النزوة المدمرة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000
أنا فتاة أبلغ من العمر 26
عاما وعلى قدر كبير جدا من الجمال, وقد نشأت في أسرة مكونة من 5 أفراد,
ولأنني الابنة الوسطى فقد كنت ضائعة بين الاهتمام بأخي الأكبر لأنه رجل وبين
الاهتمام بأختي الصغرى المدللة.
فقد مضت الحياة بحلوها
ومرها إلى أن التحقت بإحدى كليات القمة في إحدى المدن الكبرى البعيدة عن مدينتنا
إلى حد ما, وكانت الدراسة بها لمدة 5 سنوات وكان جميع زملائي ينظرون إلي على
أنني فتاة بسيطة نظرا لعدم تغيير ملابسي, حيث أنها طاقم واحد في الصيف وآخر في
الشتاء مع أن ظروفنا المادية جيدة ولكن بخل أبي الشديد علينا هو الذي أظهرني بهذا
المظهر.. كما اضطرني لأن أعمل في فترة الصيف من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة
الحادية عشرة ليلا في مدينتنا الصغيرة لألبي احتياجاتي خلال الدراسة.
وخلال دراستي في السنة
الثالثة بالكلية تعرفت على زميل لي جلس بجواري خلال إحدى المحاضرات وبعدها تحدث
معي وأراد أن يعرف مني لماذا لا أتحدث مع أحد من الزملاء, وتحدثت معه بكل صراحة
وفتحت له قلبي وحدثني هو الآخر عن ظروفه العائلية وكم هي معقدة ولديه مشاكل مع إخوته
وكانت تلك هي بداية التقارب بيننا وبعدها أصبحنا نتقابل كل يوم في الكلية وفي
السنة النهائية فاتحني في ضرورة الزواج لكيلا تصبح علاقتنا محرمة وانجرفت وراءه في
التيار وتزوجنا عرفيا وتخرجنا وأنا في سن الثالثة والعشرين وكانت أختي قد تزوجت
وعمرها عشرون سنة, وكذلك أخي فلم يبق في البيت سوى أنا وأمي بعد أن توفي أبي
وأنا في سن الرابعة والعشرين في ذلك الوقت طلبت من فتاي أن يتقدم لي رسميا وأكدت
له أنني لن أراه مرة أخرى إلا وهو في بيتنا وأمي بجوارنا, فطلب مني التأجيل بعض
الوقت وتوقفت عن لقاءاته إلى أن تحدد يوم ليجيء إلى والدتي وخالي وجدي لأمي,
وكنت أنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر وكان فتاي يقيم بالقاهرة بينما نحن بمدينة بعيدة
عن القاهرة وكان الموعد المحدد لوصوله هو السابعة مساء فمضى الوقت حتى منتصف الليل
ولم يجيء وأنا احترق بالقلق خاصة وأنني قد اتصلت به في بيت أسرته وأكدت لي أخته
أنه قد خرج من الخامسة متوجها إلى منزلنا.
ثم فوجئت بخالي يدخل علي
الحجرة ويقول لي إني لابد أن أنسى هذا الشخص لأنه لا يفي بوعوده وسألني لماذا أتمسك به
برغم قلة إمكاناته مع أني يتقدم لي كثيرون أفضل منه, بغير أن يعرف بالطبع أنني
لا أستطيع أن أرتبط إلا بهذا الشخص لأنه لا يعرف الكارثة التي تهدد مستقبلي, هذا
إلى جانب تأنيب أمي لي لأني أحرجتها أمام عائلتها, ومضى الوقت ثقيلا وأحترق طوال
اليوم وطوال الليل لأني لا أعرف عنه شيئا والشكوك تقتلني إلى أن دق جرس الباب في
الصباح وحمل إلينا البواب صحف الصباح فإذا بي اقرأ فيها عن حادث مروع على طريق
بلدتنا المؤدي إلى طريق القاهرة راح ضحيته 7 أشخاص وكان فتاي أحدهم فأحسست أن
حياتي قد انتهت, وانهرت.. وبكيت وصرخت وكتمت سري اللعين عن الجميع.
وبعد 3 أشهر على الحادث
بدأت أفيق تدريجيا من الصدمة وراحت أمي وبعض الأقارب يرشحون لي عريسا مختلفا كل
يوم به من المزايا ما يغري أي بنت بالزواج منه وكل مرة كنت أتعلل بأي شيء لأفلت من
الزواج لأني كنت متزوجة زواجا كاملا من فتاي الراحل ولسوء الحظ فقد كان محتفظا
بورقة الزواج في جيبه وقت الحادث وقد سألت عنها فقيل لي أن كل المحتويات التي كانت
معه قد فقدت ولا يعرف أحد عنها شيئا.
إلى أن جاء يوم وكنت أجلس
فيه بمفردي أشاهد التليفزيون فشاهدت حلقة من برنامج شهير عن الزواج العرفي,
وعرفت أن كل ما فعلته مع فتاي كان محرما.. فنهضت وتوضأت وصليت صلاة التوبة
وارتديت الخمار, لكي يغفر لي الله ما فعلته مع فتاي وأطلب له الرحمة حيث إن ما
أعانيه من عذاب الضمير وتأنيبه لا يقل عما حدث له في الحادث الأليم, والآن فإن
أمي تطالبني كل يوم بالزواج ولا أعرف ماذا أفعل
ولن أقدر على مصارحتها لأنها لو عرفت أمي فستكون نهايتي أو لماتت هي من هول الصدمة
واشعر بأن الانتحار هو الحل الوحيد.
أنني أرجو ألا تنظر إلي
نظرة سيئة لأني لم أكن سيئة في يوم من الأيام, وقد تركني أخوتي ولم أجد من
يساعدني, فأرجو منك المشورة قبل أن تنهدم حياتي.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
أي زواج عرفي تتحدثين عنه
في هذه الرسالة أيتها الشابة.. لقد قلنا مرارا إن ما يجري
بين بعض الشباب من كتابة ورقة بصيغة الزواج, واعتبار ذلك زواجا عرفيا يبيح
لطرفيه حقوق الزواج المشروعة ليس زواجا ولا يحل حراما ولا يرتب لأحد طرفيه أي حقوق
على الآخر.. لأنه حتى الزواج العرفي بالرغم من أنه لا يثبت للزوجة أي حقوق سوى
نسبة الأبناء لأبيهم .. يتطلب وجود شاهدين عليه وأن يكون في يد كل طرف من
الطرفين نسخة من عقده.. كما يتطلب أيضا أن يتحقق له أي شكل من أشكال العلانية
والإشهار لإزالة شبهة السرية عنه التي تتنافي مع طبيعة الزواج المشروع.
فأين شاهداك على مثل هذا
الزواج المزعوم ؟
وأين نسختك من هذا العقد
الباطل ؟
وكيف قبلت ألا تكون هناك
سوى نسخة واحدة منه يحتفظ بها فتاك.
ولماذا لم تفكري في كل ذلك
وأنت تستجيبين لهذه النزوة المدمرة, وترتبطين بهذا الشاب في علاقة آثمة
بدعوى الزواج العرفي, وماذا تنتظرين مني أن أقدمه لك لكي تنقذي نفسك من هذه
المحنة التي انجرفت إليها بنزقك واستهتارك وضعف تقديرك لعواقب الأمور ؟
لا حل سوى أن تصارحي أمك
بمشكلتك وتشركيها معك في البحث عن مخرج منها.. وأرجو ألا تكرري علي خوفك من
مواجهتها أو بعواقب ذلك.. لأنه مهما كانت هذه العواقب فإنها أخف ضررا عليك من
تكتم الأمر إلى ما لا نهاية.. فإذا كان ما تقولينه عن هذه الورقة صحيحا وأنها
كانت مع فتاك يوم راح ضحية الحادث.. فإن متعلقاته يمكن الحصول عليها من النيابة
أو من قسم الشرطة الذي وقع الحادث في نطاقه.. أو من أسرته التي يمكن أن تكون قد
تسلمت هذه المتعلقات.
وإذا كان العقد قد وقعه
شاهدان" بالرغم من شكي في ذلك" فإنهما يستطيعان تأييد روايتك لأمك,
وإن كان كل ذلك لا يعفيك من اللوم عما فعلت بنفسك وأيا كان غضب الأهل منك وعقابهم
لك فمن واجبك أن تتحمليه بصبر كما اجترأت من قبل على مخالفة كل الأعراف والتقاليد
والتورط في مثل هذه العلاقة الشائنة.
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر