الجنيه الذهبي .. رسالة من بريد الجمعة عام 1990
أشكرك جدًا جدًا
على الاهتمام برسائل قرائك فأنا قارئة مستديمة لبابك منذ سنوات وأريد أن أكتب إليك
قصتي لآخذ مشورتك فيها .. وهذه ثاني رسالة ولم ترد عليَّ . فأنا إنسانة حصلت على
دبلوم التجارة منذ سنوات عملت في عمل حكومي وقد بدأت عملي وعمري 18 سنة فكنت لافتة
للنظر لأني مرحة جدًا وعقلي كبير جدًا بشهادة جميع من حولي ومن السهل أن أحل مشاكل
الأصدقاء الذين يستشيرونني فيها . رغم أنها أكبر مني والكل يحترمونني لشخصيتي
الجذابة . ولتعقلي في حكمي على الأمور ولم تكن لي تجارب مع أحد فأنا والحمد لله
محجبة ومتدينة ، وقد أثبت كفاءتي في عملي في فترة وجيزة جدًا .. وعشت حياتي بسهولة
ويسر لأني وحيدة أبويَّ ومدللة جدًا جدًا منهما .. لكن حدث ما لا تحمد عقباه يا
سيدي فقد أحببت مديري في العمل .. ولم يكن الأمر بيدي فهو أول رجل ينبض له قلبي ..
فوجدت نفسي أرتجف وأنا أكلمه في أمور العمل رغم أنه يكبرني بضعف عمري ورغم أنه
متزوج وعنده طفلان .. لكن الجميع يعرفون أنه غير سعيد في زواجه وأنه على خلاف دائم
مع زوجته، مع أنه محبوب من الجميع ومتدين جدًا والكل يحترمونه لوقاره وشخصيته ..
وقد تحاببنا جدًا من بعيد لبعيد دون أن نعترف بذلك لمدة عامين ثم لم نستطع
الاستمرار في ذلك فخرجت معه في سيارته وأنا التي لم تخرج مع إنسان غريب من قبل
وذلك لأني أحببته جدًا جدًا ..
وأصبحنا نلتقي كل
يوم في العمل .. ثم أختلق لأهلي أسبابًا للخروج بعد الظهر وألتقي به .. وأرجو ألا
تسئ الظن بي فنحن لم نرتكب ما يغضب الله، رغم علمنا أن مقابلاتنا حرام .. وقد أصبح
يعيش من جديد بعد أن كان يعتبر نفسه إنسانًا ميتًا مع زوجة لا تحبه .. وعشنا هكذا
شهورًا طويلة نمضي الوقت كل يوم نتجول في الشوارع ولا يعود لبيته إلا لينام ولأن
لكل نار دخانًا فقد بدأ زملاؤنا في القسم يعرفون القصة وبدأ الهمس والغمز واللمز
من حولنا واستنكروا حبنا لأنه متزوج وله طفلان وزاد الطين بلة أن بعض أقارب زوجته
معنا في نفس العمل فعرفوا بالقصة .. وذات يوم كان مديري غائبًا في مهمة لمدة يومين
.. فجاء أقارب زوجته إليَّ وفوجئت بهم يتحدثون معي في الموضوع بصوتٍ عالٍ وبطريقة
استفزازية .. وذهلت من المفاجأة فلم أستطع أن أرد عليهم بكلمة واحدة ، وشاع الأمر
أكثر وأكثر وأصبح علنًا ولم يعد لأحد في قسمنا أو باقي الأقسام من حديث إلا فيه،
وتحملت كل ذلك ثم عاد مديري وعرف بالموضوع فثار وهاج وهدد أقارب زوجته بطلاقها
وقاطعهم فاعتذروا له وهدأت العاصفة فيما بينهم عند هذا الحد لكن الرواسب تجمعت
عندي أنا فهو رجل لا يعيبه شيء في النهاية أما أنا فإن سمعتي التي كانت
"كالجنيه الذهب" أصبحت كالجنيه الصفيح ولم أعد قادرة على الذهاب للعمل
فحصلت على أجازة لمدة شهر حاول أن يتصل بي خلالها في البيت فلم أرد عليه، ثم عدت
للعمل وأنا أنوي ألا أتكلم معه ! لكن بعض المتطفلين والحاقدين اتصلوا بزوجته
تليفونيًا وأبلغوها بعودتي فانقلبت الدنيا أكثر مما كانت بالرغم من أنها "لا
تحبه" وزواجها منه تقليدي ، لكنها ثارت لكرامتها وللشكل الاجتماعي !!
ومضت
شهور وأنا أحاول إقناع نفسي بنسيانه وقدمت طلبا للنقل من القسم لكن للأسف رفض طلبي
.. ثم وجدت نفسي لا أقدر على نسيانه و هو كذلك وكنت قد بلغت الرابعة والعشرين فعرض
على الزواج ورحبت طبعا لكن المشكلة كانت أن أقنع أهلي به و هو زوج وأب لطفلين .
وأنا ابنتهم الوحيدة، لقد تقدم الأهلي .. وتحملت أنا مسئولية إقناعهم ووقفت أمامهم
بكل صمود وكل قوة ! وهددت بالانتحار للضغط عليهم فوافقوا في النهاية وأحضر لي شقة صغيرة
جميلة وتم زواجنا وتقدمت باستقالتي من العمل استجابة لرغبة زوجي وترك هو بيت زوجته
الأولى ولم يطلقها ولن يفعل إلا إذا طلبت هي الطلاق لأنه يعرف أصول دينه .. لكنه
لا يذهب إلى بيته الأخر لأنها لا تسمح له بدخوله ولا بمشاهدة طفليه، مع استمراره
في الإنفاق عليهم كما كان وأكثر .. وأنا يا سيدي أحب "أولاده" جدا جدا
ولم أطلب منه أن يطلق زوجته لأنها لم تطلب منه الطلاق .
لكن
المشكلة هي أن زملاء زوجي في العمل منذ علموا بزواجنا وهم لا يكفون عن الكلام عنا
وتنكروا جميعا لزواجنا كأننا قد قتلنا لهم قتيلا أو ارتكبنا جرما أو فعلنا شيئا
حرمه الله، وليس الزملاء فقط الذين اتخذوا هذا الموقف وإنما الأهل والأصدقاء
والأصحاب أيضا الذين تنكروا لزواجنا لأنه متزوج وله طفلان وترك ذلك عند زوجي رواسب
كثيرة فأصبح يذهب إلى عمله كل يوم على مضض وكأنه ذاهب إلى حبل المشنقة ، وليس إلى
العمل الذي كان يحبه وأصبح يتجنب الظهور معي أمام الناس حتى لا يعلق أحد أنه أكبر
مني سنا ولا يذهب بي عند الأصدقاء أو الأهل لكي يتجنب "كلام" عيونهم المستنكرة وإذا خرجنا
لظروف قصوى تعمد ألا يمشي معي وأن يسبقني إلى السيارة لكي نذهب إلى مشوارنا
الضروري .. لكننا والحمد لله داخل البيت سعداء جدًا جدًا ولا يعكر صفونا إلا هؤلاء
الدخلاء المتطفلون .
فقل لهم ولأمثالهم
يا سيدي إن ما فعلناه ليس حرامًا .. وقل لزوجي ألا يخجل من خروجه معي فكم من رجال
تزوجوا ممن هن أصغر منهم بكثير وعاشوا سعداء ، واطلب منه ألا يهتم بكلام الآخرين .
لأن كل هذا لا يصح أن يؤثر علينا ، وقل لهم يا سيدي أننا لسنا مخطئين وأن هذا ما
حلله الله ، وأننا والحمد لله "ضميرنا" مستريح من جميع الجهات ! وأرجو
أن تهتم برسالتي مع علمي أن هناك رسائل أهم من رسالتي بكثير لكني أستحلفك بالله
ألا تهمل رسالتي وأن تقول لهؤلاء الدخلاء المتطفلين كلمة "قوية" لكي
يكفوا عما هم فيه ويعرفوا إلى أي حد يعكروا صفو حياة الآخرين بتدخلهم هذا ؟ ولك
مني يا سيدي جزيل شكري وامتناني .
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
يخيل إلي يا سيدتي أنه إما أنكِ أخطأتِ العنوان الذي كان ينبغي أن تبعثي إليه بهذه الرسالة وإما أنكِ لستِ من قارئات بريد الجمعة المنتظمات كما تقولين وإلا لما توقعتِ مني تعاطفًا وتأييدًا لجانبكِ مهما كانت مبرراتك العاطفية، أو تبريراتك غير المؤكدة عن انعدام الوفاق بين زوجك وزوجته قبل ظهورك ، لهذا فلن أطيل في تعليقي على رسالتك لأني لا أريد أن أكرر موقفي من الزواج الثاني الذي يمزق أسرة وأطفالاً أبرياء بلا ضرورة قصوى أو لمجرد الاستجابة لنزعات أو نزوات عاطفية .. ناهيك عن الخطأ الأساسي في قيام علاقة من هذا النوع من البداية بين فتاة في الثامنة عشرة من عمرها وبين زوج وأب يكبرها بضعف عمرها إن لم يزد على ذلك وحاولت التخفيف منه في رسالتك بدليل ظهور الفارق بينكما صارخًا إلى الحد الذي يجعله موضعًا لتعليقات الأصدقاء والمارة ناهيك عن كلام العيون المستنكرة . على أية حال فإني سأقول لك فقط أن لكل إنسان أن يختار لنفسه ما يشاء لكنه ليس من حقه أن يتحسر على عدم احترام الآخرين له أو يشكو من استنكارهم لاختياره أو رفضهم له .. أو حتى من تناولهم لهذا الاختيار بالنقد والتشنيع لماذا يا سيدتي ؟ لأننا لا نستطيع أن نحول بين الناس وبين ألسنتهم لكننا نستطيع إن أردنا أن نلتزم بالقيم والأعراف والتقاليد وقوانين الحياة الطبيعية .. فلا يجدون في سلوكنا ما يغريهم بالانشغال بنا .. ولا تتحول سمعتنا من جنيه ذهبي إلى عملة من الصفيح ! هذا هو الطريق الوحيد الميسور لكي يكف عنا الناس ألسنة الأذى .
وهذه هي "التكاليف" التي يتحملها المرء . لكي يحصد احترام الآخرين وقبولهم له ثمنًا لها أما أن يعفي الإنسان نفسه من كل التكاليف وينساق وراء الأهواء بلا ضوابط .. ويصادم الآخرين في أعرافهم ، ويسلب استقرار أسرة وأمنها ويروع أطفالها ويعرضهم لمحنة بلا مبرر إلا حساباته العاطفية هو وحده ثم يطالبهم بعد ذلك بقبوله واحترامه وكف ألسنتهم عنه .. فهذا هو المستحيل بعينه لأننا لا نعيش في صحراء جرداء وحدنا وإنما بين بشر علينا أن نحترم مثلهم العليا إن أردنا أن نتوافق معهم وأن نتبادل معهم الحب والاحترام ، فإن كنت قد نشرت رسالتك رغم أني لا أفضل نشر مثيلاتها ورغم ما فيها من تبريرات غير مقنعة قد تستفز المشاعر ، فإنما فعلت لأنها يمكن أن تفيد غيرك وتكشف لهم تبعات مثل هذا الاختيار ، والوجه الآخر له وهي تبعات ثقيلة ، "جدًا جدًا" كما ترين . وآسف لعجزي عن تلبية ندائك لأن انشغالي بالتفكير في أمر الزوجة والطفلين الذين لا ذنب لهما في أحوال القلب .. ولا في جرأة البعض على خرق المألوف .. قد سلبني القدرة على صك كلمة "قوية" أرد بها عنكِ تطفل المتطفلين .. ولوم اللائمين.
رابط رسالة المقارنة تعقيبا على هذه الرسالة
رابط رسالة الأحلام الموءودة تعقيبا على هذه الرسالة
رابط رسالة الأغلال تعليقا على هذه الرسالة
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر