الدعاء .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991
إن الطيب من الأعمال لا يُنسى لصاحبه كما أن سيء الأفعال أيضاً لا يُنسى له عند البعض الآخر وإن طال الزمن أو فرَّق الموت بين الشركاء .. فليصنع كل إنسان لنفسه إذن " ذِكرها " بعد أن تبين أن الموت لا يُنهي أحقاد البعض حتَى على الراحلين .
عبد الوهاب مطاوع
هل قرأت قصة الزوجة الصالحة التي ماتت فدفنها
زوجها في حديقة منزله حتى لا يبعد جثمانها عنه بعد أن فارقته روحها ؟ .. وهل عرفت
كيف أخفى نبأ موتها حتى لا ينتزعها منه أحد ثم علم إخوتها بالأمر وتدخلت الشرطة
وتم استخراج جثتها وتبين أن ميتتها طبيعية وانه لا شبهة جريمة فيما حدث وإنما هو
وفاء نادر من زوج لزوجة أحسنت عشرته وأحبته بالرغم من أنها كانت أكبر سناً منه
فعزَّ عليه فراقها بعد موتها .. هل قرأت هذه القصة الجميلة ؟
لقد دفعتني لأن أروي لك قصتي وأهديها للأزواج
السعداء الذين أنعم الله عليهم بالزوجة الصالحة حتى يحافظوا عليها ويعرفوا لها
فضلها وقدْرها , فقد ماتت زوجتي منذ فترة غير مأسوف عليها بعد حياة زوجية شقية
تعيسة , فلم أصلِّ على جثمانها لنذر نذرته على نفسي ألا أفعل بل رحت أردد هذا
الدعاء منذ خروج روحها حتى تم دفنها وهو : اللهم ضيِّق عليها قبرها .. اللهم
احشرها في زمرة امرأة أبي لهب حمَّالة الحطب .. وكثيراً ما أزور قبرها وأناجيها
بهذا الدعاء .
فلقد حرمتني – لا غفر الله لها – من ثلاث وأهدتني
ثلاثاً : حرمتني من المودة والرحمة والسكن وأهدتني الكراهية والنفور والبرود. وقد
ترتب على ذلك التالي :
حرماني من حقوقي الشرعية
كزوج منذ ليلة الزفاف وحتى يوم وفاتها.
كانت عوناً للدهر عليَّ ولم
تكن عوناً لي على الدهر !
لم أجد
عندها الصدر الحنون بل صدرها شوكاً وقنفذاً !
أنكرت
خيري ولم تعترف لي بجميل قط !
كانت تمطرني دائماً بوابل
من قذائف لسانها وكان لسانها أحدَّ من السيف وأشد مرارة من الحنظل وكانت تستخدم
أحيانا قبضة يدها كعامل مساعد للِّسان !
فكنت معها الزوج العَزْب رغم أني كنت أعيش معها
تحت سقف واحد ونتقاسم فراشاً واحداً لكن جسدها كان محرماً عليَّ وجسدي محرماً
عليها فلا ملاطفة ولا كلمة طيبة ولم أر وجهها أبداً بل رأيت دائماً في الفراش
قفاها وحتى يوم الرحيل . فما رأي الدين في ذلك ؟
ولكاتب هذه الرسالة المفزعة أقول :
أعوذ بالله .. ولماذا قبلت استمرار الحياة معها كل
تلك السنين ؟ ولماذا لم تسرحها بإحسان وتتزوج بمن تجد لديها السكن والمودة والرحمة
وتمنحك حقوقك المشروعة بدلا من اختزان كل هذه الكراهية والحقد عليها سنوات طويلة
ثم افرازها أو " تقيؤها " بعد رحيلها في شكل هذا الدعاء المُنكر وهذا
الحديث البغيض عمن أصبحت بين يدي خالقها ولا يجوز لأحد إلا أن يطلب لها الرحمة ؟
بل ولماذا تقبلت يا سيدي هذا الهوان وتحملت قذائف
اللسان الأحدّ من السيف وقبضة اليد الثقيلة وأنت كما توحي رسالتك لم تنجب منها ولم
تسعد معها منذ البداية !
لقد كان الحل الكريم متاحا لك في كل وقت حتى لو
كنت في أشد الحاجة مادياً إليها , إذ ليست هي " الحرّة وحدها التي لا تأكل
بثدييها " وإنما الحرّ أيضاً هو الذي يأبى لنفسه المهانة ولو كان في رفضها
هلاكه . فأين كنت من هذا الحر كل هذه السنين ؟
إنك تسأل عن حكم الدين فيمن تهجر فراش زوجها وتسيء
عشرته وحكم الدين فيها معروف إذ أن هجر فراش الزوج بلا مبرر مشروع معصية للخالق
توجب غضبه على من ترتكبها .. وهو من أهم أسباب الطلاق المشروعة كما أن سوء العشرة
أيضاً من أسبابه المقبولة .. لكنك لم تسأل عن حكم الدين أيضاً فيمن يستمطر اللعنات
على الراحلين وفيمن يدعو على شريكة حياته مهما كانت أسباب هذا الدعاء المنكر ؟
وليس بخاف عليك أننا قد أُمِرنا بأن نذكر محاسن
موتانا فأن لم تكن لهم محاسن كفيناهم أذى اللسان والدعاء وتركنا حسابهم لخالقهم !
فإن كنت نشرت رسالتك رغم بشاعتها فإنما لأقول
للبعض كما أن الطيب من الأعمال لا يُنسى لصاحبه فإن سيء الأفعال أيضاً لا يُنسى له
عند البعض الآخر وإن طال الزمن أو فرَّق الموت بين الشركاء .. فليصنع كل إنسان
لنفسه إذن " ذِكرها " بعد أن تبين أن الموت لا يُنهي أحقاد البعض حتَى
على الراحلين والسلام !
رابط رسالة الشهود تعقيبا على هذه الرسالة
رابط رسالة الندم تعقيبا على هذه الرسالة
رابط رسالة ابتسامة الغروب تعقيبا على هذه الرسالة
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر