المقارنة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

المقارنة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991

المقارنة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991


   في أوقات المحن تتبدى حكمة الإنسان وصلابته وقدرته على قيادة سفينة حياته بحرص وحذر وسط الصخور .
عبد الوهاب مطاوع

أكتب إليك يا سيدي لأعلق على رسالة "الجنيه الذهبي" التي كتبتها الفتاة الصغيرة التي تزوجت مديرها الزوج والأب لطفلين  بحجة أن زوجته لا تحبه فعكرت بذلك صفو حياة أسرة آمنة . وهددت أمان طفلين بريئين وزوجة كانت قبل ظهور هذه الغازية سعيدة مهما ادَّعت كاتبة الرسالة غير ذلك فأنا واحدة من كثيرات يعشن ظروف تلك الزوجة الأولى الآن وأنتظر مصيري الذي سيحدده لي القدر بعد أن أخبرني زوجي الذي تزوجته بعد قصة حب عميقة والذي عشت معه في سعادة يحسدنا عليها الآخرون أنه متزوج عرفيًا من فتاة تعمل لديه وينوي إعلان زواجه رسميًا لأنه أخطأ ويريد تصحيح خطئه . ويصر على ذلك رغم محاولاتي العديدة معه . إنه رجل محترم ومركزه كبير وعلى درجة عالية من الثقافة والاطلاع ولا أدري كيف حدث منه هذا .. ولا أين كانت أسرته الصغيرة من تفكيره حين فعل ذلك لكن هكذا شاءت الأقدار أو شاء الإنسان بمعنى أصح لقد كنت مصممة على الطلاق ثم تراجعت عنه حفاظًا على مستقبل أولادي وحتى لا يلومني أحد في المستقبل على أني لم أصبر ولم أكافح لاستعادة أبيهم . لكني مصرة على الانفصال وعلى أن يكون لكل منا طريقه الذي اختاره لنفسه بعد أن جرى ما جرى .. إنني أنا وهو وابني وابنتي في حال لا يعلم بها إلا الله وبكاؤنا نحن الأربعة لا ينقطع ومع ذلك فهو ماضٍ في إتمام الموضوع بالرغم من علمه بما سيترتب عليه من نتائج ويقول أنه سيتحملها لكي يرضي ربه فقط وليس حبًا فيها، والمطلوب مني أنا أن أتحمل وأكون قوية وأقف إلى جواره في ذلك لأنه يحبني ولم يحب أحدًا سواي ولا يستطيع أن يفرِّط فيَّ بسهولة فكيف بالله عليك أتحمل ذلك ؟

 



 إنها مقارنة ظالمة تدبر لها كل خاطفة وتسعد بها ويبررون بها فعلتهن الشنعاء في تدمير أسرة وهدم سعادتها فحسبي الله ونعم الوكيل في كل إنسانة تهفو نفسها إلى زوج غيرها وإلى أب لأطفال أبرياء لا دخل لهم في نزوات عاطفية سرعان ما تنتهي إن آجلا أو عاجلا .. وهذا هو الفارق دائما بين النزوة العارضة وبين حياة الأسرة والاحترام الذي تمثله ، وأقول للرجال لا تظلموا زوجاتكم بهذه المقارنة الظالمة ولا تظلموا أبناءكم ولا تتركوا أنفسكم فريسة لنزوات لا تثمر في النهاية إلا الدمار ثم تأتي ساعة الندم حين لا ينفع الندم والسلام عليك وعلى كل من رعت حرمات البيوت وابتعدت عنها وليس على سواهن !

 

     ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

في أوقات المحن تتبدى حكمة الإنسان وصلابته وقدرته على قيادة سفينة حياته بحرص وحذر وسط الصخور . وأنتِ يا سيدتي محقة في كل ما تقولين ، واختياركِ لعدم الانسحاب رعايةً لمستقبل الأبناء اختيار نبيل تضعين بها سعادتهم فوق كل اعتبار . وهو اختيار حكيم وبعيد النظر أيضًا لأن العواصف لا تدوم مهما زمجرت .. والضعف البشري نزوة لا تستمر وإن طالت ، وزوجكِ وإن كان قد أخطأ في حقكِ وحق أسرته وحق نفسه – فتصحيح الأخطاء متاح في كل وقت وخير الخطائين التوابون .. وهو يستطيع أن يصحح خطأه ويسترضي ربه ثم يرجع عنه ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ويكون ما يتحمله من تضحيات في سبيل ذلك تعويضًا للأخرى عن هذا التصحيح وإبراءً لذمته مما يتحمله من مسئولية مماثلة لمسئوليتها عن هذا الخطأ وارتفاعكِ فوق الألم الشخصي لكي تعينيه على ذلك رصيد جديد يُضاف إلى رصيدكِ القديم لديه وتثقل به موازينكِ عنده أكثر فأكثر .

 

فأنتِ رغم أي مقارنة وهمية الأصل .. الأم .. والزوجة التي يستطيع أن يواجه بها الآخرين باعتزاز والأسرة الطبيعية .. والشكل الاجتماعي السليم الذي يواجه به الحياة بلا استخفاء وبلا حاجة للاعتذار عنه بأية أعذار .

 

وتفهمكِ لملابسات تلك المقارنة الظالمة التي تدفع إليها غازيات الحصون الآمنة بعض الأزواج .. يعكس عقلاً راجحًا وتفكيرًا ناضجًا .. لكن كيف يستقيم هذا التفهم الواعي مع قراركِ الانفعالي بالانفصال داخليًا عنه وأنتما في ذروة هذه المحنة ؟ ألستِ بذلك تساعدين الأخرى على أن تضيف لوهم المقارنة الظالمة إغراءً جديدًا !؟ يا سيدتي لقد اخترتِ إنقاذ زوجكِ والوقوف معه إلى أن يجتاز هذه المحنة ويعود إلى الطريق الصحيح لكن انفصالكِ داخليًا عنه في هذه الفترة لا يخدم هدف إعانته على ذلك ، وشقاء من يتعرض لوعكة عابرة يتحقق أسرع إذا كانت اليد التي تسقيه الدواء حانية وغافرة ومتصبرة وليست زاجرة أو مجافية ، فالنفس البشرية تميل رغمًا عنها لمن يحنو عليها حتى ولو تشككت في دوافعه وتجفل ممن يقسو عليها خاصة في أوقات المحن حتى ولو تفهمت إخلاص النوايا في بعض الأحيان .

  

فأعينيه على أمره بالاقتراب منه, لا بالبعد عنه ، ثم بعد اجتياز العاصفة يكون العتاب وتكون إعادة ترتيب الأوراق .. بما يكفل لكِ أمنكِ وحماية أسرتكِ واستعادة سعادتكِ إن شاء الله ... 


 نشرت في يناير سنة 1991 في جريدة الأهرام باب بريد الجمعة
 راجعها واعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات