الأبواب المغلقة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002
أنا فتاة في
السابعة والعشرين من عمري, نشأت بلا أب بالرغم من أنه على قيد الحياة, ويقيم
في نفس الحي الذي أقيم فيه.. فقد انفصل عن أمي عقب ولادتي لأنه لا يريد
إناثا.. فخرجت أمي من بيته بعد سبعة أيام من الولادة مريضة وأقامت مع جدتي ..
وبعد عام تم الطلاق بينهما.. وتزوج هو سريعا.. فشاءت إرادة الله له ألا ينجب
من زوجته الجديدة لا إناثا ولا ذكورا.. بينما تزوجت أمي بعد طلاقها منه من قريب
لها فرزقت بولدين, فأثار ذلك حفيظة أبي وراح يختلق المشكلات معها ومع جدتي عقب
كل ولادة لها.. وكل ذلك دون أن يراني أو يهتم بأمري أو ينفق علي مليما واحدا..
إلى أن وصلت في تعليمي إلى الصف الثالث الإعدادي, وفوجئت به يقيم دعوى قضائية
لضمي إليه.
وبغير الدخول في
تفاصيل محزنة كثيرة فقد رفضت الدعوى واستمررت في رعاية جدتي لأمي, وذلك بعد أن
ذهبت إلى المحكمة وقلت للقاضي إنني لا أعرف هذا الرجل الذي يطالب بضمي إليه ولم
أكن أعرف حتى تاريخ رفع الدعوى شكله إلا من صورة قديمة له رأيتها لدى خالي, كما
انه لم يتحمل مسئوليتي كابنة له ولم ينفق علي قرشا واحدا, ولو تم إجباري على
الانتقال إلى حضانته فسوف أخرج إلى الشارع وأسير فيه بلا هدف وأذهب إلى أي مكان
آخر, وتفهم القاضي موقفي.. وأصدر حكمه برفض دعوى الضم.
وخلال نظر هذه الدعوى ومن باب العناد فقد أقنع المحامي والدتي بإقامة دعوى ضده
لمطالبته بنفقتي خلال السنوات السابقة.. فأقامت الدعوى بالفعل وفوجئنا بقبولها
على غير المتوقع, وبالحكم فيها لصالحنا.. واستمرت الإجراءات القضائية طوال
المرحلتين الثانوية والجامعية من حياتي وهو يستأنف الحكم ويقدم الاستشكالات ويماطل
في الدفع ويتذلل للقاضي ويزعم له أنه فقير ومريض ولا يملك شيئا, ولا يدفع ما
يتراكم عليه من نقود كل مرة إلا بعد أن يهدده القاضي بالسجن.
وتخرجت في الجامعة.. وعملت عقب تخرجي مباشرة فسارع هو بالحصول على ما يفيد
التحاقي بالعمل وقدمه للمحكمة لكيلا أطالبه بأية نقود من جديد..
وبعد أن اطمأن إلى ذلك, بدأ يقول إنه نادم على ما حدث ومظلوم ويريد أن تنشأ
بيننا علاقة الأب بابنته.
وبالرغم من أنني كنت قد أغلقت قلبي دونه ولم أكن مستعدة أبدا لتصديقه فلقد أردت أن
أبرئ ذمتي أمام الله وتناقشت معه في هذا الأمر فلم استشعر حرصه الصادق علي..
وإنما رجحت أن تكون محاولة اقترابه مني راجعة إلى أسباب تتعلق بنظرة الناس إليه
كأب لا يعرف شيئا عن ابنته إلى جانب إحساسه بأنني سأضطر للاحتياج إليه في هذه
المرحلة من عمري .. وهي مرحلة الزواج.. وأكد هو نفسه لي هذا الظن حين قال لي
إنه ليس هناك شاب كريم يقبل بي دون أب, وإذا قبل بي الشاب هكذا فسيكون ذلك نقطة
ضعف لي أمامه.
وقد شاءت الظروف أن أخطب مرتين وتفشل الخطبة كل مرة لأسباب لا مجال لذكرها.
والمشكلة هي أنه وبعد كل ما جرى يريد أن يوجد في حياتي وأن أعامله كأب وأرسل إليه
من يريد خطبتي لكي يطلب يدي منه, فيقابله هو كوالد للعروس .. ويفحص ظروفه..
ويفكر في أمره طويلا.. ثم يتخذ قراره بعد استطلاع رأيي كما يفعل كل أب حنون مع
ابنته!, وأنا من ناحيتي لا أشعر تجاهه بإحساس الابنة تجاه أبيها ولا أريده أن
يشارك في زواجي, ولن أدعه يحضره ولو أدى الأمر إلى عدم زواجي نهائيا لأنني لا
أستطيع أن أسوي بينه وبين أمي في ذلك.. ولا أراه يستحق أن يمارس إحساس الأب
تجاهي في مثل هذا الموقف.. فلقد كنت في مرحلة التقاضي معه من أجل النفقة أكرهه
من أعماق قلبي.. ثم أقنعت نفسي بعد ذلك بأنه لا يستحق مني حتى مشاعر الكراهية
هذه, لأنها تؤثر بالسلب على قدرتي على التكيف مع حياتي. واعتبرته قدري وعلي أن
أقبل بمشكلته في حياتي, لكني من ناحية أخرى لا أطيق رؤيته, ولا أتحمل سماع
صوته ولا أتصور أن يجبرني شيء على الاقتراب منه والالتقاء به, وأتناساه حين يغيب
عني, ولكنه لا يدعني أنعم بحياتي وما أن أستريح منه لفترة حتى يظهر في الأفق من
جديد وهو يجيد الكلام المعسول, ويريد أن يأخذ وضعه كأب ولا يريد أن يتحمل
مسئوليتي المادية مع أني لا أريد منه شيئا.. وقد أبلغت بعض أهله الذين حدثوني عن
الميراث المتوقع منه أنني لا أقبل منه شيئا.
وأنا أخاف ربي كثيرا لكني على اقتناع تام بأنه لم يقدم لي أي أحساس بالأبوة,
وبالتالي فلا يحق له أن يحاسبني أو يحاسبني أحد على كراهيتي له, وكل ما أريده هو
أن أحيا حياتي بدونه, وكم تمنيت من قبل موته.. لكني لم أعد الآن أتمنى ذلك
له.. وإنما فقط لا أصدقه ولست على استعداد لتصديقه في المستقبل, فأرجو أن
تبلغه أنني لا أريده وأنه يحصد الآن ما زرعه من إهماله لي ولا مبالاته بأمري
وتخليه عن تحمل مسئوليتي, وأرجو أن يسامحني الله على ذلك.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
رابط رسالة ذخيرة الأيام تعقيبا على هذه الرسالة
رابط رسالة النار المتأججة تعقيبا على هذه الرسالة
رابط رسالة الليالي المظلمة تعقيبا على هذه الرسالة
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر