الهالة الفضية .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2004
سيدي
عندما قرأت رسالة "العجلة
الدوارة" انتابني الاستياء الشديد تجاه هذه السيدة التي وهبها الله
الزوج الصالح والأبناء والبيت الجميل الهادئ والأمان فتتمرد علي كل هذه النعم
وتقسو على هذا الزوج الطيب, الذي يحاول إرضاءها بجميع السبل, ولو كلفه ذلك
الاقتراض لكي يرضي جشعها.
فقابلت
كل هذا بالجحود والخيانة والتخلي عن فلذات الأكباد, وتطلعت إلى زوج صديقتها
الثري طمعا في ماله واختطفته منها وتزوجته, فإذا بأحواله تتغير بعد بضع سنوات
ويضيع المال ويدخل السجن, وما جعلني أكتب إليك هو أن قصتي على نقيض هذه
القصة تماما برغم تشابه ظروف الأسرة التي نشأت فيها.
فأنا
سيدة في منتصف العمر وهبني الله تعالى الجمال والخلق والأصل الكريم, وقبل كل ذلك
القناعة التامة والرضا بالمكتوب خيره وشره, نشأت في أسرة متوسطة وكنا خمسة
أخوة, كافح والدنا الموظف الكبير لتعليمنا وكنت كبرى أبنائه .. وحرصت منذ
الصغر على العلم وتفوقت في دراستي والتحقت بإحدى كليات القمة, وفي هذه الكلية
نظرت فرأيت من ترتدي أحسن الثياب ومن تركب سيارة من أحدث موديل, فلم يزدني هذا
إلا إصرارا على النجاح والتفوق وكنت بقناعتي أرى نفسي أجمل وأشيك طالبة في
الكلية.
وتعلمت
الحياكة وبدأت أصنع ملابسي بنفسي بل وملابس بعض الزميلات أحيانا, وكانت هذه
الملابس الجميلة المحتشمة تبدو وكأنها أجمل من أي ملابس أخرى, حتى اشتهرت
بأناقتي وذوقي الرفيع, كما عزفت عن الاستجابة لمحاولات أي شاب من زملاء الكلية
للارتباط العاطفي بي, ليس لأنني أطمع في الارتباط برجل ثري وإنما لأنني طرحت هذا
الأمر جانبا حتى انتهي من دراستي, وأرد بعض الدين لوالدي ووالدتي, وهكذا واصلت
دراستي حتى تخرجت وعملت على الفور واستطعت بتوفيق من الله أن أشارك في أعباء
الأسرة, وكانت أسعد لحظات حياتي حين أسمع أمي رحمها الله وهي تدعو لي بالخير,
وحين أرى فرحة إخوتي كلما اشتريت لهم بعض حوائجهم.
وبعد تخرجي بثلاث سنوات تقدم لخطبتي موظف ميسور
الحال من أصل طيب ارتحت له نفسيا ووافق والدي عليه, أما أمي فكان رأيها أنني
أستحق من هو أعلى منه مركزا وأكثر مالا, فذكرتها بحديث رسول الله صلي اله عليه
وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, وكيف أنني لا أطمع في أكثر من
الدين والخلق فوافقت ودعت لي بالسعادة والتوفيق وتزوجت في شقة متواضعة وكنت سعيدة
جدا بها وبالزوج الطيب الذي رزقني الله به, وازددت حرصا على الصلاة والدعاء إلى
الله بدوام هذه النعم ورزقنا الله بالأولاد وكانت حياتنا تمضي في هدوء, وكان
مستوى معيشتي بعد الزواج لا يزيد على مستوي معيشتي في بيت أسرتي إلا قليلا
ولم
أتطلع في يوم من الأيام إلى الثراء لأنني أعرف أنه زخرف زائل, وكانت كل
دعواتي إلى الله بدوام الصحة والستر وصلاح الأولاد. ثم انتقلنا إلى مكان آخر في
نفس الإقليم الذي أعيش فيه وترك زوجي الوظيفة وتفرغ لمشروع تجاري شاركته فيه بكل
ما أملك من مال, ونجح المشروع نجاحا ظاهرا, في حين كبر الأبناء والتحقوا
بالمدارس وكنا نواجه بين الحين والآخر بعض الأزمات المادية فأضطر إلى بيع بعض
مصاغي ونعاود النجاح مرة أخرى, وأنا دائمة الشكر لله في السراء والضراء, إلى
أن جاءت الضربة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون وقضت على الأخضر واليابس, فقد
تعرضت تجارة زوجي للإفلاس, وفقد كل ما يملك وأصبحنا على حافة الهاوية ووجدت نفسي
أواجه الحياة بمفردي والديون تلاحقني في كل مكان, وزوجي بدون عمل والأبناء في
المرحلتين الثانوية والجامعية, ودخلي من عملي لا يكاد يفي بكل هذه الالتزامات.
فبعت كل ما أملك لأسدد جزءا من الديون المتراكمة, وعملت عملا آخر بالإضافة إلى
عملي ولزم زوجي المنزل وانتابته حالة إحباط شديد وشعور بالذنب, لأن ما وصلنا
إليه من حال راجع إلى تقصير منه .. ووجدتني في هذه الظروف يزداد إيماني أكثر من
ذي قبل, ويطمئن قلبي دائما بذكر الله الذي يخرجني من كل ضيق وييسر لي كثيرا من
الأمور العصيبة, حتى أنني أحيانا وبعد الصلاة في الثلث الأخير من الليل أرى في
نومي إشارة لحل بعض مشاكلي وإلى من ألجأ, وازدادت جرعة إيماني وكنت أختلي بنفسي
كثيرا لأصلي وأقرأ القرآن وأحرص على صلاة القيام والتهجد, وأدعو الله آناء الليل
وأطراف النهار وأدركت أنه ابتلاء من الله وحمدت الله كثيرا أنه ابتلاء في المال
وليس في شئ آخر.
فلم
يكن المال يمثل لي في يوم من الأيام غاية بل هو وسيلة للعيش والستر. ووسط هذه
الأعاصير الشديدة تمر سحابة صيف جميلة تنزل الغيث, تروي الظمأ وتبدد الأحزان
فيكرمني الله سبحانه وتعالى بين الحين والآخر بالطيبين والطيبات يمدون لي يد العون
والمساعدة .. وأدعو الله أن يكرمني قريبا بتسديد بقية الديون وإخراج زوجي من
أزمته, وإيجاد عمل مناسب له لأنه إنسان طيب القلب عطوف علي أهله, ويساعد أي
إنسان يلجأ إليه ولو علي حساب نفسه. وأنا على يقين من أن الله سوف يخرجنا من هذه
الأزمة أقوى وأصلب من ذي قبل, ذلك أني لم أقصر في حق الله ذات يوم ولا حق زوجي
ولا أولادي, وأعطي كل ذي حق حقه وأرعى الله في جميع أعمالي ومعاملاتي مع الناس,
وأمد يد العون لكل إنسان يلجأ لي حتى في أحلك الظروف ولا أظهر لأحد ما أعانيه.
ومازلت
حتى هذه اللحظة أواجه قدري بصبر وإيمان داعية الله سبحانه أن يأجرني في مصيبتي
ويبدلني خيرا منها وهو سبحانه وتعالى يجزي من يبتلي بالهم والغم والحزن حسن الثواب
في الآخرة وحتى الشوكة يشاكها المؤمن له ثواب.
إنني
أدعو الله وأرجو من القراء الأعزاء أن يدعوه معي أن يكشف عني هذا الكرب, ويأتي
الفرج قريبا بإذن الله.
وأختم
رسالتي بهذا الدعاء الجميل:اللهم رضني بما قضيت لي, وبارك لي فيما أبقيت حتى
لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت.
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
هناك
مثل انجليزي قديم يقول: إن كل سحابة سوداء حولها هالة فضية, بمعنى أن كل محنة
تواجه الإنسان قد تحمل معها تباشير قرب انفراجها. وما تواجهينه في حياتك الآن هو
سحابة من هذا النوع, لن يطول وقوفها في سمائكم, وإنما سوف تتسع الهالة الفضية
المحيطة بها وتملأ حياتكم ضياء ونورا قريبا بإذن الله, فواصلي صبرك وكفاحك يا
سيدتي وتمسكي بجميل الظن بالله سبحانه وتعالى إلى النهاية, لأن حسن الظن بالله
من شعب الإيمان, ولسوف يكشف الله سبحانه وتعالى عنك هذه الغمة في القريب..
ويرجع الأمان والاطمئنان إلى حياتكم من جديد ومن يتق الله يجعل له مخرجا
ويرزقه من حيث لا يحتسب صدق الله العظيم.
شارك في
إعداد النص / علا عثمان
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر