رائحة الورد .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002

 رائحة الورد .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002

رائحة الورد .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002

إن الحب الذي تتمناه كل أم لابنتها لكي تستمتع بحياة عائلية سعيدة فلسوف يجئ في موعده حين يعرف فارسها المقدور لها في علم الغيب طريقه إليها وحين تجمعه أقداره بها عن طريق الصدفة المسجلة في اللوح المسطور ولسوف تنهل هي إن شاء الله بعمق من نبع الحب الصافي ولسوف تصدق عليها عبارة الروائية الفرنسية جورج صاند التي تقول‏: ‏ أي ينبوع متدفق من السعادة يملأ حياة الإنسان حين يطيع من يهواه‏..‏ فإذا أرادت المرأة أن تستمتع بشهر عسل لا ينتهي أبدا فإن عليها أن تحب زوجها حبا صادقا وقويا ومستمرا‏.‏

رائحة الورد وأنوف لا تشم‏..‏ قصة الراحل الأديب إحسان عبد القدوس‏..‏ قرأتها في فترة زمنية ماضية ولكنني أعيش فصولها الآن .

 وحتى لا أطيل عليك أقول لك إنني منذ ثلاثين عاما كنت ابنة وحيدة وسط ثلاثة أشقاء ذكور لأب وأم من الأسر المتوسطة المكافحة‏,‏ وتميزت بين جميع من حولي بالجمال والذكاء وخفة الروح‏,‏ ثم التحقت بإحدى كليات القمة في جامعة إقليمية بمحافظة مجاورة لمدينتنا وأقمت في المدينة الجامعية‏,‏ فاغتربت لذلك لأول مرة عن أهلي وأكسبني ذلك صلابة وقوة شخصية‏,‏ ثم تعرفت على زميل لي في الكلية يفوقني في المستوى الاجتماعي والمادي وإن كنت أسبقه في المستوى العلمي‏,‏ وتحاببنا وقدمته لوالدي الذي رفضه أولا لصغر سنه‏,‏ ثم وافق عليه مضطرا أمام إلحاحي عليه وتمسكي به‏,‏ وأيضا لسمعة أسرته الطيبة وأخلاقه الحميدة‏,‏ وتمت الخطبة ونحن طالبان‏..‏ وكان ذلك حافزا لنا لمواصلة الدراسة بكفاح وجدية‏,‏ حتى ارتفع مستواه التحصيلي وصرنا معا من أوائل الخريجين‏,‏ وتم تعيينا معيدين في نفس الكلية‏,‏ وواصلت مشوار الكفاح حتى وصلنا للأستاذية معا وأصبح لدينا ابنة شابة جميلة وولدان في مراحل التعليم المختلفة‏,‏ وقد ورثت ابنتي عني الجمال والذكاء وخفة الروح‏,‏ وازدادت عني أناقتها ورشاقتها وإجادتها لكل أعمال الكمبيوتر‏,‏ وقد اتبعت نفس طريقي‏,‏ وتم تعيينها معيدة في نفس الكلية التي نعمل بها‏.

 

 وبالرغم من أدبها وأخلاقها التي يشهد لها بها الجميع فإنه لم يتقدم لها أحد حتى الآن‏,‏ وقد بلغت السادسة والعشرين من عمرها‏..‏ ومازالت آنسة‏..‏ والكل يخشي أن يتقدم لها خشية الرفض‏,‏ نظرا لمستوانا الاجتماعي والمادي‏,‏ وبلدتنا التي نقيم بها صغيرة وهي أقرب إلى القرية منها إلي المدينة‏,‏ ومعظم شبابها بسطاء مكافحون‏..‏ مع أنني لا أضع شروطا مادية للشاب الذي أريده لابنتي‏,‏ ولكني فقط أطلب المستوي الثقافي والاجتماعي الذي تعيشه هي فيه‏..‏ فهل هذا كثير؟؟ وهل أنا مخطئة في ذلك؟


ماذا أفعل‏..‏ هل أعرضها للزواج واقلل من كبريائها وكرامتها عل أريق ماء وجهي‏,‏ أعرض هذه المشكلة علنا على أصدقائنا ومعارفنا‏..‏ إنني أرها هذه الأيام ذابلة منكسرة‏..‏ فقدت المرح المعهود فيها هي تري زميلاتها في الكلية يتزوجن الواحدة تلو الأخرى ..‏ لماذا لم تحظ ابنتي بالحب مثلي لقد كنت أود أن تلتقي بشاب يحبها ويغرم بها ويطلبها للزواج‏,‏ فالحب شئ جميل ولابد منه قبل الزواج‏,‏ وهو أكسير الحياة الذي يجعلنا نصبر على مصاعبها‏..‏ فمن أين آتي لها بالحب حتى تشعر أنها مرغوبة محبوبة‏,‏ وتحس بأنوثتها مثل زميلاتها‏..‏ إنني أتعذب من اجلها وأصلي ليل نهار ولا دعاء لي إلا أن يرزقها الله بشاب يغرم بها ويتقدم  لها طالبا ودها‏..‏ وماذا أفعل
في الأنوف التي لا تشم رائحة الورد هذه الفواحة؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

حتى الزهور الجميلة تحتاج لأن تكون ظاهرة للعيان لكي تكتشفها الأنوف الحساسة‏..‏ وتنجذب إلى رائحتها الفواحة‏.‏ لهذا فلا بأس أبدا يا سيدتي بأن يضع كل إنسان زهوره البديعة في شرفته لكي تنثر أريجها المعطر في المكان‏..‏ ولا بأس بأن تصطحب الأم ابنتها الشابة التي بلغت سن الزواج وترجو لها السعادة والأمان معها في زياراتها إلي بيوت الأهل والأصدقاء والمعارف في المناسبات المختلفة‏,‏ حيث توجد الأنوف المرشحة لتقدير مزاياها‏.‏ ولا لوم على الأم إن هي تطرقت في حديثها للأصدقاء والمعارف عرضا إلى رؤيتها الخاصة لزواج ابنتها‏,‏ وكيف أنها لا تضع الاعتبارات المادية في المقام الأول عند الاختيار‏,‏ وإنما ترجو لها فقط أن تسعد بالحب والوفاق والتفاهم مع من يتقارب معها في المستوي الثقافي والاجتماعي‏,‏ وليس ضروريا أن تتماثل ظروفه مع ظروفها‏,‏ لأن التقارب وحده يكفي في مثل هذه الحالة‏.‏ وليس في ذلك ما يسيء إلي الكرامة أو الكبرياء ولا ما يريق ماء الوجه كما تتصورين إذ انك لا تروجين لسلعة فاسدة تتحايلين علي التصرف فيها بأي طريق‏,‏ وإنما أنت فقط تتيحين للباحثين عمن تكون لها مثل مزايا ابنتك ومؤهلاتها فرصة العلم بوجود هذه الزهرة الجميلة في حديقتك الصغيرة‏.‏

أما الحب الذي ترجينه لابنتك لكي تستمتع به في حياتها  العائلية كما أتيح لك حظ التمتع به فلسوف يجئ في موعده حين يعرف فارسها المقدور لها في علم الغيب طريقه إليها بمثل هذه الوسائل المساعدة‏..‏ أو حين تجمعه أقداره بها عن طريق الصدفة المسجلة في اللوح المسطور ولسوف تنهل هي بعمق من نبع الحب الصافي كما نهلت أنت منه‏..‏ ولسوف تصدق عليها عبارة الروائية الفرنسية جورج صاند التي تقول‏:‏ أي ينبوع متدفق من السعادة يملأ حياة الإنسان حين يطيع من يهواه‏..‏ فإذا أرادت المرأة أن تستمتع بشهر عسل لا ينتهي أبدا فإن عليها أن تحب زوجها حبا صادقا وقويا ومستمرا‏.‏
وإن غدا لناظره قريب بإذن الله‏.‏
رابط رسالة الرد الجاف تعقيبا على هذه الرسالة

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات