
النفس الممرورة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1999
من أسف أنه ليس بين الكائنات الحية كلها كائن يبرع أحيانا في خذلان من يتوقعون منه المساندة والتأييد في الأوقات العصيبة من حياتهم أكثر من الإنسان نفسه وعلى خلاف كثير من فصائل الحيوان والطيور التي لا تعرف مثل هذه القدرة على خذلان
الشريك والتخلي عنه في حين يحتاج للحماية والدفاع عنه.
عبد الوهاب مطاوع
بريد الجمعة
أنا سيدة
في الثلاثين من عمري أقرأ بريد الجمعة منذ كنت في سن الخامسة عشرة ودفعتني رسالة الضوء المبهر للزوجة الشابة التي امتحنت بالمرض اللعين في ثديها وبرئت منه بعد
إجراء الاستئصال والعلاج الكيماوي وكتبت إليك تعدد نعم الله عليها لأن أروي لك
قصتي, فلقد نشأت في أسرة صغيرة متفاهمة وكنت الابنة الصغرى وأتمتع بالجمال
والجاذبية والطموح وحب الدعابة وتربطني بشقيقتي التي تكبرني علاقة حميمة.. وبأمي
التي لا أستطيع مهما فعلت أن أوفيها حقها وبأبي علاقة مماثلة.. وكنت أنا وشقيقتي
من المتفوقين دراسيا وتعلمنا في المدارس الحكومية وكافحنا حتى حصلنا علي الثانوية
العامة بمجموع كبير والتحقت شقيقتي بكلية عملية مرموقة وتخرجت فيها وعملت معيدة
بها, والتحقت أنا بكلية قمة أخرى للغات وتخرجت فيها وعملت في المجال الذي أحبه
وهو الإرشاد السياحي واستقللت ماديا عن أبي الذي يكفيه ما تحمله من عناء وما بذله
من عطاء لنا من أجل تعليمنا, وبدأت أحاول تعويضه هو وأمي عن حرمانهما السابق من
أجلنا وبدأت أشتري كل ما أتمناه لأبي وأمي ونفسي, وأسعد بدعائهما لي وأعتبره
ستري في الدنيا الذي احتمي به ضد غدر الأيام, ثم تعرفت ذات يوم على شاب جامعي
يعمل معي في نفس الشركة, اجتذبني إليه بدماثة خلقه وحلو كلامه وحيائه الظاهر
فانشغل به فكري ووجدتني أفكر فيه ليل نهار بالرغم من عقلانيتي المعتادة وعدم ثقتي الكبيرة في العاطفة, واندفعت
مشاعري نحوه إلى أن صارحني برغبته في التقدم لخطبتي فسعدت بذلك كثيرا ورتبت له
موعدا مع أبي .. فلم يسعد به أبي نفس سعادتي وكذلك أمي بسبب ضعف إمكاناته وعدم
استعداده المادي للزواج, لكني قاتلت بضراوة لإقناعهما إلى أن رضيا به على مضض
وبدأنا نستعد للزواج وكان شرط أبي الأساسي للموافقة هو الشقة ولم يكن مع خطيبي سوى
مبلغ محدود, فساندته سرا بمبلغ ادخرته من أجري الكبير كمرشدة وتمكن من شراء شقة
مناسبة وتولت أسرتي تأثيثها بالكامل, وحرصت خلال فترة الخطبة على زيارة والدة
خطيبي وشقيقاته ولاحظت خلال ذلك سطوة والدته عليه وهي التي تولت تربيته بعد وفاة
أبيه, وتوقفت قليلا أمام انصياعه الكامل لكل ما تقرره هي بشأن حياتنا وترتيبات
زواجنا لكني تجاوزت ذلك سريعا واعتبرته برا من الابن بالأم وأملت خيرا فيمن يعرف
لأمه فضلها ويحفظه لها.
ومضت فترة
الخطبة بلحظات السعادة والعناء فيها.. وكانت لحظات العناء كلها بسبب تدخل الأم
في كل صغيرة وكبيرة من شئون زواجنا وتسليم الابن المطلق لها بكل ما تريد.
وتزوجنا في النهاية وسعدنا
بحياتنا ووجدت في زوجي شابا طيبا حنونا متدينا ويحبني بشدة, ولم آخذ عليه سوى
تعلقه الزائد عن الحد بأمه وعدم إخفائه عنها أي شأن من شئون حياتنا الخاصة مهما
كان شخصيا ومحرجا مما أدى إلى إحساسي بالحرج تجاهها في بعض المواقف, خاصة حين
كانت تعنفني على انشغالي بعملي المرهق عن زوجي في بعض الأحيان.. أو تنبهني إلى
حقوق زوجي الشرعية علي, وبعد عام من زواجنا رزقنا بطفلنا الوحيد فأصبح قرة عيني
وشاغلي الأعظم في الحياة, وأملت أن يقرب الطفل الوليد بيني وبين زوجي أكثر,
لكنه رجع للشكوى مني إلى والدته مرة أخرى بدعوى انشغالي عنه, ورحت أنا ابذل جهدا
مضاعفا للتوفيق بين عملي وطفلي وزوجي.
وبعد فترة قصيرة من بلوغ
طفلي عامه الأول بدأت أشعر بآلام شديدة في صدري.. فتجاهلتها في البداية بسبب
كرهي للمستشفيات من أثر تجربة عائلية سابقة
في حياتي, وأملت أن يزول الألم تلقائيا لكنه تزايد حتى لم أعد أستطيع تحمله وأصر
أبي وأمي على فحصي طبيا, وفي عيادة الطبيب كان القرار بإدخالي للمستشفي على
الفور لإجراء جراحة عاجلة لاستئصال الثدي, ورجعت إلى زوجي وأبلغته بالقرار فبكي
بحرقة, وأفقت من المخدر بعد الجراحة فوجدت أحبائي حولي وهم أبي وأمي وزوجي وكل
الأهل.
وبعد
الجراحة بدأت مرحلة العلاج الكيماوي العصيبة التي أصابتني بأضرار كبيرة كان أكثرها
إيلاما لي أنني وجدت زوجي بعد فترة يبتعد عني تدريجيا ويفتعل معي الخلافات
والمشكلات فشعرت بأن وراء هذا التغير من جانبه شيئا ما لا أعرفه وتوجست منه..
وأدى ذلك إلى تدهور حالتي النفسية حتى أصابني اكتئاب شديد وأشفقت علي أمي مما
أعانيه فأصرت على أن أرجع معها إلى بيت الأسرة لقضاء بعض الوقت من باب التغيير
ورجعت معها ومعي طفلي.. ولاحظت بأسى أن اتصالات زوجي بي وأنا في بيت أسرتي
تتباعد وزياراته النادرة لي فيه قصيرة.. ودائما ما يكون وراءه ما يدفعه للاعتذار
عن عدم البقاء معي لأن لديه واجبا آخر سوف يؤديه.. وتجددت الهواجس والشكوك في
نفسي من جديد لكني تمسكت بالأمل في الخير والحب والروابط الإنسانية للنهاية, إلى
أن جاء يوم وزارني زوجي في بيت الأسرة وطلب أن ينفرد بي وحدي ثم صارحني بأن أمه
تريده أن يتزوج من إحدى قريباته بعد أن أصبحت أنا كما قالت له عاجزة عن خدمته
وتلبية احتياجاته أو الإقامة معه كزوجة ولهذا فهو إشفاقا علي من كل ذلك سوف يتزوج
من أخرى لأنه لا يستطيع كما يقول إلا إطاعة والدته, ومقابل ذلك فسوف يعطيني كل
حقوقي ويترك لي طفلي إلى أن يبلغ سن الحضانة!
وسمعت ذلك فانفجرت ينابيع الدمع كالمطر من عيني,
وانصرف وأنا أبكي بلا توقف ولا انقطاع وازدادت حالتي النفسية سوءا حين سمعت في الأيام
التالية ما تدافع به والدته عن هذا القرار وكيف أنني لا أستطيع أن أقوم بواجباتي
الزوجية وأنه ليس من العدل أن يدفن ابنها نفسه مع فتاة مريضة مثلي, وهناك قريبته الجميلة الغنية التي
تنتظره وترحب به من البداية.. الخ.
وسلمت أمري إلى الله, وشكوت إليه ضعفي ومرضي
وهواني على زوجي ووالدته, وازدادت حالتي النفسية سوءا حين سمعت أنه قد خطب
بالفعل قريبته, وبكيت طويلا وطلبت من أبي أن يقابله ويطلب منه أن يطلقني ويدعني
لمصيري مادامت عشرتي قد هانت عليه إلى هذا الحد, ووافق زوجي على الطلاق بسهولة
زادت من أحزاني وأعاد إلي أثاثي ومتعلقاتي وترك لي طفلي, وتجهمت الحياة في نظري..
فلقد أصبحت شابة مريضة مطلقة وأما لطفل قدر عليه إلا ينشأ بين أبويه, وعاجزة عن
ممارسة العمل الذي أحببته بسبب العلاج القاسي الذي أخضع له واستسلمت للحزن
والاكتئاب طويلا حتى حذر الطبيب أهلي من الأثر السلبي لحالتي النفسية على العلاج
ونصح بإخراجي من هذا الجو الكئيب بأي طريقة ولو تطلب الأمر إبعادي عن المدينة كلها..
وسعت شقيقتي الحبيبة إلى
إرسالي إلى دولة أوروبية تقيم فيها شقيقة زوجها التي يمكن أن تساعدني على تلقي
العلاج في مركز متخصص هناك.
وتم تدبير كل شيء وسافرت مع أمي وطفلي إلى
هذا البلد.. وتلقتنا شقيقة زوج شقيقتي بالترحيب وتسهيل أمورنا, وتعاطف
معنا كل من قابلناه من المصريين هناك وتطوعوا لخدمتنا, وبدأت أتردد على مستشفى
كبير لتلقي العلاج الكيماوي وواظبت على الصلاة والاستسلام للراحة والدعاء إلى ربي
أن يحمي طفلي من قسوة الأيام, وبدأت صحتي تتحسن شيئا فشيئا.. وبدأ العلاج الذي
لم يحقق نتائجه المرجوة في مصر بسبب سوء الحالة النفسية, يؤتي أثره وأنا في هذا
البلد البعيد, خاصة بعد أن غالبت نفسي طويلا حتى توقفت عن التفكير في زوجي
السابق وموقفه مني وموقف والدته.
وبعد عام ونصف العام من العلاج أكد لنا الأطباء أن
المرض قد تم القضاء عليه نهائيا والحمد لله وأن بإمكاني العودة للحياة والعمل
وممارسة حياتي كأي شابة في مثل سني .. وشكرت الله سبحانه وتعالى كثيرا وقبلت
طفلي الذي كان قد بلغ عمره ثلاث سنوات ونصف السنة, ورجعنا إلى مصر مستبشرين, ورجعت إلى عملي
الذي انقطعت عنه رغما عن إرادتي أكثر من عامين, واستقبلني زملائي وزميلاتي
بالفرحة الكبيرة وعبارات التهاني والترحيب وتوزيع الشربات والضحكات العالية حتى
دمعت عيناي من التأثر والعرفان.. ورجعت للخروج مع الأفواج السياحية من جديد
وخلال فترة قصيرة كنت قد جمعت بعض المدخرات من عائد عملي, وخشيت إذا واصلت العمل
في شركتي أن تجمع المصادفات بيني وبين زوجي السابق ذات يوم فتتجدد الجراح,
واستأذنت رؤسائي في الانتقال إلى شركة أخرى وتفهموا أسبابي وأكدوا لي أن باب العمل
معهم مفتوح لي في أي وقت, وانتقلت إلى شركة جديدة.. ودفعت مقدم شقة خاصة بي
بالرغم من إلحاح أبي وأمي علي في البقاء معهما إلى ما لا نهاية.
وذات مساء كنت عائدة من
عملي إلى البيت فوجدت شخصا ينتظرني أمامه لم أتعرف عليه جيدا في البداية بسبب
الظلام.. ثم تبينت فيه زوجي السابق فحاولت تجاهله والمضي في طريقي لكنه رجاني
بإلحاح أن استمع إليه لعدة دقائق فقط, وقال لي أنه تعيس إلى أقصى حد مع قريبته
التي تزوجها بعدي لسوء معاملتها له ولوالدته وتعاليها على أسرته بسبب ارتفاع مستوى
أهلها المادي, وامتناعها عن زيارة والدته.. إلخ, وفي نهاية حديثه طلب مني
العودة إليه لكي ينشأ ابننا بيننا وترك لي مهلة لأفكر في الأمر طويلا وأرد عليه,
وانصرف وتابعته بنظري وأنا أتعجب لهيئته التي تغيرت كثيرا.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من أجمل ما قرأت في السنوات
الأخيرة هذه الكلمات المعبرة التي سطرها الناقد الأدبي الكبير الدكتور شكري عياد ـ
رحمه الله ـ في سيرته الذاتية. فلقد قال: ما وقع علي ظلم من أحد ذات يوم
وتأملت حال من ظلمني إلا ووجدته أحق بالشفقة مني, فيدفعني ذلك لأن أجاهد وأنا
اسعي لدفع الظلم عني لكيلا أبلغ في مسعاي حد الانتقام منه وكما تعلمت من ذلك ألا
أسكت علي ظلم ينالني وأن أشفق في نفس الوقت عن من يظلمني!
والحق أنه لا أحد يا سيدتي
يستطيع أن يلومك أو يعتب علية تحول نفسك عن زوجك السابق ورفضك العودة إليه أو
الصفح لأول وهلة عما فعل بك خلال محنتك المؤلمة مع المرض. فمرارة الخذلان ممن
يتوقع المرء منهم العطف والتأييد والمساندة عميقة, والنفس البشرية لا تستطيع
التجاوز عنها سريعا وبغير أن يكفر عنه مرتكبه طويلا ويجاهد لكي يمحو أثره من نفس
ضحيته, ولا عجب في ذلك وطعنة الأهل تدمي كما يقول الشاعر, كما أن توقيت هذه
الطعنة كذلك مما يؤخذ في الاعتبار عند الصفح عنها وتجاوزها . فالإنسان في ضعفه
ومرضه يكون أشد احتياجا إلى وقوف من يحبهم إلى جواره, منه وهو في أوقات صفاء
سماء حياته م السحب
والغيوم .. وحين تمتحنه أقداره باختباراتها القاسية فان حاجته النفسية والعضوية
تزداد وتتضاعف لأن يشعره من يحب بأن محنته لم تنل من قدره لديه وحبه له وحقه عليه وإنما
قد زادته تمسكا به وحنوا عليه واعتزازا بوجوده في حياته.
وجوهر المرء الأصيل إنما
يعرف في أوقات الشدائد والمحن وليس في أوقات الرخاء والصفاء, والشاعر العربي
يقول:
جزى الله الشدائد كل خير ..
عرفت بها عدوي من صديقي
ومن أسف أنه ليس بين
الكائنات الحية كلها كائن يبرع أحيانا في خذلان من يتوقعون منه المساندة والتأييد
في الأوقات العصيبة من حياتهم أكثر من الإنسان نفسه وعلى خلاف كثير من فصائل
الحيوان والطيور التي لا تعرف مثل هذه القدرة على خذلان الشريك والتخلي عنه في حين
يحتاج للحماية والدفاع عنه, فلا عجب إذن في أن تستشعري كل هذه المرارة تجاه زوجك
الذي تخلي عنك ولم يصبر عليك وعلي نفسه إلي أن يكتب الله سبحانه وتعالي لك الشفاء.
لكن فهم كل شيء قد يؤدي إلى
الصفح أحيانا عن كل شيء, من ناحية أخرى, كما قالت لنا ذات يوم الأديبة
الفرنسية مدام دي ستايل
ولقد شعرت من خلال رسالتك
ان محنتك المرضية القاسية لم تكن كل أسباب تخاذل زوجك السابق معك وتخليه عنك في
أصعب أوقات الحياة بالنسبة إليك, وإنما ربما تكون قد أسهمت بالقدر الأكبر في
تشكيل موقفه المؤلم هذا منك. مع تأكيدي في البداية ان هذه الحقيقة لا تخفف من
بشاعة موقفه ولا تلتمس له أي عذر. فلقد كانت حياتكما المشتركة قبل المرض تعاني
من بعض المشكلات الجوهرية كشكوي زوجك السابق من انشغالك عنه بعملك المرهق الذي يقتضي
منك السفر مع الأفواج السياحية للمناطق الأثرية في رحلات دورية قد تستغرق أسبوعا
وربما أكثر, وكشكواه لأمه مما اعتبره تقصيرا من جانبك في الوفاء له باحتياجاته
الشخصية, وكمعاناتك في التوفيق بين عملك وطفلك وزوجك, فضلا عن تدخل والدته في أدق شئون
حياتكما الخاصة, وعدم حماسها لك كزوجة لابنها من الأصل كما توحي بذلك إشارتها
الي قريبتها الغنية التي ترحب بابنها منذ البداية أي من قبل زواجك منه, وتشجيعها
لابنها علي التخلي عنك والارتباط بقريبته بمبرر عجزك بعد المرض عن خدمة زوجك
وتلبية احتياجاته.
وكل هذه العوامل لم تكن في صالح حياتكما الزوجية
ودوافع صمودها في وجه العقبات والمحن.
ولهذا فلست أعول كثيرا على
النقطة التي ركزت عليها كثيرا في حديثك عن شخصية زوجك واعتبرتها السبب الأساسي في
موقفه منك, أقصد بذلك خضوعه المطلق لإرادة والدته واستجابته التامة لكل ما تقرره
بشأن حياته الخاصة وزعمه لك أنه لا يملك إلا طاعتها ولو تطلب ذلك منه طلاق زوجته
وأم طفله الوليد وزواجه من أخري!
فالحق أنه لو كان حبه لك
قويا وصادقا وحقيقيا من البداية لما نجح أحد في التأثير عليه لكي يطلقك ويتزوج من
أخرى, وأنه لو كان شديد التمسك بك في محنتك ـ ولو من باب الوفاء الإنساني لشريكة
الحياة التي اعتصرتها محنة المرض أو حتى من باب التجمل والترفع عن القبول لنفسه
بموقف من يخذل شريكته وهي في أشد الحاجة إلي مساندته العاطفية لها ـ لما استجاب
لرغبة والدته في الانفصال عنك والارتباط بغيرك مهما كان تأثيرها عليه, بدليل
سعيه الآن بعد ان شقي بحياته الجديدة مع قريبته إلى استعادتك, ولو كان مغلوبا
على أمره مع والدته كما يزعم لك لما فكر في استعادتك والتخلي عمن اختارتها له أمه.
فلقد طلقك بإرادته هو وليس بإرادة غيره حتى ولو كانت والدته قد زينت له ذلك وأغرته
به ويرغب الآن في استعادتك بإرادته هو أيضا وليس بإرادة والده حتي ولو كانت أمه قد
لمست الفارق بين معاملتك المتأدبة لها ووقوفك صامتة بين يديها وأنت تستمعين إلي
تقريعها لك صاغرة وبين عجرفة الأخرى وتكبرها عليها وعلى ابنها وقطيعتها لها.
لكن الأمر على أية حال لا
يجوز التعامل معه بهذه البساطة, فلكل إنسان كرامته الإنسانية في النهاية, وللنفس
حالات قد تعجز معها ولو لبعض الوقت عن أن تتخلص من مراراتها تجاه من أشعروها
بالغدر والخيانة والهوان وكل ما أرجو منك هو ان تفكري طويلا في حياتك وفيما
تختارين لها وفقا لكل الاعتبارات الجوهرية المهمة بالنسبة لك ولكرامتك الإنسانية
وطفلك الصغير بغير ان تتجاوزي حق الدفاع عن النفس والكرامة, وحق الاختيار الحر
لحياتك إلى حد الانتقام والتشفي والرغبة في إيلام الغير بنفس القدر الذي آلمونا به
أو بأكثر فأحق الناس في النهاية بأن يترفع عن الانتقام والتشفي في شقاء الآخرين هو
من عرف الألم وتجرع مرارته كما أنه أكثر الناس إدراكا لأنه لا شيء في الحياة يعدل
صفاء النفس وخلوها من المرارات, واستكانة القلب إلي جوار من يبادله الحب ويشاركه
رؤيته للحياة والبشر والأشياء.
وفي كل الأحوال فإنه بقدر
الخطأ يكون التكفير عنه.. ويكون الوقت الذي تحتاج إليه النفس الممرورة لكي تتخلص
من شوائبها وتستعد لاستقبال المؤثرات الجديدة بلا ضغائن ولا أحقاد.. وشكرا لك.
نشرت عام 1999 في باب بريد الجمعة بجريدة الأهرام
راجعها وأعدها للنشر/ نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر