العجلة الدوارة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2004
كان القطب الصوفي أبو بكر الشبلي يقول: إن الزهد هو خلو القلب مما خلت منه اليد .. وبذلك يكون الطمع بالمفهوم العكسي هو انشغال القلب بما في أيدي الغير مما تخلو منه اليد
عبد الوهاب مطاوع
قررت
بعد تردد طويل أن أروي لك ولقرائك قصتي, فأنا سيدة في منتصف العمر نشأت في أسرة
متوسطة, وكنا خمسة من الأبناء يكافح والدنا لتوفير سبل الحياة لنا بمرتبه من عمله
كموظف كبير, وبرغم اجتهاده فلقد كنا كثيرا ما نشعر بجفاف الحياة, وحين شببنا عن
الطوق زادت مطالبنا, وازداد شعوري أنا بالذات بما ينقصني فلقد كنت الابنة الكبرى, وكنت
أنظر حولي بالكلية فأجد من ترتدي كل يوم فستانا جديدا, ومن تأتي بسيارة والدها أو
بسيارتها .. ومن تتحدث عن رحلات الصيف والشتاء .. وأنا أعيش حياة متقشفة, ولا تسمح
إمكانات أبي المادية لي إلا بشراء فستان كل حين, كما أننا لا نعرف المصايف ولا
المشاتي, وأقصى رحلة لنا كانت إلى بلد أبي بالأقاليم في المناسبات الاجتماعية
كالأفراح أو التعازي, ونتيجة لذلك, وأشياء أخرى في حياتي, ولأنني جميلة وكنت شديدة
الاعتزاز بجمالي تعلقت روحي بحلم الزواج من رجل ثري يوفر لي كل إمكانيات الحياة
المادية.. ويغنيني عن التفكير في النقود باستمرار.
وهكذا
وضعت لنفسي مقاييس متشددة بالنسبة لمن سوف أرتبط به.. وعزفت عن الاستجابة لمحاولات
أي شاب من زملاء الكلية أو الجيران للارتباط العاطفي بي.. واعتبرتها كلها عبث
أطفال لا يبشر سوى بالعناء والحمل والإنجاب وتدبير شئون البيت بجلباب ممزق قديم, ومرتب
أو دخل لا يكفي إلا للأساسيات, ولا يتيح أي فرصة للترفيه والرخاء, ومضيت في طريقي
بإصرار, فصددت أكثر من شاب حاول التودد إلي ولم أجد في ظروفهم ما يغريني بالتفكير
في أمرهم, وقسوت بشدة على شاب منهم كان يعاني بوضوح من حبه لي, وحاول بكل الطرق
استمالتي نحوه.. ووسط لدي كثيرين ومنهم أخته.. التي حاولت استعطافي وإقناعي بقبوله
لكي يتقدم لأسرتي طالبا يدي, فلم أتزحزح عن موقفي وقلت لها بصراحة إن شقيقها لا
يرضي طموحي, ولن يعدني الارتباط به سوي بالفقر والعناء إلى ما لا نهاية, وصدمت
الفتاة صدمة كبيرة فانصرفت عني, وكف شقيقها بعد ذلك عن التودد إلي.. وابتعد عني
تماما.
وهكذا
أنهيت دراستي دون أن ارتبط بأحد, وعملت, ومضت بضع سنوات رفضت خلالها أكثر من عريس
لنفس السبب حتى غضب أبي.. وثارت أمي علي, وقالت إن الأغنياء لا يتزوجون إلا من هم
في مستواهم المادي, وأنني سأحكم على نفسي بالوحدة إذا استمررت في رفضي لفرص الزواج
المعقولة, وساء موقفي أكثر حين خطبت أختي التي تصغرني لشاب عادي أحبته وأحبها.. وبدآ
يستعدان للزواج وبسبب نظرات الأهل لي في حفل زواج أختي رضخت كارهة لأمي حين عرضت
علي شابا من أسرة طيبة وظروفه أفضل من ظروف عريس أختي, لكنه ليس الفارس الثري الذي
كنت أنتظره وتزوجنا بعد عام من الخطبة, وأقمنا في شقة لا بأس بها في مدينة نصر, في
حين أقامت أختي في شقة بحي شعبي.. وبدأت حياتي الزوجية وأنا بين الرضا عن أن ظروفي
أفضل كثيرا من ظروف أختي, وبين السخط لأن زوجي في النهاية ليس ثريا ولا يملك إلا
سيارة صغيرة متهالكة لا تساوي شروى نقير.
ومضت بنا
الأيام وأنجبت ولدا وبنتا.. وتقدمت في عملي وتقدم زوجي في عمله, وبالرغم من ذلك
فلقد ضاقت حولي ظروف الحياة مع نفقات الطفلين ومدرستهما وتكاليف الحياة.. ولم أقصر
في إشعار زوجي منذ البداية بأنه لم يكن طموحي الذي تطلعت إليه وأنا طالبة بالكلية..
وبأنه لم يحقق لي ما كنت أتمناه لنفسي من حياة رغدة ومريحة لا أحمل فيها هما
للنقود, ولا أمسك فيها ورقة وقلما لأحسب لكل شيء حسابه قبل الإقدام عليه, وكان
زوجي يحزن في صمت حين أشعره بذلك ولا يخطيء في حقي أبدا, وإنما يفاجئني بعد بضعة
أيام بأن يضع في يدي مبلغا إضافيا من النقود حصل عليه من عمل إضافي أو من الحوافز
في عمله, وفي بعض المرات اكتشفت أنه اقترضه من شقيقه! وكل ذلك لكي أرضى .. وأكف عن
التذمر والشكوى من ضيق الحال.
واستمرارا
لمحاولاته لإرضائي حصل لنا علي عضوية ناد اجتماعي راق ليس بعيدا عن مسكني, ودبر
مصاريف الالتحاق به من أعمال خارجية, وبدأنا نتردد عليه ونقضي فيه يوم الجمعة من
كل أسبوع, وبدأت أشعر بأن جزءا بسيطا من الحلم القديم قد تحقق, وإن كان هناك
الكثير الذي مازال بعيدا, وفي هذا النادي أصبحت لنا صداقات جديدة, وكانت أهمها
صداقتي لسيدة تعرفت عليها في حديقة النادي واستراحت كل منا للأخرى, وأصبحنا نقضي
معظم وقتنا في النادي معا في غياب الزوجين. وبالطبع فقد تعرفت على زوجها وتعرف
زوجي عليه, وحدث شيء من التقارب بينهما ولاحظت من البداية على صديقتي الجديدة
أناقتها وملابسها الغالية.. وحسن اختيارها لها, وسألتها ذات مرة بطريقة عابرة عن ثمن
تايير جميل ترتديه, فعرفت أنه
يساوي مرتب زوجي في شهر.. فبلعت ريقي بصعوبة.. وفي المساء حكيت لزوجي القصة
وأسمعته بضع كلمات ساخرة.. فاكتأب وقال حانقا إنه لا يعرف ماذا يفعل لكي يرضيني.
وتعمقت
الصداقة بيني وبين صديقتي الجديدة وتبادلنا الزيارات, وانبهرت بمسكنها الفاخر في
شقة من دورين بعمارة فاخرة.. وبأثاثه الثمين والتحف الغالية الموزعة على جوانبه, وترددت
في دعوتها وزوجها إلى مسكني المتواضع, لكنه لم يكن هناك مفر من رد الدعوة, فدعوتهما
واجتهدت قدر طاقتي في تجميل البيت وتزيينه وتنظيفه.. عند زيارتهما لنا.
وشيئا
فشيئا وجدتني أتساءل: أليس ما تعيشه صديقتي هذه هو ما كنت أحلم به لنفسي وأنا
فتاة؟, وماذا تمتاز به عني لكي تفوز به دوني..؟ إنني أجمل منها كثيرا بشهادة
الجميع.. بل وبشهادة نظرات زوجها المنبهرة لي منذ أول لقاء, كما أن ظروفها
العائلية مماثلة لظروفي, ولم يكن والدها ثريا ولا هي وارثة لمال.. وكل ما تنعم به
من عز بفضل زوجها رجل الأعمال, ناهيك عن سيارتها الحديثة الخاصة ومدرسة الأولاد
باهظة الرسوم.. والشغالة التي تتقاضي ما يزيد علي نصف مرتب زوجي, والمجوهرات
والملابس الفاخرة التي ترتديها... الخ.
وبدأت
أشعر بالغيرة الشديدة منها وبالسخط الأشد على زوجي برغم أنه يشقي في العمل وفي
الحياة لتلبية مطالبي.. وكثرت الاحتكاكات بيني وبينه, وكثرت شكواي منه لصديقتي, وازدادت
نظرات زوجها إلي عمقا وجرأة.
وفي
لحظة ضيق بكل شيء أعطيته الإشارة لكي يخطو الخطوة الأولى, فلم يتردد وبدأت
الاتصالات الهاتفية بيننا بطلب خدمة منه أداها بحماس على الفور, ثم بالشكوى من
زوجي وخلافاتي معه, إلى آخر المعزوفة إياها, التي تعرفها كل امرأة تريد أن تفتح
الباب لطارق جديد, وانتهى الأمر باعترافه بحبه الشديد لي ومجاراتي له في الاعتراف,
مع تحفظ واحد من جانبي هو رفضي النهائي لأي تلامس بيننا إلا في الحلال! واستمر
الحال بيننا على هذا النحو طيلة عام كامل أغدق علي خلاله بالهدايا الذهبية التي
أخفيتها عن الأنظار, وكثرت خلاله الخلافات بين صديقتي وزوجها وانتهي الأمر بينهما
بالطلاق الودي وبقاء الطفلين مع أمهما في نفس المسكن الفاخر مع منحها نفقة شهرية
سخية, وطالبني الرجل بالطلاق من زوجي لكي يتزوجني وفاء لوعدي له إذا طلق زوجته.. وبدأت
معركتي مع زوجي للحصول على الطلاق.. وخضت أهوالا كثيرة معه.. ومع أهلي وصلت إلى حد
محاولة الانتحار بقطع شرايين يدي وإنقاذي في اللحظة الأخيرة..
واستسلم
زوجي في النهاية فطلقني.
وبعد
انقضاء شهور العدة تزوجت زوج صديقتي, وأقمنا في شقة أخرى اشتراها لي في نفس الحي, وإن
لم تكن بنفس مستوى شقته الأولى .. وبدأت أعيش الحياة التي طالما تمنيتها فاستقلت
من عملي.. واشترى لي زوجي سيارة جديدة, وملابس كثيرة ومجوهرات.. وعرفت لأول مرة
الإقامة في فنادق الخمس نجوم, والسفر إلى الغردقة والساحل الشمالي, بل وإلى أوروبا
ذات مرة, وغرقت في العز والنقود والحب الذي يغمرني به زوجي, فلم ينغص علي حياتي
سوي شيئين: بعدي عن الطفلين واشتياقي لهما, وقد كنت أعالج ذلك برؤيتهما في بيت أمي
من حين لآخر, ثم فراغة عين زوجي وغيرتي الشديدة عليه وخوفي من أن تسرقه مني امرأة
أخرى, كما أخذته أنا من زوجته, فهو ضعيف أمام النساء الجميلات, وكثيرا ما احترقت
بنار الغيرة كلما سمعت عن اهتمامه بامرأة من المتعاملات معه, وأصبحت حياتي مطاردة
مستمرة له بالتليفون والسيارة.. وكبسات مفاجئة له في مكتبه أو النادي أو مطاعم
الفنادق الكبرى, ثم صراخا وعويلا وضربا متبادلا ودما ينزف مني ومنه ويلوث ملابسنا,
وفي كل مرة أصرخ فيه: تخونني وأنا التي تركت زوجي وأولادي من أجلك؟ فيجيبني في
حمأة الغضب بأنني تركتهم من أجل الفلوس قبل أن يكون من أجلي!.. وبعد تبادل
الاتهامات والإهانات والشتائم.. نهدأ أو أهدأ أنا علي الأصح وأبدأ بمصالحته.. وأتذكر
بمرارة أنني عشت مع زوجي الأول تسع سنوات لم يرفع خلالها صوته مرة واحدة علي ولم
يجرحني بكلمة.
وتواصل
الحياة طريقها, وأعوض قهري بشراء المزيد من المصوغات الذهبية والألماسية والملابس,
وزيارة ابنتي وابني اللذين ألاحظ في كل مرة أنهما يزدادان بعدا عني وجفاء صامتا لي,
وأتهم والدهما بأنه وراء ذلك, فيقسم لي صادقا بأنه لم يقل لهما كلمة سوء واحدة عني,
وتوالت الأحداث فتزوج زوجي السابق من فتاة لم يسبق لها الزواج من أقاربه, وانتقلت
ابنتي وابني للحياة مع جدتهما لأبيهما.. وازدادا نفورا مني ولوما صريحا لي, لأنني
كما قالت ابنتي ـ سامحها الله ـ جريت وراء الفلوس على حساب سعادتهما واستقرارهما
بين أبويهما! وبرغم حزني لجفاء مشاعرهما تجاهي, فقد كنت أمني نفسي بأنني سأستطيع
أن أكسب مودتهما بما أعطيه لهما من نقود خاصة حين يكبران وتزداد أهمية النقود في
حياتهما, ولكن حياتي ازدادت تعقيدا بزواج زوجة زوجي الأولى من رجل ممتاز وسفرها
معه إلى مقر عمله بإحدى الدول العربية, فأصبح لزاما علي كما طالبني زوجي أن أضم
ابنه وابنته إلى حضانتي لينشآ مع أخيهما الذي أنجبته منه.
وبدأت مرحلة جديدة من المتاعب والمشاكل, فالولد
والبنت وخاصة البنت .. يكنان لي كراهية صامتة شديدة.. وزوجي لا يتحمل أية شكوى
منهما ويتهمني على طول الخط بضيقي بهما وإساءة معاملتهما, ويهددني بهدم البيت إذا
شكا أحدهما مني. وزاد الطين بلة أن تعثرت فجأة في هذه الفترة أعمال زوجي فنقصت
السيولة بين يديه.. وأخذ مني سيارتي وباعها, وأخذ مني معظم مجوهراتي وباعها, وباع
كذلك الشقة الفاخرة الأولى التي كنت أتطلع للانتقال إليها لكي تتسع للأولاد
الثلاثة, ووجدتني بعد قليل أكاد أعيش في ظروف مشابهة لظروفي مع زوجي الأول مع
اختلاف مهم هو أنني كنت معه موضع الإعزاز والحب والتكريم والاسترضاء باستمرار, في
حين أنني مع زوجي الثاني موضع السخط واللوم والغضب في معظم الأحوال.
وتعلقت
بالأمل في تحسن أحوال زوجي وتجاوزه لأزمته بعد قليل كما يحدث مرارا في حياة رجال
الأعمال, وصبرت على ظروفي الجديدة كارهة, فإذا بالصواعق تنقض فوق رأسي واحدة بعد
أخرى ..
فلقد
فوجئت ذات يوم بعشرة رجال يطرقون الباب ويسألون عن زوجي, ولم يكن موجودا فلم
يتورعوا عن تفتيش الشقة بحثا عنه.. وسألت عن السبب فقيل لي إنهم ضباط ومخبرون
بوحدة تنفيذ الأحكام وأن زوجي قد صدرت ضده عدة أحكام نهائية بالسجن في قضايا شيكات
بدون رصيد! وانهرت مغمى علي فأمسك بي الضابط قبل سقوطي على الأرض.
وتكررت
زيارات ضباط الوحدة للبيت وللعمل وللنادي, بحثا عنه وأصبح زوجي يختفي بالأيام, ثم
يأتي فجأة بعد منتصف الليل ويقضي معنا ساعات وينصرف مع الفجر.. فلا أراه إلا بعد
أيام أخرى, وظل الحال هكذا لما يقرب من سنة تصالح خلالها مع بعض أصحاب الشيكات
وعجز عن التصالح مع البعض الآخر, ثم ضبطته وحدة التنفيذ في أحد الفنادق فساقته إلى
السجن! وهو الآن يقضي فترة العقوبة.. ومجموع الأحكام الصادرة عليه سبع سنوات
وأتردد عليه في مواعيد الزيارة.. وأدوخ بين ضباط السجون والعساكر للحصول علي تصريح
بزيارته زيارة خاصة في مكتب المأمور وليس من وراء الأسوار, وأحمل له الطعام
والحلوى.. وأعيش أنا وابني منه بمبلغ بسيط كنت أنفقه أيام العز في3 أيام ويعطيه لي
شقيق زوجي أول كل شهر, وهو يكاد يرميه في وجهي ولسان حاله يقول بغير كلام: إنني
قدم الشؤم على شقيقه, أما ابنة زوجي وابنه فقد رفضا العيش معي بعد سجن والدهما
وضمهما عمهما إليه إلى حين خروج أبيهما, وفي هذه الظروف الكئيبة كنت أقف مع طفلي
الصغير أمام النادي أنتظر سيارة ميكروباص لكي نرجع إلي البيت حين لمحت عن بعد
صديقتي السابقة زوجة زوجي الأولى تنزل من سيارة مرسيدس فاخرة أمام النادي ورجل
الأمن والبواب يقفان احتراما لها ولزوجها ويتبادلان معهما الابتسام والتحية, فأسرعت
بإدارة وجهي للناحية الأخرى حتى لا تلمحني.. وانتظرت حتى دخلت النادي قبل أن أشير
لسيارة ميكروباص قادمة, وقلت لنفسي أنه يبدو أن للعز أناسا يجدونه تحت أقدامهم
دائما حينما يمشون, وأن للفقر والعناء أناسا آخرين لا يجدون سوا هما كلما سعوا في
الأرض!
وعدت
إلى البيت مكتئبة وساخطة.. وأنا أفكر في أنني كنت أحيا حياة مستقرة وهادئة مع زوجي
الأول فلماذا لم أرض عنها ولم أسعد بها..؟ وماذا جنيت من الجري, على حد تعبير
ابنتي وراء الفلوس سوى بعد ابني وابنتي عني وجفائهما لي وفقدي لهما ولزوجي الأول
ولحياة الكرامة والإعزاز والأمان معه؟
إنني
وبعد ثماني سنوات من زواجي الجديد تمرغت خلالها في العز لمدة ستة أعوام وقلبت لي
الدنيا ظهر المجن خلال عامين, أقول لنفسي ولكل النساء والفتيات إنني قد خسرت زوجا
كان يحبني ويحترمني ويقبل الأرض تحت أقدامي, ويبذل كل ما في وسعه لإرضائي, وخسرت
ابنتي وابني وهما لا يقدران بمال وخسرت الكرامة والأمان والاستقرار وراحة البال
وكل ذلك لأنني لم أكن قانعة بحياتي مع زوجي الأول ولم أرض عنها بالرغم من أن
كثيرات غيري كن يتمنين حياة مثلها.. ولأنني تطلعت إلى ما لم يكن من حقي الحصول
عليه واغتصبت زوج صديقتي السابقة ونفست عليها حياتها معه وثراءه, ورأيت أنني أحق
به منها, ولم يردني ضميري ولم يمنعني قلبي كأم من الإقدام على ما أردت ولم أتوقف
لحظة أمام حق زوجي وأبنائي علي, ولا أمام حق صديقتي وحق أبنائها.. فدبرت خطف زوجها..
وانبهرت لفترة قصيرة بالثراء ثم توالت الكوارث. إنني أعرف أن رأيك في سيكون قاسيا..
وأنك ستنهال علي باللوم, لكني أردت بالرغم من ذلك أن أروي لك قصتي لكي أتطهر من
بعض جريرتي.. ولكي أسألك ألا يغفر لي الله ذات يوم طمعي وسخطي علي حياتي السابقة..
وسرقتي لسعادة امرأة أخرى كانت ذات يوم صديقة لي.. وماذا أفعل لكي يرفع الله عني
مقته الذي يحيط بحياتي من كل الجوانب الآن؟
ولكاتبة
هذه الرسالة أقول:
كان القطب
الصوفي أبو بكر الشبلي يقول: إن الزهد هو خلو القلب مما خلت منه اليد .. وبذلك يكون الطمع بالمفهوم العكسي هو انشغال
القلب بما في أيدي الغير مما تخلو منه اليد!وأحسب
يا سيدتي أن هذا كان حالك حين نفست على صديقتك السابقة زوجها الثري وحياتها
المرفهة وعيشتها الراضية.. فلم تفعلي كما يفعل الصالحون, وهو أن تتمني لنفسك مثل
حياتها وتدعي الله سبحانه وتعالى أن يوسع على زوجك رزقه, بحيث يكفل لك ما تشتهي
نفسك من حلال, وإنما تطلعت إلي انتزاع ما في يد صديقتك والاستئثار به دونها.. فكان
ما كان من أمرك.. وظننت أنك قد فزت بما تستحقين من حياة ناعمة ومال وفير.. وحققت
ما كنت دوما ترين نفسك جديرة به.. والحق أنك كنت الخاسرة منذ البداية, وليس فقط
بعد تغير أحوال زوجك المادية في العامين الأخيرين, فلقد خسرت ما لا يعوض بمال إذا
فقده الإنسان, وهو حب ابنيك لك وارتباطهما بك.. وخسرت زوجا محبا عطوفا لم يكن يكل
عن استجداء مودتك واسترضائك بكل الحيل.. ويحسن عشرتك ويحترمك, وخسرت بكل تأكيد
تأييد أهلك الأقربين لك بطلاقك منه وتمزيق ابنيك بينكما وثقة أهل زوجك الثاني
الذين لن يغفروا لك تمزيق ابنيه بين أبويهما وبين بيوتهم.. ناهيك عن احترام
الآخرين واحترامك أنت شخصيا لنفسك, خاصة حين تكشفت القصة في النهاية عن عناء لا
يقل وطأة إن لم يزد عن الحياة التي تمردت عليها في ظلال زوجك الأول وطفليك.
لقد
تجددت مراراتك حين رأيت صديقتك السابقة تنزل من سيارة مرسيدس فاخرة مع زوجها
الجديد.. وأنت تقفين في الطريق في انتظار سيارة ميكروباص, فتساءلت أحقا أن هناك من
البشر أناسا يسعى الخير إليهم أينما يحلوا, وبشرا.. يفر منهم الخير أينما يسعوا؟
وجوابي هو أن الله سبحانه وتعالي هو الرزاق الكريم, وأننا لو جرينا في الدنيا جري
الوحوش فلن ننال في النهاية إلا ما كتبه الله لنا, فإذا كنت تتعجبين كيف انتقلت
صديقتك السابقة من حياة رغدة مع زوجها الأول إلى حياة أكثر رفاهية مع زوجها الثاني,
مع أنها أقل منك جمالا وأقصر باعا, فلعلي أذكرك بأن الله سبحانه وتعالي قد أقسم في
الحديث القدسي المرفوع بعزته وجلاله لأرزقن من لا حيلة له حتى يتعجب أصحاب الحيل
أي حتى يعرف الجميع أنه وحده الرزاق المنعم.. وأن ثراء أي إنسان أو نجاحه أو
توفيقه في عمله برغم اجتهاده ليس راجعا إلى حيلته وحدها وإنما إلي أن الله سبحانه
وتعالي قد أذن له أيضا بنجاح مسعاه ونيل ثمرته, وبارك له في رزقه وفي حياته, وتأكيدا
لذلك فقد يغمر الله سبحانه وتعالي برزقه من لا ترشحه قدراته للمنافسة في أي سباق, وقد
يقدر علي بعض ذوي الحيل والذكاء رزقهم فيعيشون في كبد حتى يأذن الله بتغير الحال. لقد
ذكرتني قصتك وعودتك إلى الحرمان بعد الرخاء كما يرجع مؤشر عجلة الحظ الدوارة إلى
نقطة البداية بعد طول الدوران, بالخرافة التي كتبها الحكيم الإغريقي ايسوب عن
الأسد الجائع, الذي رأى أرنبا نائما فهم بالتهامه ليسد به جوعه, وقبل أن يفعل رأى
غزالا قريبا, فقال لنفسه إن لحم الغزال أطيب وأوفر, ويكفي لسد غائلة جوعي ويفيض, فانصرف
عن الأرنب وطارد الغزال لينقض عليه.. وصرخ الغزال حين رأى الأسد صرخة مدوية واندفع
جاريا بسرعته الشديدة, والأسد يلاحقه إلى أن طالت المطاردة, وابتعد الغزال كثيرا
وأدرك الأسد أنه لن يلحق به فعاد أدراجه وقد قرر أن يكتفي بالأرنب.. فإذا به لا
يجده في مكانه ويتلفت حوله باحثا عنه دون جدوى فيدرك في النهاية أن صرخة الغزال
والأسد يطارده قد أيقظته من نومه فأسرع بالفرار! وهكذا خسر الغزال.. والأرنب معا..
وظل الأسد يكابد جوعه!
فإذا
كنت تتساءلين في ختام رسالتك وبنص كلماتك: ألا يغفر الله لك, طمعك وسخطك على حياتك
السابقة وسرقتك لسعادة امرأة أخرى .. وماذا تفعلين لكي يرفع الله عنك مقته وغضبه
اللذين تشعرين بهما في حياتك الخاصة الآن؟ فاني قبل أن أجيبك على هذه التساؤلات
أضيف إليها سؤالا آخر يبدو أنك قد نسيته في غمرة ضيقك بظروفك الحالية وهو: وألا
يغفر الله لي أيضا خيانتي لزوجي وأنا أحمل اسمه ومؤتمنة على شرفه مع رجل آخر متزوج
وله أبناء, وتدبيري معه طلاقي من زوجي وطلاقه من زوجته وهدم أسرتين وتمزيق4 أبناء
لكي يجتمع شملنا تحت راية أطماع الدنيا الزائلة: هو في جمالي وأنا في ماله؟
هذا هو
السؤال الناقص وجوابي عليه وعلى غيره من التساؤلات أن الندم الصادق من القلب
ونتيجة لتغير الفكر وليس تغير الظروف يفتح دائما باب التوبة والمغفرة.. مع كثرة
الاستغفار ومع النية الصادقة علي التطهر من الآثام, وعدم العودة إليها مرة أخرى, ومحاولة
تصحيح الأخطاء, وأداء الحقوق, ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله
غفورا رحيما.
وبهذه
المناسبة فانك تعيشين وحدك الآن مع طفلك الصغير, فلماذا لا تفكرين في ضم ابنيك من
زوجك السابق إليك ولو في فترة غياب زوجك عنك وبعد استئذانه في ذلك, لكي تعويضهما
عن بعض ما حرمتهما منه ولكي يقتربا من أخيهما الصغير.. فيكون ذلك بداية تعويض
تقصيرك في حقهما؟ نعم ـ لماذا لا تحاولين ذلك حتى ولو رفض الابنان أو أهلهما في
البداية, ذلك أن مجرد إبداء هذه الرغبة
يحمل
نوعا من الاعتذار لهما والرغبة في تعويضهما..
رابط رسالة الهالة الفضية تعقيبا على هذه الرسالة
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر