الطاووس الشجاع .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002
قرأت رسالة
الطاووس الجميل وأشكر لك اجتهادك في نصح الأخ الطبيب صاحب المشكلة, غير أني مع
خالص احترامي لرأيكم الكريم بعدم توحده مع نفسه وضرورة مشاركته لرفيقة في مشوار
حياته, فإنني لا أوافقكم على هذا من واقع تجربتي المريرة, حيث أنني أعمل
مستشارا للعديد من الجهات الدولية وناجح جدا في عملي وأحمل أعلى الشهادات العلمية
وقد رزقني الله من سعته بالمال والصحة, لكن عمري الآن 42 سنة ومتزوج منذ 13
عاما وقد اكتشفت عدم قدرتي على الإنجاب بعد ستة أشهر فقط من الزواج وليس قبل
الزواج وقد اكتشفت ذلك عندما ساور الأهل كالعادة بمجتمعاتنا الريفية القلق لتأخر
حمل زوجتي, وقمنا بعمل التلقيح المجهري ثماني مرات وكلما اشتقت للأولاد أو
بالأحرى لمداراة وصمة لحقت بي أشعر بها في كل يوم تبكي فيه زوجتي التي سقط شعرها
جراء الهرمونات المنشطة لعمليات
التلقيح المجهري.
أقسم أنه لو عادت بي السنون مرة أخرى لما فكرت
بالزواج أبدا وذلك ببساطة لأني أشعر أنني أظلم زوجتي كثيرا, ولا أنكر أن هذه
المحنة قد جعلت كلا منا لا يستطيع أن يفارق الآخر ونحن نعيش حاليا خارج البلاد
بعيدا عن نظرات الشفقة وكلمات الرثاء التي تذبحنا, وأحمد الله عز وجل على نعمة
الصحة والمال وأصلي بالمسجد دائما واستشير زوجتي في كل شيء, وقد عرضت عليها أن
أسرحها بإحسان لكنها أبت وبكت لأن الطلاق غير وارد على الإطلاق في أسرتنا, وقد
تزوجتها وأنا أحمل شهادة البكالوريوس فقط وأدين لها بعد الله سبحانه وتعالى بكل ما
وصلت إليه من نجاح حيث حصلت بعد ذلك على درجات علمية رفيعة ولا أخفي عليكم أنني
أغرق نفسي بالعمل حتى لا أعطي الفرصة لنفسي أن أفكر بأي شيء لكني أفكر فيها دائما
وبصراحة كرجل في مجتمع شرقي يعترف بالأولاد كمعيار للرجولة أكثر من أي شيء آخر,
وأخيرا فإنني أعتبر ما فعله أخي الطاووس الجميل من العزوف عن الزواج نهائيا شجاعة
منه وأمانة, كما أرجو أن تسأل أهل الذكر عن حكم الزوج الذي يعلم قبل الزواج أن
فرصة إنجابه شبه معدومة ثم يقدم على الزواج هل يعد ذلك غشا وتدليسا أم لا؟
النقطة
الثانية هي أني أرجو أن توجه نداء لأقارب وأصدقاء كل زوجين ألا يتدخلوا في شئونهما
ويكفيهما ما هما فيه والنقطة الثالثة هي أننا قد توصلنا لحل أخير وهو أن نكفل طفلة
يتيمة وفقا للشريعة الإسلامية تشبع فينا أحاسيس الأبوة والأمومة وبما لا يخالف أمر
الله ولكن السؤال هو: هل يمكنها السفر
لتعيش معنا خارج البلاد حيث أن طبيعة عملي تستلزم ذلك؟.. أرجو أن تساعدني بذلك.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لم تكن مشكلة كاتب رسالة الطاووس الجميل التي دفعته للعزوف عن الزواج هي عجزه عن الإنجاب كما فهمت من رسالته, وإنما كانت تتركز في تخوفه أو توهمه أنه لن يكون قادرا على القيام بالواجبات الزوجية, ولهذا انحصر ردي عليه في إقناعه بأن العجز قابل للعلاج بالوسائل الحديثة.. وانه يحتاج إلى أن يتجاوز عجزه النفسي وليس الحسي عن الارتباط بشريكة حياته وخوض التجربة.أما الحرمان من الإنجاب يا سيدي فهو قدر بعض البشر الذي لا ذنب لأحد فيه, كما أنه لا فضل لأحد كذلك في قدرته على الإنجاب والإخصاب, فالله سبحانه وتعالى هو موزع الحظوظ وهو جل شأنه الذي يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير, ولا شأن لذلك بالرجولة ولا بالجدارة على الإطلاق كما أنك لم تخدع أحدا قبل الزواج, ولم تصطدم بأقدارك إلا بعد أن ارتبطت بمن اختارها الله سبحانه وتعالى لمشاركتك حياتك, ولو لم تكن نعم الزوج والرفيق لها لما استمسكت بك وفضلتك على العالمين.
ومن واجب الإنسان الشريف إذا عرف عن نفسه عدم القدرة على الإنجاب قبل الزواج أن يصارح بذلك من سوف تشاركه حياته قبل إتمام الارتباط لكي يكون اختيارها له عن رضا وقبول أقداره وأقدارها وليس عن استدراج أو خديعة.
أما رعاية طفلة يتيمة فإنه حل ملائم لظروفك بإذن الله غير أن السماح بسفرها للإقامة معك في الخارج يتطلب إجراءات طويلة ومعقدة.. ولابد من أن تطمئن وزارة الشئون الاجتماعية إلى أنها ستكون في أيد أمينة عليها قبل ان تسمح بمثل هذا الاستثناء النادر.. والأمر على أي حال يتطلب بحثا أوسع حين تجيء إلي القاهرة في أجازة مقبلة بإذن الله.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر