما لم أندم خلالها على ارتباطي به فهو إنسان فاضل وطيب وحنـون وأرى حبي كل لحظة في عينيه لكنه من خلال هذه السنوات أيضا وإلى جانب مشكلتنا الأساسية في عدم الإنجاب وقلقي لمرور السنين دون حمل وإنجاب مـع تجاهل زوجي لهذا الموضوع نهائيا، فقد رافقتنا أيضـا مشاكل مطلقـة زوجي وابنه خلال رحلة الحياة وكأنما قد أصبحت جـزءا أساسيا منها.

 

 فلقد كبر الولد حتى بلغ مرحلة الثانوية العامـة وكبرت معه مشاكله واستنفد كل طاقتي المادية على متطلباته التي لا تنتهي ولا تراعي أية اعتبارات، وفشل في الثانوية العامة بعد أن تعلق أملي بنجاحه فيها لنرتاح أخيرا ونلتقط أنفاسنا، كما تزوجت أمه من رجل فاضل فاض برعايته على هذا الابن لكنه قوبل بالاستنكار من جانبه بعد أن فسدت أخلاقياته للأسف بسبب سوء تربية والدته له وبسبب تعلقها بـوهـم الارستقراطيـة الكـاذب، والمستـوى الـراقي في الحياة مع أنها من أسرة متوسطة جـدا، وهـو يتمتع بجرأة هائلة في التعامل معي ومع والده، ومؤخرا مع والدته أيضا ويؤكد للجميع أن علاقته بأبيه علاقة مادية فقط.. وقد كاد زوج والدته يهجرها ويهجر البيت أكثر من مرة بسبب سـوء أخلاق هذا الولد لولا أنه رجل فاضل حكيم ويحاول إصلاحه والحفاظ على بيته بالتعاون مع زوجي، وقد أصبحنا لا يمضي بنـا يـوم دون اجتماعات عائلية مطولة وجلسات ساخنة ووفود تذهب ووفود تجئ بين بيتنا وبيت مطلقة زوجي وبيت أهلها.. وأهل زوجها الخ، وكأننا نتعامل مع مشكلة الشرق الأوسط وكل ذلك والولد مستمر في غيه ومشاكله وقد انتقل إلى مرحلة الطلبات الباهظة التي لا يقدر عليها أبوه ولا أحد غيره كالسفر إلى أمريكا والسيارة والمصروف اليومي الباهظ، إلى جانب تسريحات الشعر البذيئة التي ينفر منها مجتمعنا.

 

 وفي وسط كل ذلك بدأ أهل زوجي يتمردون علينا معا انا وهو، وبدأ تدخلهم المباشر في حياتنا.. وبدأوا يطلبون معرفة أين ينفق زوجي دخله وفيم ينفقه ونحن بلا أطفال، وبدأت أسمع تعليقات مؤلمة عن عدم إنجابي وعن جدوى فائدتي في الحياة وأنا لا أنجب ولا استطيع الإنجاب وابتلع الألم صامتة حتى لا أعيد فتح جرح زوجي الغائر ويرجع هو إلى فقد ثقته بنفسه بعد أن أكرمنا الله بتخلصه من هذه الحالة النفسية السيئة منذ سنوات.

ووسط هذه الدوامة أجدني أتساءل أحيانا وأين حياتي من كل هذه المشاكل المستمرة منذ تزوجت حتى وصلت مؤخرا إلى ساحة القضاء بين زوجي وبين أهل مطلقته بسبب مشاكل ابنه المستعصية على الحل؟.. وأين حقي في أن أصبح أما وأشعر بدبيب الأمومة يسري في أحشائي لكي أحس بأن لى وظيفة أخرى في الحياة عدا وظيفة الخدمة وانتظار الاجتماعات اليومية لحل المشاكل التي لا تنتهي بين الولد وزوج أمه وبين أمه وزوجها وبين الاثنين وزوجي، وبين أهل مطلقته وبينه وبيني وبين أهل زوجي، إلى جانب تطاولات مطلقته وقذائف لسانها عليه والتي لا يفعل زوجي حيالها شيئا سوى الصمت التام خوفا من الفضائح، وحتى لا يرى الولد أبويه وهما يتراشقان بالسباب في حضوره، فلا تراعي هي ذلك و إنما تزداد عدوانية تجاهه.


 


ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

 نعم يا سيدتي لا ينفصل الإنسان أبدا عن ظروفه ولا يجوز له أن يقيم بنیان حياته أو حساباته للمستقبل على أساس تجاهلها أو توهم انتفائها من الأصل فالحالمون وحدهم هم الذين يقعون في هذا الخطأ الجسيم ويدفعون ثمنه دائما من سعادتهم وسلامة حياتهم، أما الواقعيون من البشر فيعرفون جيدا أن ظروف الإنسان الشخصية وأقداره تتبعه دائما كتلك المدينة التي عناها الشاعر اليوناني المصري كفافيس حين كتب قصيدته الشهيرة التي يقول فيها:

ولسوف تتبعك هذه المدينة إلى آخر العمر

يقصد بذلك جذور الإنسان وأقداره وظروفه الشخصية .. لهذا فمن الحكمة دائما ألا يتجاهل الإنسان مشاكله وظروفه وألا يفر من مواجهتها والتعامل معها.

غير أن الإنسان من ناحية أخرى لا ينعدم أمامه مجال الاختيار في النهاية، وإنما يختار أيضا لحياته رغم أقداره المقدورة عليه وينبغي له أن يرضى بتبعات اختياره وأن يتحملها بشرف.


وأنت مثلا قد اخترت لحياتك وقبلت بتبعات اختيارك لزوجك، ولم يكن في ظروفه الشخصية ما يخفى عنك، وزوجك أيضا قد اختار لحياته بعيدا عن مطلقته وتحمل تبعات هذا الاختيار ومازال يتحمل حتى الآن.. وزوج مطلقته أيضا قد اختار لحياته عالما بكل الظروف المحيطة ويدفع ثمن اختياره راضيا أو ساخطا. وإذا أختار الإنسان لحياته بملء إرادته فمن واجبه الإنساني والأخلاقي ألا يتنصل من تبعات اختياره أو يتشكي منها أو يحاول فرض أوضاع جديدة تتعارض مع ما تعهد به منذ البداية وما قبل به راضيا وواعيا بما يفعل.

نعم قد تضيق النفس أحيانا بما تعاني.. وقد يتوقف الإنسان في الطريق لحظات ليراجع اختياراته ويتأمل حياته ويتشكی مما يؤلمه فيها، لكننا نمضي بعد ذلك غالبا على نفس الطريق الذي خطونا عليه خطواتنا الأولى بإرادتنا الحرة.. التزاما بالعهد ووفاء بالأمانة.

 

فإذا كان جد في ظروفك جديد، فهو إنك لم ترزقي بأطفال حتى الآن، مع ارتباط مسألة الإنجاب لدى زوجك بذلك الجرح الغائر القديم الذي لم تتورع مطلقته عن أن تضع عليه الملح الأجاج بسادية غريبة لكي يشتد وقع الألم على نفسه، لا غفر الله لها، ويزداد الجرح إيلاما.

إن هذه هي المشكلة الحقيقية التي تواجهينها يا سيدتي وليست دوامة المتاعب التي تعانين منها منذ زواجك بسبب مطلقة زوجك، ومتاعب ابنه ومشاكل أمه مع زوجها، فكل ذلك من تبعات اختيارك الأول، ولابد أن تقبلي بها حتى ولو تشكيت من وطأتها في بعض الأحيان.

 

والحق أنني إذا كنت قد عجبت لشيء في رسالتك هذه فهو لجرأة زوجته الأولى في الجهر بجريمة بشعة ارتكبتها في حق ربها وزوجها وطفلها الوحيد، وكأنما تفاخر بما ارتكبت وقد كان الأحرى بها أن تتستر عليه وتنزوي به مستخزية.

وبدلا من أن تفعل ذلك فلقد راحت تطعن به زوجها السابق في مقتل بسادية مرضية غريبة كأنما تتلذذ بإيلامه وتعذيبه.. فكيف انقلبت المعايير والقيم إلى هذا الحد؟!

إنها تجاهر بعارها الشخصي وتهدد به بدلا من أن تتخفى به وتستجدي عفو ربها.. وعفو من ارتكبت هذه الجريمة البشعة في حقه وهو زوجها!.. فالخيانة في البداية والنهاية هي خطيئة الخائن الشخصية وليس أحدا غيره، ولا يستطيع إنسان في الوجود رجلا كان أم امرأة، ومهما أحاط شريك حياته بالقيود والسدود، أن يمنع أحدا من خيانته إذا سمحت له أخلاقياته بها، وانعقدت إرادته على ذلك، ففيم التلذذ إذن بالمجاهرة بخطيئة

لا تغسلها مياه البحر لإيلام الخصوم وجرح مشاعرهم وهز ثقتهم في أنفسهم؟

إنني اقدر لزوجك بالطبع شرف خصومته مع مطلقته وقيامه بمسئوليته المادية والأدبية عن ابنها وتعففه عن إثارة هذه المسألة الشائكة التي تنال منه ومن أعزائه بقدر ما تنال من تلك السيدة إذا صح كل ما رویت عنها، لكني رغم ذلك كنت أفضل ألا يتعامل معها بمثل هذا التخاذل من البداية وإلى الحد الذي تستشعر هي فيه عزة الطرف الأقوى ، وليس تخاذل الطرف الخاطئ واستخزائه وبحمله بالتعفف عن النزاع والتهديد وإثارة المتاعب.. إذ كيف يجوز لأحد أن يتفنن في الإيلام واختيار مقاتل الإنسان لكي يطعنه فيها بلا رحمة ولو أدان نفسه في سبيل ذلك بارتكاب أبشع الخطايا؟.. وماذا يتوقع منا بعد أن يفعل ذلك، هل يتوقع أن نطلب منه نحن العفو، وتكتم عاره حرصا على سمعة أعزائنا؟.

 

لقد كان زوجك يستطيع أن يلجمها ويوقفها عند حد الأدب مع استمراره في أداء التزاماته تجاهها، إذا كان قد ذكرها فقط في عنفوان عدوانيتها واجترائها عليه بأنه الضحية وليس الجاني، وانه يستطيع لو أراد أن يدينها أمام الجميع بالجرم المشهود وان يقيم دعوى إنكار نسب ضدها مهما كان شأن شريكها في الجريمة أو حساسية وضعه بالنسبة له.

فإن كان لم يفعل ذلك وكان من الحكمة حقا ألا يفعل، فاتفق إذن من غيها وتتعامل معه بما يستحقه من احترام منها ومن عدل في تعاملها معه، وإلا صدق عليها قول الأديب الراحل مصطفى صادق الرافعي

ما ألام الشجرة التي لو نطقت لشتمت من يسقيها

وإذا كانت الأمور قد تجري على هذا النحو أحيانا، وكما يقول المثل الهولندي القديم.. من أنه حين ينقلب الحب إلى كراهية فانه لا يعرف حدودا.

فالحق أيضا، من ناحية أخرى أنها لا تجرى على هذا النحو حتى ولو انقلب الحب إلى كراهية بين من لا يعرفون شرف الخصومة ولا يلتزمون بأخلاقيات الخصام التي تعتبر المحك الحقيقي لأخلاق الإنسان، أما من يعرفونها فهؤلاء هم من ينطبق عليهم قول الإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة في صفات المؤمن التقي من يقول عنه أنه: لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب.

أي لا تدفعه كراهية لمن يكرهه إلى أن يظلمه أو يحرمه حقه، ولا تدفعه محبته لآخر إلا يلتزم معه بحدود ربه.. أو بالعدل الذي لا يعطيه ما لیس من حقه.

فإذا ناقشت بعد ذلك مشكلتك الحقيقية وهي علم الإنجاب، وليست أثار "المدينة" إياها التي تبعت زوجك إلى عشك معه وسوف تتبعه إلى نهاية العمر فإني أقول لك يا سيدتي أنني أحس من ثنايا سطورك وكلماتك العطوف عن زوجك ، أنك ترتبطين به ارتباطا عضويا يصعب عليك فصامه .. فإذا كنت تتحرقين لإنجاب الأطفال وممارسة أمومتك، فلا شك إنك وحدك التي تستطيعين أن تحسمي هذا الاختيار الصعب بين حبك لزوجك وسعادتك معه برغم كل هذه المتاعب، وبين تطلعك المشروع بعد اثنی عشر عاما من الزواج إلى الإنجاب، وإن كانت عشرتك الطيبة لزوجك طوال أثنى عشر عاما، ترجح اختيارك للاستمرار والتماس التعويض من السبل المتاحة، فمن واجب زوجك أن يعينك على هذا الاختيار بألا يقصر في طلب العلاج لنفسه حتى ولو من باب الإرضاء النفسي لك وإبراء الذمة لترضي بعد ذلك بحياتك إذا رضيت بها.. ولا لوم عليك إذا فعلت، فالسعادة الحقيقية أيضا شيء عزيز المنال، ولا تسخو علينا الحياة بها في كل الأحوال، ونحن نرضى غالبا عن بعض جوانب حياتنا ونسخط على البعض الآخر، وسيكون هذا هو الحال دائما في أي اختيار يختاره الإنسان لنفسه والسعداء منا هم من يسلمون بهذه الحقيقة ويقبلون بها ويستمتعون بما أتاحت لهم الحياة من أسباب السعادة حتى ولو كانت غير بادية لعيون الآخرين.

والحق أننا نجفل غالبا من التضحية بالموجودة لصالح المجهول الذي لا نعرفه ولا نعرف هل سنسعد به أم نشقى، ولا يقدم على هذه المخاطرة غالبا إلا أهل المجازفة أو من تدفعه ظروف شديدة القسوة والإلحاح للإقدام على التغيير، والتضحية بما بين يديه.

 وأنت وحدك التي تستطيعين أن تقرري هل بلغت دوافعك إلى التغيير هذا الحد من الإلحاح أم لا، وهل فرصتك في الإنجاب من آخر مضمونة أم لا، ثم تختارين لنفسك بعد ذلك ما ترينه محققا لاحتياجاتك الإنسانية، وبشرط ألا تضيقي بتبعاته وقرابينه التي لا مفر منها، وإذا صح تقدیري فإن اختيارك في النهاية سوف يكون لصالح حياتك الحالية مع زوج عطوف ترين الحب في عينيه في كل لحظة.. ويحسن عشرتك، ويتمسك بك ولا لوم عليك أيضا لو فعلت، بإذن الله .

رابط رسالة الدائرة المظلمة.

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1995

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات