المعادلة الصحيحة .. "تأملات حول رسالة الضوء المبهر " .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000

 المعادلة الصحيحة .. "تأملات حول رسالة الضوء المبهر " .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000

المعادلة الصحيحة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2000

إن النفس المطمئنة كثيرا ما تحتمي منه بحسن الظن بالله سبحانه وتعالى والثقة في حسن اختياره لمن يخلص الإيمان به وبالتسليم بما هدانا إليه رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه من أن كل أمر المؤمن خير.

عبد الوهاب مطاوع

تأثرت برسالة الزوجة الشابة في البريد تحت عنوان الضوء المبهر.. فلقد وجدت تطابقا كثيرا بيني وبينها في المعاني والخواطر عندما أواجه أي مشكلة .. والتي واجهت الكثير والصعب منها .. وكلها مرت وكانت عاقبتها خيرا دائما والحمد لله .. وذلك ببركة الرضا والتسليم لله كما فعلت ابنتي العزيزة.

 فقط هناك نقطة وحيدة أردت التعقيب عليها .. مع اتفاقي معها في كل خواطرها وتأملاتها .. وهي قولها إنه حينما تتم النعمة على أحد .. فإن الإنسان ( كما قالت ابنتي ) يجب أن ينتظر ما سيأخذه الله منه حتى تتزن المعادلة ! مع أن المعادلة كما وصفها الله لنا في كتابه الكريم "لئن شكرتم لأزيدنكم" .. فإن أدى الإنسان شكر نعمته التي أنعمها الله عليه واستغلها في طاعته, ولم يستغلها في الإساءة إلى عباده فإن الله تعالي سيزيده من النعم .. وهذا وعد من يقدر علي الوفاء.

 فابنتي هذه التي كانت طوال عمرها تحسن الظن بالله ووثيقة الصلة به سبحانه, وشكرت الله علي نعمة جمال شعرها بأن ارتدت الحجاب فازدادت جمالا .. وشكرته على نعمة الزوج الكريم فأحسنت معاملته, فزادها الله طفلين جميلين .. وشكرت الله بالجزء الثابت من مالها للمعهد الذي يعالج البسطاء من هذا المرض فزادها الله الشقة والسيارة والصيدلية .. فهل من الأدب مع خالقنا وواهبنا أن نتوجس مما سيأخذ منا .. أم ننتظر المزيد من العطاء؟

 

 لقد زادها الله نورا وإيمانا غمر قلبها, وأزال عنها الخوف وزادها الأمان والاطمئنان حين عرفت إصابتها بالمرض .. كما زادها حب زوجها والمال اللازم لعلاجها .. كما زادها صادق الود والاهتمام من أصدقائها .. كما زادها سبحانه الاطمئنان على ولديها الصغيرين .. مع العلم أن كل هذه الزيادات تنقص الكثيرين من الأصحاء أو المصابين بأبسط الأمراض, ولا يمكن أن يحصلوا عليها ولو أنفقوا الملايين .. فهل بعد كل هذه الزيادات يمكن أن نقول إن الله قد أخذ لكى تستكمل فاتورة الحساب؟ أم نقول إن الله قد ابتلانا بالمحنة ولطف فيها لكي يرى منا بعد المحنة الصبر والثبات ويثبتنا عليهما كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن.. إن أمره كله خير. إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. 

أما عن الخوف الذي يصيب الإنسان, سواء الخوف الغامض عند ابنتي كاتبة الرسالة أو الخوف الذي يصيب أي إنسان عندما تحصل له نعمة ويخاف عليها فعلا.. فعلاجها كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فلا يرى فيه آفة دون الموت. 

وهكذا يتخلص الإنسان من الخوف علي أي نعمة إذا قال هذا الدعاء.. لأنه إخبار ممن لا ينطق عن الهوى. وأيضا.. قول نبينا صلى الله عليه وسلم: من قال: اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر. فأتم علي نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة ثلاث مرات إذا أصبح وإذا أمسي كان حقا علي الله أن يتم عليه نعمته.

 وهكذا فإن الله قد أخبرنا علي لسان نبينا العلاج للخوف الفطري علي النعمة التي ينعمها الله علينا. وبعد فإنني أدعو لابنتي هذه أن يتم الله نعمته عليها ويمتعها بسمعها وبصرها وقوتها, وأن يتولي أولادها بكل خير.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لا خلاف على ما تقولين يا سيدتي, لكن النفس البشرية في هواجسها بشأن المستقبل وخوفها الغامض الأبدي من المجهول قد لا تخضع أحيانا لهذا المنطق الإيماني الحكيم. والربط بين اكتمال البدر وترقب بداية نقصانه .. هاجس قديم من هواجس النفس الإنسانية عبر عنه الشاعر العربي القديم حين قال: ترقب زوالا إذا قيل تم! غير أن النفس المطمئنة كثيرا ما تحتمي منه بحسن الظن بالله سبحانه وتعالى والثقة في حسن اختياره لمن يخلص الإيمان به وبالتسليم بما هدانا إليه رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه من أن كل أمر المؤمن خير. وفي النهاية فلا عاصم للمرء من هواجسه وخوفه الغامض من المجهول حتى وهو ينعم بكل شيء سوى الإيمان بالله سبحانه وتعالي وملائكته وكتبه ورسله وقضائه وقدره خيره وشره, وسوى الابتهال الدائم إلي الله جل شأنه أن تترفق بنا رحمته فلا يختبرنا بما لا طاقة لنا به ولا صبر لنا عليه وسوي التعلق بالأمل في ألا نكون ممن قال عنهم الحق سبحانه وتعالي في كتابه الحكيم: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن  .. صدق الله العظيم. ولعلك لاحظت في هذه الآية الكريمة أنها قد ساوت بين النعم ونقصان الرزق أو المحن بمعنى أشمل, في وصفها كلها بالابتلاء فهي كلها ابتلاء بالفعل وقد يبتلي الله المرء بالنعم ليرى كيف يشكره عليها وقد يبتليه بالمحن ليرى كيف يصبر عليها.. وشكرا لك علي رسالتك الجميلة.

 رابط رسالة الضوء المبهر

نشرت عام 2000 في باب بريد الجمعة بجريدة الأهرام

نقلها من مصدرها / محمد يسري
راجعها وأعدها للنشر/ نيفين علي



Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات