البيت الجميل .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

 البيت الجميل .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

البيت الجميل .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2000

لقد نهانا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه من أن نفرق بين الأم و أبنائها وقال ما معناه " من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة " .. لكن ماذا نقول في عناد بعض الآباء مع بعض الأمهات الذي لا يدفع ثمنه الفادح سوى الصغار الأبرياء ؟

عبد الوهاب مطاوع

بريد الجمعة

    

أكتب لحضرتك و أنا أبكي من عيني وقلبي ولا أعرف ماذا "أعمل" في مشكلتي وأنا بصراحة كنت لا أقرأ المشاكل التي تكتبها لكن وجدت ماما مرة تقرأها ، فكتبت لك يمكن بابا و ماما "يقروا" مشكلتي : فأنا عندي 10 سنوات وأخي عنده 12 سنة ونعيش وحدنا في شقة وضعنا فيها بابا لما أخذنا من ماما ، لأن بابا وماما "مطلقين" وبابا متجوز وعايش في شقة ثانية وماما عايشه مع والديها وبابا أحضر لنا مربيات كثيرات و"كلهم" "وحشين" وبابا "غيرهم" وآخر واحدة مشيت لأن بابا عرف أنها حرامية وسرقت حذاء لي وملابسنا ، والتي قبلها كانت بتحضر "رجال" إلى البيت وإحنا نايمين أو لما نروح المدرسة ، وأنا دلوقتي مع أن عمري 10 سنوات بعمل الأكل كل يوم في المساء عشان تاني يوم وكمان بغسل الغسيل على غسالة عادية والأطباق والحلل بعد كل وجبة وأخويا قليل لما يساعدني لأني بنت ، وتنظيف البيت كله عليه ، ولا أجد وقت للمذاكرة بعد أن كنت أيام ماما متفوقة ، وربنا يستر وننجح أخر السنة ، وبابا قليل لما يحضر وينام معنا في البيت ولا يريد أن نختلط بأحد ومنبه علينا ألا نقول لأحد من الجيران إننا نبيت لوحدنا وكمان ألا نقول لماما لدرجة أنني لما أكبر وأتجوز مش حاجيب أولاد يتعذبوا زينا ، وبابا محلفني أنا وأخي على المصحف أننا منكلمش ماما ولا يسمح لنا بأن نشوفها إلا مرة واحدة كل أسبوعين وأنا وأخي بنحب ماما جداً ونوفر من مصروفنا لكي نشتري كارت تليفون ونكلمها من الشارع واحنا راجعين من المدرسة وربنا يسامحنا .. وماما قعدت بعد طلاقها من بابا سنين مش راضية تتجوز لغاية من 3 سنين أتجوزت وسافرت ورجعت وأطلقت ، وطلبت أن نعيش معها لكن بابا رفض عشان يعذبها ، وبيقول إذا كانت عايزه تأخذنا فهو مش هيصرف علينا ولن يعطينا الشقة وإحنا ما نقدرش نعيش مع ماما في بيت والدها لأن خالي متجوز ويعيش مع والديه ، وأي مربية حتيجي لو وجدها بابا "حتسبنا لوحدنا" وتخرج ذي كل المربيات " ما عملوا " فلماذا لا نعيش مع ماما وهي نفسها تعيش معانا وتخدمنا ونحن كذلك ؟

وهل ممكن يا عمو تلاقي ماما راجل يتجوزها ويرضي نعيش معاه في شقته ويربينا ذي أولاده ويحبنا أكثر من بابا ، أننا نزور بابا في بيته " التاني" الجميل وبيقول لنا أنه لا يقدر يأخذنا نعيش معاه في بيته الجميل وإحنا ساعات بنحس أنا و أخويا أنه ما بيحبناش.

وماما بتقول عيب يبقي فيه محاكم بينها وبين بابا .

أنا كان نفسي أكون دكتورة و أخويا كان نفسه يكون "مهندس" لما نكبر وماما كانت بتشوف دروسنا و بتغسل لنا ملابسنا وتعمل لنا الأكل وكل حاجة وكنا شاطرين ويا ريت نرجع زي زمان.

وأنا كتبت لأني عندي مدّرسة في المدرسة بأحبها قوى لقيتني مرة بعيط في المدرسة لوحدي وصممت تعرف ليه وحكيت لها وقالت لي إنه كان عندها بنت وماتت وأنا زي بنتها وقالت أكتب لحضرتك لأنها بتقرأ لك زى ماما وممكن تساعدني وتلاقي لماما رجل متدين عنده بيت وليس عنده أولاد ويحب أننا نكون أولاده .. فهل ممكن تساعدنا في هذا .. أنا وأخويا هنشتري الأهرام كل جمعة لغاية ما ترد علينا لأننا عايزين حل بسرعة .. والسلام عليكم.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لو كان الأمر بيدي لحاسبت أباك حساب الملكين عن إصراره بغير رحمة على أن يمنع والدتكما من الحياة معكما في المسكن الذي تعيشان فيه وحيدين الآن إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً .. أو تتزوج أمكما ذات يوم من رجل غرس الله في قلبه الرحمة بالصغار ، فيقوم منكما مقام الأب الغائب عنكما لكن ماذا نقول في عناد بعض الآباء مع بعض الأمهات الذي لا يدفع ثمنه الفادح سوى الصغار الأبرياء ؟

وماذا نقول لمن يرضي لطفلته وابنه الصبي بأن يعيشا وحيدين تماماً في مسكن مستقل وفي استطاعته أن يأمن عليهما في رعاية أمهما مهما كان تاريخه السابق معها ، أليس ذلك أكرم وأرحم من أن يأتيهما بمربية تستقبل الرجال خلال نومهما أو غيبتهما  أو ليس ذلك أفضل و أرعي لهما من أن يأتيهما بآخري تدعهما لنفسيهما أكثر الوقت مع في ذلك من مخاطر تربوية عديدة عليهما؟

إن الشذوذ هو اللجوء إلي شيء بديل مع وجود الشيء الأصيل و"الشيء الأصيل" هنا هو الأم الطبيعية لكما التي ليست الآن في عصمة زوج ولاشيء يمنعها من رعايتكما والإقامة معكما ، فماذا بسعد أباك في أن يحرمهما منكما ويحرمكما منها ؟؟؟؟

لقد نهانا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه من أن نفرق بين الأم و أبنائها وقال ما معناه " من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ".

ولهذا فإني أدعو أباك لقراءة رسالتك الموجعة هذه .. وأن يتفكر في معاني كلماتها الساذجة المعبرة عن حيرة طفلة لا ذنب لها فيما ينكره أبوها على أمها ولا موقفه منها .

أما مطلبك الآخر في أن "أجد" لأمك رجلاً متديناً يتزوجها ويقبل بكما معها ويرعاكما كأبنائه الذين من صلبه .. فما أقسي أن يبحث الطفل الصغير عن بديل لأبيه الطبيعي .. وهو على قيد الحياة يحيا حياته في "بيت جميل" لكني أعدك بأن أبذل ما أملكه من جهد في هذا الشأن وأن أعرض علي والدتك ما قد أتلقاه لها من عروض ملائمة في هذا الشأن ، وأرجو منك أو من والدتك الاتصال ببريد الأهرام مساء الاثنين المقبل لإعطاء البيانات الكافية عنها لأن رسالتك خالية من هذه البيانات كما أنها خالية أيضاً من العنوان الذي يمكن الاتصال بكم فيه .. وشكرا.ً

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2000

شارك في إعداد النص / سالي ياسر

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات