الندم .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

 الندم .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

الندم .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

الظروف قد تجبر الإنسان أحياناً على قبول حياة لا يرضاها تضحية منه لهدف كبير.
عبد الوهاب مطاوع

قرأت رسالة الزوج التي نشرت بعنوان " الدعاء " والتي يتحدث فيها عن زوجته الراحلة ويصف عذابه معها ويستمطر عليها اللعنات حتى ليدعو وهي لم تُوارَ التراب بعد : اللهم ضيِّق عليها قبرها إلخ والحق أنني أعيش ظروفا مماثلة لظروف كاتب الرسالة لكنها تختلف عنها في ثلاث نقاط :

1.    أن زوجتي مازالت على قيد الحياة وإني أدعو لها الله دائما بأن يغفر لها ما كان منها في حقي طوال 25 سنة .

2.    أن لي ابنا منها قد يكون هو ما دعاني إلى الصبر عليها طوال هذه السنين حتى أستطيع تنشئته بين أبوين قد لا يكونان سويين لكنهما على الأقل على قيد الحياة ولم ينتحر أحدهما أو يقتل الآخر .

3.    أن كاتب رسالة الدعاء رغم أن زوجته حرمته من نفسها منذ ليلة الزفاف وحتى ماتت فلقد كان على الأقل يستمتع بالنوم إلى جوارها في فراش واحد سواء أعطته وجهها أو قفاها كما قال أما أنا فأنام وحيدا في غرفة مستقلة منذ 25 عاماً .

 

ولست أزعم أنها السبب الوحيد فيما وصلنا إليه وإنما أعترف بأن جزءا من المسئولية يقع عليَّ بصبري عليها وبعدم تمسكي بحقوقي الزوجية المشروعة معها .. قد كان وجود ابن بيننا مما شجعها على التمادي في الخطأ ودعاني إلى التجاوز عنه.

والآن أسألك يا سيدي وقد تخرج ابني وتوظف وأديت رسالتي أليس من حقي أن أتزوج إذا كان في العمر بقية ؟

 

أرجو ألا تلومني على أني أخطأت بهذا الانتظار فالظروف تجبر الإنسان أحيانا على قبول حياة لا يرضاها تضحية منه لهدف كبير .. قد كان ابني الوحيد هو هدفي ولست نادما على أني تكبدت المعاناة والحرمان طوال هذه السنين من أجله
ولو ندمت .. فهل ينفع الندم؟

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول :

لا يا سيدي لا ينفع الندم . لهذا فلا تندم على ما كان من أمرك طوال السنين الماضية , فلقد اخترت التضحية بسعادتك الشخصية من اجل هدف سام هو رعاية ابنك وتنشئته تنشئة سوية فأنقذتَه بذلك من التمزق النفسي بين أبوين منفصلين .. لا شك أنك تحس الآن بالرضا عن نفسك لأن تضحيتك كانت لها ثمرة تستحق العناء لإنضاجها أما من يحقُّ له الندم والحسرة فعلا فهو من تكون تضحيته بلا ثمن ولا عزاء وأنت لم تكن لحسن الحظ كذلك ولاشك أن إنسانا عادلا مثلك لا يعفي نفسه من بعض المسئولية عما تردت إليه الأمور ولا يعتقد أن الخطأ دائما هو حكر على الطرف الآخر يستحق أن تدخر له الدنيا سعادة مؤجلة تعرضه حين يشاء الله عما عانى وصبر ..وتكون جائزته العادلة عما قدم للحياة ..وفي العمر بقية دائما يا سيدي لمن شاء له ربه حسن الجزاء .

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" أكتوبر عام 1991

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات