السر الخطير ! .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

السر الخطير ! .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

  السر الخطير ! .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992


قرأت في ردك على رسالة "الباب المغلق" التي نشرت منذ أسابيع ، بضعة سطور كانت هي التي دفعتني لأن أكتب لك رسالتی هذه ، أما السطور فقد كانت تقول أنه ينبغي ألا يغلق الإنسان باب الأمل في إمكان إصلاح من يهمه أمرهم وألا يسرع بالتسليم باليأس منهم قبل أن يجاهد معهم جهاد الأبطال ويستنفد معهم كل الوسائل لتغييرهم للأفضل .. وأما قصتي فهي أني طبيب متزوج منذ ثلاث سنوات ، وعندي من فضل الله علي طفل وطفلة ، وأخرج من البيت في الثامنة صباحا وأظل أتنقل من عمل إلى عمل حتى منتصف الليل أو ما بعده ، جريا وراء لقمة العيش الحلال . وأنا ناجح في عملی و محبوب بين زملائي واجتماعی ، لكني أعود إلى بیتی مجهدا لأستريح وأسكن إلى زوجتي التي تشاركنی حیاتي ، فلا أجد منها سوى التكشيرة الأزلية بلا سبب واضح، أقول لها السلام عليكم فلا ترد التحية ، وأكررها ولا تجيب ، وأسألها عن سبب التكشيرة الكبيرة فلا تجيبني ويستمر حالنا هكذا خمسة أيام أو أكثر ثم تتنازل وتتكلم معي وتبوح لي بالسر الخطير وراء تكشيرتها لمدة 5 أيام كاملة .. فإذا به أشياء تافهة لا يتوقف عندها أحد سواها كالعادة .

لقد تزوجتها بدون اقتناع ومنذ الأيام الأولى بدأت بيننا المشاجرات وشكوت لأملها وإخوتها وعقدنا جلسات عديدة للصلح ، ونتصالح فلا تمر أيام حتى يعود النكد من جديد ، وكل ما أطلبه تخالفه ولا تستجيب له في كل شيء وفي كل مجال. طلبت منها ألا تخرج من البيت بغير إذنی ، لكنها تخرج ولا تبالي باستئذانی فتحدث المشاجرات وتقسو علي بالكلام الجارح حتى جاء يوم تهورت فيه علي وصفعتني على وجهي، ولم أتخذ موقفا أملا في الإصلاح ، فتمردت وزادت في الاستهزاء بی ، والنتيجة هي أني دائما غير مستريح في حياتي ورأسي يدور باستمرار ، وقد توسلت إليها أن تعفي نفسها وتعفيني من هذا النكد المستمر ، دون جدوى وقلت لها إنني أفحص المرضى وأريد شيئا من راحة البال حتى لا أخطىء في عملي ، بلا فائدة ، ومنذ أيام وجدت زوجتي لا تكلمني فجأة بلا سبب ، ودخلت إلى البيت وحينها فلم ترد التحية كالمعتاد ، وفي اليوم التالي خرجت إلى عمل وعدت في المساء فلم أجدها في البيت ، ولم أجد الطفلين ، وعرفت أنها ذهبت إلى بيت والدتها غاضبة كالعادة .


ولكاتب هذه الرسالة أقول :

رأيي یا صديقي أنه كان ينبغي عليك أن تتخذ موقفا حاسما حين تطاولت عليك زوجتك وصفعتك ، لأن التخاذل في مثل هذه الأمور لا يندرج تحت مفهوم التمسك بالأمل في إصلاح من يهمنا أمرهم ، وإنما يندرج تحت مفهوم التفريط فيما ينبغي أن يكون للزوج والأب من كرامة وولاية على أسرته .

وأيا كان الخلاف بين الزوجين فإنه ينبغي أن يجری دائما في إطار الاحترام للكرامة الإنسانية لكلا الطرفين ، وبما لا يترك جروحا غائرة في النفوس قد لا يضمدها الاعتذار ولا تشفيها العشرة . ولقد مضى ما مضى ودفعت أنت الثمن من صحتك وراحة بالك ، ومغالاة زوجتك في الاستهتار بك وعدم حرصها عليك . لهذا فإني أوافقك في أنك لست مطالبا بالمسارعة إليها واسترضائها ، بل إني لا أنصحك بذلك لأن من لا تحرص على الحياة لا ينبغي أن توهب لها الحياة ، ولأن المحافظة على الحياة الزوجية مسئولية مشتركة للزوجين وليست مسئولية طرف واحد على حساب کرامته وحقوقه .. فدعها لنفسها هذه المرة بعض الوقت .. وضعها أمام مسئوليتها عن سعادة هذين الطفلين اللذين تقامر هي بسعادتهما ومصلحتهما لأسباب مزاجية غير مفهومة ، ولا تظهر أي لهفة على استعادتها لبيتك لأن البعض منا يتمادى في التبطر كلما توهم أنه لا غنى عنه للطرف الآخر ، وهذا هو سر ما تقوله من أنها تبيعك دائما في نفس الوقت الذي تحاول أنت فيه إرضاءها ، وتحمل ظروفك برجولة .. وأداء واجبك تجاه طفليك من الناحية المادية والنفسية ، واطلب أن تراهما من حين إلى آخر أو زرهما بغير أن تفاتح زوجتك في العودة أو الصلح . فإذا تدخل الأهل لإعادة المياه إلى مجاريها بينكما ، ضع أنت شروطك للعودة وأولها أن تحترمك زوجتك ليس فقط أمام أي إنسان بل وأمام نفسك أنت قبل كل البشر .. وألا تخرج من بيتها بغير إذنك ولو كان هذا الاذن ضمنيا .. وأن تتقبل حياتها .. وترضي بها هو متاح لها فيها .. وأن تشجعك على كفاحك لإسعادها وتقدره لك ، وألا تهجر بيتها لأي سبب من الأسباب .. وأن تخاصمك إذا كان لابد من الخصام في بعض الأحيان في بيتك وليس بهجره ، وأن تغير من نفسها ومن مزاجها الامتعاضى المتسخط الذي يكسو وجهها بالعبوس معظم أيام السنة ، كأنها ترى نفسها "ملكة" وضعت خطا في غير مكانها الصحيح ، وهذا للأسف حال بعض الزوجات وبعض الأزواج أيضا الذين يظلون غارقين في هذا الوهم إلى أن تهوى على رؤوسهم مطارق الحياة وتذكرهم بأنهم بشر عاديون لا يميزهم عن غيرهم شيء إن لم يقلوا عنهم ، وبأن الحياة قد سخت عليهم بما لم تمنحه لبعض من هم أفضل منهم ويتلهفون على بعض ما ناله المتسخطون .

فافعل ذلك يا صديقي فإن لم تقبل زوجتك فلا بأس بأن تجرب هي لفترة من العمر مرارة الحياة كمطلقة ذات طفلين ، لتعرف بالتجربة أن أسوأ ما كانت تتسخط عليه أفضل كثيرا من أكبر ممیزات حياتها الجديدة، كحال البعض منا الذين لا يقتنعون أبدا بخطر الشرارة التي تقترب منهم إلا بعد أن تحرق جلدهم .. فيتنبهون إلى ضرورة الابتعاد عن طريقها أو إطفائها ، وهذه هي بلادة الحس وسوء التقدير وقمة الغباء البشري .

لقد كان الجنيد إمام الصوفية الكبير يقول إن الزوجة "قوت وسبب لطهارة القلب" .. لكنه إذا كف شريك الحياة عن أن يكون سببا لطهارة القلب وتحول إلى "أسباب" للشقاء والأمراض والانكسار النفسي ، فإن

من واجب الإنسان أن يسعى لإصلاحه قدر الجهد ، وألا ييأس من ذلك .. فإذا تيقن من عدم جدوى المحاولة بعد طول جهاد .. فليدع للأيام أن تتم ما بدأه وتلقن دروسها القاسية للغافلين ، وهذا ما أنصحك به إذا فشلت في النهاية كل محاولاتك للإصلاح .. وإذا لم تكن فترة الهجر هذه كافية لمراجعة النفس والبدء صفحة جديدة في حياتك مع نصيحتي الأخيرة لك بأن تتجنب أنت بقدر الإمكان أسباب الشقاق وبألا يكون لزواجك منها عن غير اقتناع ، كما تقول في رسالتك أثر في تعقيد العلاقة بينكما وشكرا ..

 رابط رسالة الباب المغلق

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" نوفمبرعام 1992

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات