الخطة المحكمة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1998

 الخطة المحكمة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1998

الخطة المحكمة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 1998

بعض الأنانيين المستسلمين نهائيا للأثرة وحب الذات لا يتورعون كما يقول لنا المفكر الانجليزي فرانسيس بيكون عن إحراق مدينة بأكملها لكي ينضجوا على نارها بيضة يشتهونها‏ ! ..‏ وهم كما يقول أيضا أكثر الناس خداعا للآخرين، لأن مطالب أنانيتهم ورغبتهم في الفوز بها تدفعهم لملاطفة الآخرين واسترضائهم حتى ليخال الآخرون لطفهم ذاك من سلامة طويتهم وطيبتهم ويمنحوهم ثقتهم‏ ، ومن هذه الثقة ينالون ما يسعون إليه ولو لم يكن عادلا ولا مشروعا‏ !!‏

عبد الوهاب مطاوع

 

أنا سيدة في أواخر الثلاثينيات من عمري‏،‏ تزوجت منذ‏ 12 عاما من رجل فاضل‏ وأنجبت منه 3 أطفال ‏.. وكان زوجي ومازال موظفا لا يملك سوى مرتبه‏،‏ لكنه يعمل منذ زواجنا بعمل إضافي بإحدى الشركات الخاصة لكي يلبي احتياجات الأسرة‏،‏ وكان دائما محبوبا من زملائه ومتدينا ويحفظ بعض أجزاء من القرآن الكريم ويفوز في المسابقات الدينية ‏..‏ وعن طريق إحدى هذه المسابقات أدى فريضة الحج‏.‏

ولقد مضت بنا الأيام بحلوها ومرها‏، لكنني كنت دائما أشكو من قلة الدخل وكثرة الاحتياجات والحرمان من بعض الأشياء التي أتطلع إليها ولا تساعدني إمكانياتنا للحصول عليها‏ ..‏ ثم تمكنت إحدى صديقاتي من توفير فرصة عمل إضافي لي لمدة ثلاث ساعات في المساء بإحدى الشركات‏ وطلبت من زوجي الموافقة على عملي بهذه الشركة لكي يسهم دخلي منها في تيسير الحياة علينا‏، وبعد معاناة شديدة قبل زوجي مرغما أن أعمل بهذا العمل‏، وكان أمله ألا أتحمل عناءه بعد فترة قصيرة فأتوقف عنه‏ .. لكني جربت هذا العمل فوجدتني سعيدة به وبمرتبي منه،‏ ووجدت النقود تتوافر في يدي لشراء الأشياء التي لا يستطيع زوجي أن يشتريها لي أو لأولادي‏، خاصة أنه قد رفض أن يأخذ مني قرشا واحدا من دخلي هذا‏ ..‏ وهكذا واصلت العمل المسائي في هذه الشركة فلم يمض وقت آخر حتى تعرفت على رجل متزوج وله أبناء ويشغل مركزا مرموقا ولا حساب عنده للمال توطدت علاقتي به تدريجيا وغمرني بالهدايا والملابس الغالية وبكل ما أحتاج إليه أو أفكر فيه بغير أن أطلبه منه ‏..‏ وبدأت أنا للأسف مسلسل الكذب والخداع مع زوجي‏ ,‏ وقد بدأ هذا المسلسل باختلاق الأكاذيب له عن مصدر هذه الأشياء الغالية التي ظهرت في حياتي فجأة وهو بحسن نيته وطيبة قلبه يصدقني في كل ما أقوله له ‏.

 

واستمرت العلاقة بيني وبين الرجل الآخر وازدادت عمقا حتى وجدته يطلب مني الطلاق من زوجي لكي يتزوجني‏ .. وأقدم على خطوة مهمة لتأكيد جديته في هذا الأمر‏،‏ فاشترى شقة صغيرة وكتب عقدها باسمه واسمي معا‏ .. وانتظر ما أقوم أنا به من خطوات من جانبي بعد ذلك‏، ولأن حياتي مع زوجي كانت تمضي سلسة وبلا خلافات حادة فلقد تحيرت كيف أبرر طلبي للطلاق منه وبعد تفكير قصير هداني عقلي المتمرد إلى خطة محكمة للحصول على الطلاق منه بغير عناء طويل‏، ونفذت أولى خطواتها بأن قمت بخلع الحجاب واشتريت كمية من أدوات الماكياج غالية الثمن‏، وفوجيء بي زوجي ذات يوم أستعد للخروج من البيت للذهاب للعمل وأنا مكتملة الماكياج ومكشوفة الشعر فثار ثورة كبيرة‏ .. وتجادلنا حول هذا الموضوع بشدة ثم تكرر الخلاف بيني وبينه بعد ذلك مرارا حول هذا التصرف‏، وفي إحدى منازعاتنا بسبب مطالبته لي بالعودة إلى الحجاب ورفضي لذلك‏، فقد أعصابه وصفعني فهددته بتحرير محضر ضده في الشرطة‏,‏ فلم يتوقف عن إيذائي‏، ونفذت تهديدي له بالفعل وحررت له محضرا بقسم الشرطة بالتعدي علي بالضرب‏، وقدمت تقريرا طبيا بإصابات وهمية ساعدني في الحصول عليه طبيب صديق للرجل الذي أرغب في الزواج منه‏ .. ووضعت زوجي أمام خيارين لا ثالث لهما‏:‏ إما أن يطلقني في هدوء أو أواصل السير في الإجراءات القانونية ضده‏،‏ فأدرك زوجي في هذه اللحظة فقط أن تصميمي على الطلاق نهائي فقام بجمع ملابسه وأشيائه من البيت ورجع إلى بيت والدته وطلقني وتركني أقيم في منزل الزوجية مع أطفالي ،‏ والتزم بدفع نفقاتهم دون تقصير من جانبه في حدود إمكانياته ‏.. وحققت أنا الهدف الذي سعيت إليه وفزت بالطلاق وانتظرت انقضاء فترة العدة‏، فما آن انتهت‏، حتى كنت قد تزوجت حبيبي وأنا مازلت مقيمة في بيت الزوجية‏، انتظارا للانتهاء من إعداد الشقة الجديدة‏.

 

وعلم مطلقي بزواجي فثارت ثورته وجاء إلى البيت غاضبا وطردني منه وأخذ أطفاله وأعطاني كل منقولاتي وأغلق الشقة ورجع للإقامة مع أطفالي في بيت والدته ‏..فقمت بنقل أثاثي إلى الشقة الجديدة وأشرفت على تجهيزها إلى أن انتهت وبدأت حياتي مع الرجل الذي ارتبطت به وهجرت زوجي الأول وأطفالي من أجله‏.‏
وسعدت بأيامي معه وتحولت الشقة إلى عش غرام سعيد يجمع بيني وبينه‏، لكني مع مرور الأيام وجدت نفسي طوال الوقت وحدي في هذه الشقة الجديدة‏، حيث لا يحضر زوجي إلي سوى لمدة ساعة واحدة فقط كل يوم ولا يقضي الليل معي ولا يستطيع ذلك لأن زوجته لا تعلم بزواجه مني‏..‏ ويوما بعد يوم طالت أوقات الوحدة‏،‏ وقلت أوقات الصحبة وبعد أن كان الكلام لا ينقطع بيننا من لحظة اللقاء حتى لحظة الفراق‏،‏ ظهرت فترات الصمت بيننا‏ ..‏ وبعد أن كنا لا نتبادل إلا أرق الكلمات ولا أسمع منه إلا أجمل الوعود‏، ظهرت مفردات جديدة في حديثه معي لم يكن يستخدمها من قبل ‏..‏ وأصبح يبخل علي في كل شيء فإذا عاتبته في ذلك قال لي
بلا حياء إن أبناءه أحق بما ينفقه علي‏!!‏ كما تبخرت الوعود الجميلة التي وعدني بها وتسربت في الهواء‏،‏ وإذا ذكرته بشيء منها لم يبد اهتماما‏ ..‏ وإذا أثقلت عليه في اللوم والعتاب عيرني بأنني قد بعت زوجي وأطفالي من أجله‏،‏ واتهمني بأنني أنا التي جريت وراءه وطاردته وأنني السبب في كل ما حدث وليس هو‏!‏


فإذا بي أشعر تدريجيا بكل أمراض الدنيا تحل في جسمي‏ ..‏ وأفقد الاستمتاع بكل شيء وأجد نفسي أستعيد صوت زوجي السابق الطيب وكلماته الهادئة لي ونصيحته الدائمة لي بأن أرضى بما بين يدي وألا أتطلع إلى ما في يد غيري‏ .. ووجدتني أراجع حياتي السابقة معه وأتذكر مميزاته وسجاياه الطيبة التي تعاميت عنها ‏..‏ وأتساءل ماذا فعلت بحياتي وزوجي وأبنائي ؟‏..‏ لقد تصورت بعد زواجي ممن ارتبطت به أنه سوف تتحول حياتي كلها إلى حب ومرح ونزهات في أماكن فاخرة ومشتريات جميلة بعيدا عن وجع الدماغ ومسئولية الأطفال وعناء تدبير ميزانية البيت‏، والاقتصاد من هذا البند لتوفير متطلبات ذاك البند‏..‏الخ‏.‏

فإذا بي أجد نفسي في النهاية حبيسة شقة خالية في انتظار زوج لا يجيء إلا ساعة واحدة وإذا جاء فقد لا تخلو زيارته لي من المنغصات‏ ..‏ أما في الليل فإنني لا أستطيع النوم إلا بعد عذاب‏، حتى انتهى بي الحال للتفكير في أحد أمرين‏:‏ الانتحار‏ ..‏ أو قتل الرجل الذي دمر حياتي وأضاع مني أولادي وزوجي الأول‏.‏ لقد سمح لي مطلقي بعد كل ما حدث برؤية أطفالي مرة كل أسبوع‏، ولقد علمت منهم أن أباهم قد تقدم بعد الطلاق بعدة شهور إلى خطبة سيدة أرملة لديها طفلان وحالتها المادية ميسورة‏، وكان الترتيب أن يقيما معا في شقتها‏، واستمرت فترة الخطبة بضعة شهور‏، كنت خلالها أتابع خطواتها عن طريق أطفالي باهتمام شديد‏،‏ إلى أن علمت منهم في زيارتهم الأسبوعية لي أنه قد أنهاها وقرر أن يتفرغ لتربية أبنائه مع أن عمره لا يتجاوز الأربعين‏، فإذا بهذا النبأ يبعث بصيص الأمل في نفسي وإذا بي أجدني سعيدة به على الرغم من كل شيء‏..‏ فهل لي أن أطمع في كرمك وأطلب منك أن توجه له رسالة لكي نرجع إلى سابق حياتنا معا‏,‏ وأضم أطفالي إلى حضني مرة أخرى وكفاني ما عانيته بسبب ما فعلته به ونفسي وأطفالي؟‏..‏ إنني على استعداد لأن أتنازل لزوجي الحالي عن كل شيء لكي يطلقني‏ ..‏ وهذا هو ما يريده بالفعل مقابل الطلاق‏ ..‏ فهل توجه رسالة لزوجي لكي يصفح عما فات ويدعني أرجع إليه وأعيش كخادمة له ولأولادي عسى أن يغفر لي ربي ما فعلت؟

‏ ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لو كانت أمور الحياة تجري بمثل هذه البساطة‏,‏ لما حق لأحد أن يشكو التعاسة‏ ..‏ لكنها لا تجري أبدا بهذه الخفة‏ ,‏ ولا يكفي أن يشعر المخطئ خطأ جسيما في حق الآخرين ‏,‏ بأنه لم يجن مما سعى إليه ما كان يؤمله فيه من خير أو سعادة‏,‏ لكي يصفح عنه هؤلاء الآخرون الذين وطأهم بقدمه لكي يصل إلى ما كان يتصور فيه هناءه‏ ,‏ وإنما يتطلب الأمر دائما لكي ننال عفو من أسأنا إليهم وظلمناهم في سعينا لأهدافنا ندما مريرا صادقا علي إساءتنا لهم‏..‏ وتكفيرا عادلا يتناسب مع حجم الجرم الذي ارتكبناه في حقهم‏,‏ ليكون ذلك قرباننا لدي من ظلمناهم ويرشحنا لصفحهم واستعادة ثقتهم وبدء صفحة جديدة معهم‏ ,‏ ومن قبيل هذا التكفير في مثل حالتك أن يشعر من أسأت إليه بأن ندمك على ما فعلت به صادق ‏,‏ ونابع من أسباب تتعلق به هو وليس بأحد غيره‏,‏ كأن تكوني قد أعدت بالفعل تقويمك لسجله معك واعترفت له بكل ما أنكرته عليه من قبل من سجايا وفضائل وحسن معاشرة‏,‏ لا أن يكون الندم نابعا من أسباب ذاتية تتعلق بك أنت كخيبة أملك في السعادة التي توهمت أنك ستنهلين من فيضها في زواجك الثاني‏,‏ أو الإحباط الذي تشعرين به لتبخر الوعود المادية الجميلة في الهواء ‏,‏ وفتور المشاعر في الزواج الثاني بعد الفوران العاطفي المألوف في حالة العشق التي بلا مسئوليات مادية ولا حياة مشتركة ولا أعباء عائلية ‏! ..‏ كما أنه من قبيل هذا التكفير أيضا ومن أهمه‏,‏ أن يكون ندمك على ما فعلت بزوجك وأطفالك مرتبطا بتغير إيجابي في أفكارك وقيمك الأخلاقية ورؤيتك للحياة‏ ,‏ وليس مجرد رد فعل عابر لخيبة الأمل في أحلام الحب والزواج والحياة الملونة الخالية من عناء حسابات الدخل وميزانية الأسرة‏ .

 

 فهل تغيرت حقا نظرتك إلى الحياة والقيم الأخلاقية والعائلية‏ ..‏ والأولويات الجديرة بأن تضعها الأم الرءوم في بؤرة اهتماماتها‏,‏ كحق أطفالها عليها في أن تكفل لهم الحياة الأسرية المستقرة‏ ,‏ وألا تضحي بسعادتهم واستقرارهم من أجل الجري وراء أحلامها الشخصية؟
إنك مازلت حتى الآن يا سيدتي في عصمة الرجل الذي هجرت زوجك السابق وهدمت استقرار أطفالك الثلاثة الذين لا يتجاوز أكبرهم العاشرة من أجله‏,‏ وبالرغم من ذلك فأنت تتطلعين للعودة إلى زوجك الأول وتطلبين مني مناشدته أن يقبل بعودتك إليه‏ ,‏ ولعلك إذا رفض هذه العودة أو عجز عن الصفح عنك تواصلين حياتك الزوجية الحالية إلى ما لانهاية أو إلى أن تتوصلي مع زوجك الثاني إلي صيغة مادية لا تحرمك من كل ما تأملين فيه من تعويض مناسب لك ويقبل به شريكك‏.‏
فبماذا يمكن أن نصف مثل هذا السلوك ؟
وهل يبشر ذلك باحتمال أن تكوني قد اكتسبت حقا فهما إيجابيا جديدا لقيمة أخلاقية أساسية هي الإخلاص للزوج الذي تحملين اسمه والالتزام به والأمانة معه وعدم التطلع إلى الارتباط بغيره إلا بعد الانفصال عنه والتحرر من عهد الوفاء له ‏..‏ إنه لا يبشر للأسف بذلك‏ ,‏ ولا يعني في الحقيقة سوى أنك مازلت تؤمنين بفضيلة التخطيط سرا لتحقيق أهدافك وترتيب الأمور تحت السطح الهاديء‏,‏ ثم مباغتة الطرف الآخر بالخطة المحكمة التي تضمن لك تحقيق الهدف بأقل الخسائر الممكنة‏!‏


وليس يعنيني في ذلك بالدرجة الأولى ما يمثله هذا السعي من خيانة ولو بالفكر للزوج الحالي لأنه قد سبق له أن تآمر معك على هدم حياة إنسان آخر وسلبه زوجته وتحطيم استقرار أطفاله وأسرته الصغيرة‏,‏ وإنما يعنيني بالدرجة الأولى أن هذا السلوك إنما يعكس نفس الفكر ونفس الأخلاقيات التي دبرت بها مؤامرة حصولك على الطلاق من الزوج الأول والارتباط بالثاني‏.‏
وفي هذا المجال فلابد أن أقر لك بقصد السبق ودهاء التخطيط لإجبار زوجك على طلاقك على الرغم من خلو حياتكما معا من أسباب الشقاق والنزاع قبل تنفيذ هذه الخطة المحكمة‏,‏ فلقد عرفت كيف تستثيرينه بالفعل وكيف تستدرجينه إلى العنف معك وهو الذي لم يمد إليك يدا بسوء من قبل‏,‏ ثم عرفت كيف تضغطين عليه وتضيقين الحصار حوله بحيث لا يجد من خيار أمامه إلا طلاقك أو التعرض للإجراءات القانونية التي لم تتورعي في سبيل إحكام حلقتها حول عنقه عن الاستعانة عليها بتقرير مزيف أعده لك شريكك في المؤامرة‏,‏ فأي تدبير محكم‏,‏ وأي قهر لإرادة إنسان لم يرتكب في حياته جرما سوى أن تطلع كغيره للحياة الآمنة المستقرة مع زوجته وأطفاله‏ ,‏ ولم يقصر في بذل كل ما في وسعه لإسعادهم وتدبير مطالب الحياة لهم ؟‏ ..‏ وكيف سيكون تخطيطك المحكم للحصول على الطلاق من زوجك الثاني هذه المرة ؟ ‏,‏ أم ترى أن الأمر لا يستحق التخطيط له في هذه الحالة‏,‏ لأن طرفي المغامرة قد اكتشفا كل من ناحيته أن ما تطلع إليه وتوهم فيه السعادة وضحى من أجله باعتباراته‏ ..‏ لم يكن يستحق هذا العناء‏,‏ ولم يتكشف بعد قليل سوى عن الفتور والخيبة والفارق الذي لا مهرب منه بين دنيا الخيال الرومانسي والأحلام الجميلة الملونة‏,‏ ودنيا الواقع الجرداء‏.

 

أليس هذا هو ما حذر منه ساخرا الأديب الفرنسي بلزاك بعض العشاق من راغبي هدم أسرهم وتمزيق أطفالهم للارتباط بمن يرون فيهم حلم السعادة المفقود في حياتهم العائلية حين قال‏:‏ العشق أسهل ألف مرة من الزواج‏,‏ لأن العاشق ليس مطلوبا منه سوى أن يكون لطيفا من حين لآخر‏,‏ أما الزوجة أو الزوج فعلى كل منهما أن يكون لطيفا ليل نهار وهو ما لا يستطيعه أحد‏!‏
أوليس هذا هو ما تكشف لك بعد انقشاع سحاب المغامرة وتبدد سراب الوعود الملونة بحياة مغرية تحقق لك كل تطلعاتك المادية‏..‏ أولا يذكرنا ذلك بأنه حتى الكرم في العشق أسهل منه ألف مرة في الزواج‏,‏ لأنه كرم متقطع من حين لآخر‏,‏ كلطف العاشق ورقته وغزله وكلماته الشاعرية الجميلة التي لا يستطيع هذا العاشق نفسه أن يواصلها ليل نهار في الزواج ‏! .

 

 إنني أعترف لك يا سيدتي بأنني لست متعاطفا معك‏ ,‏ فإذا كان هناك من يستحق التعاطف معه في هذه القصة كلها فهم أطفالك الذين تخليت عنهم بأبخس ثمن‏,‏ وزوجك السابق‏ ,‏ وزوجة هذا العاشق الذي خاب أمله في مغامرة الحب والزواج‏,‏ وأولاده .‏.‏ وبعض أسباب عدم تعاطفي معك ترجع إلى عدم احترامي لدوافعك لما فعلت وعدم تبرئتي لها من شبهات التطلع المادي والأمل في الحياة السهلة اللذيذة على حساب سعادة أطفالك واستقرارهم‏,‏ إذ لو كان الحب القاهر وحده هو الذي دفعك للانفصال عن زوجك الأول والارتباط بالثاني‏,‏ فلربما تفهمت بعض أسبابك حتى ولو اختلفت معك حولها‏,‏ لأن زواجك بشريكك في مثل هذه الحالة يكون هو البديل المشروع للعلاقة غير المشروعة التي نشأت بينكما وأنت في عصمة زوجك الأول‏,‏ لكن الأمر ليس كذلك للأسف‏,‏ ولا هو مبرأ من شبهة المادية والأنانية والأثرة والتطلع لما يحقق للذات رغباتها على حساب سعادة أقرب الأقربين‏,‏ ولو أدى ذلك إلى إلحاق أكبر الضرر بهم‏.‏

 

وبعض الأنانيين المستسلمين نهائيا للأثرة وحب الذات لا يتورعون كما يقول لنا المفكر الانجليزي فرانسيس بيكون عن إحراق مدينة بأكملها لكي ينضجوا على نارها بيضة يشتهونها‏ ! ..‏ وهم كما يقول أيضا أكثر الناس خداعا للآخرين‏,‏ لأن مطالب أنانيتهم ورغبتهم في الفوز بها تدفعهم لملاطفة الآخرين واسترضائهم حتى ليخال الآخرون لطفهم ذاك من سلامة طويتهم وطيبتهم ويمنحوهم ثقتهم‏ ,‏ ومن هذه الثقة ينالون ما يسعون إليه ولو لم يكن عادلا ولا مشروعا‏ !!‏ ولأن الأمر كذلك فإني أقول لك إن مثلك لن يتعذر عليها تحقيق ما ترغبه ولن تعييها الحيل لنيله‏,‏ فأبلغي زوجك بما تريدين عن طريق أطفالك أو عن أي طريق آخر ‏..‏ أما أنا فلن أكتب له شيئا‏..‏ والسلام.

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1998

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات