التساؤلات المريبة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1997

 

التساؤلات المريبة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1997

التساؤلات المريبة .. رسالة من بريد الجمعة عام 1997

إن الطمع كالكراهية، حين يبدأ فإنه لا يعرف حدودا.. ولا يعرف الإرتواء.

عبد الوهاب مطاوع

أنا سيدة شابة من أسرة طيبة ، منذ سنوات تقدم إلى شاب وسيم أنيق يعمل في نفس مجالي المهني ، ومن أسرة لائقة اجتماعيا وماديا ، فأعجبت به على الفور وشجعته على التقدم لأبي .. وتقدم إليه فرحب به بلا تردد وتحمس لارتباطی به لأنني صغرى ابنتيه ويتيمة الأم منذ طفولتي المبكرة ويريد أن يطمئن علي كما اطمأن من قبل على أختي الكبرى .. ولأن أبي لم يتزوج بعد رحيل أمنا عن الحياة ، فقد تفرغ لتربيتنا ورعايتنا والعطف علينا وخصنا يحبه الغامر ووفر لنا حياة طيبة كريمة ، فتعلمنا في المدارس الراقية وتخرجت أختي في كلية مرموقة وتزوجت رجلا مرموقا ، والتحقت أنا أيضا بكلية مرموقة وتخرجت فيها، ثم جاء هذا الشاب ليطرق بابي وتمت الخطبة وأبي وأختي سعيدان من أجلي .

 

وبعد فترة قصيرة من الخطبة بدأ خطيبي يوجه إلي أسئلة مريبة عن ثروة أبي وكم يبلغ نصيبي منها ، وكم دفع لأختي حين تزوجت ، وكم سيعطيني من مال لكي أتزوج فكنت أجيبه على كل هذه الأسئلة بأنني لا أعرف إجابة لما يسألني عنه ، وكنت صادقة في ذلك بالفعل ، فلقد كنت أعرف أن أبي بالمعاش ويملك بعض الأملاك والأموال التي ورثها عن أبويه لكني لا أعرف تفاصيلها ولم أهتم يوما بان أعرف ذلك ، وبالرغم من إحساسي بما وراء هذه الأسئلة من نية الطمع لدى خطيبي إلا أنني تجاهلتها وتجاوزت عنها لأنني كنت قد أحببته وأردته

لنفسي ، كما تكتمت هذه التساؤلات المريبة أيضا عن أبي وأختي وزوجها لكيلا يتشككوا فيه، وبدأنا الاستعداد للزواج فراح خطیبي يتحدث عن أن أباه قد تعرض لخسارة مادية كبيرة في تجارته ، وأنه قد لا يستطيع توفير الشقة التي سنتزوج فيها قبل بضع سنوات واكتأبت لذلك ولم يحتمل أبي حزني واكتئابی ، فقام بشراء شقة مناسبة لى وتأثيثها بأثاث فاخر دون أن يعرف حتى ماذا سيدفع خطیبي من مهر لكي يسعدني بعد أن لاحظ تعلقي به ، واقترب موعد الزفاف وتوقع أبي أن يتكفل خطیبی بنفقات الحفل ، كما هو المفروض ، وخاصة أنه لم يدفع مهرا ولم يتكلف سوى قيمة الشبكة التي قدمها لي ، لكن خطيبي راح من جديد يتعلل بالخسارة المادية الفادحة التي تعرض لها والده والتي غلت يده عن أن يقدم لابنه ما كان ينبغي أن يقدمه له في هذه الظروف ، وبدا واضحا أنه لا يريد أو لا يستطيع تحمل تكاليف الزفاف ، واكتأبت مرة أخرى لذلك فإذا بأبي يفاجئنی بأنه قد أعد كل شيء لإتمام حفل زفافنا في فندق كبير ، وأنه قد تكفل بكل نفقاته وطرت فرحا بذلك وقبلت أبي شاكرة وممتنة وازددت حبا وإعجابا بأبي العظيم الحنون ، فإذا بزوج شقيقتي يجيئني بأخبار مزعجة تكدر صفوی ، فلقد قال لي ولأبي إنه قد تحرى أحوال أسرة خطيبي ، وتأكد من أن والده لم يواجه أية كارثة مالية، كما يزعم خطيبي ، بل إن أحواله المادية جيدة للغاية ويملك أموالا طائلة ، لكن كل من سأله عنه أكد له أن هذه الأسرة تتميز بالطمع الشديد .. والبخل الأشد ، فثرت عليه ثورة عنيفة واتهمته بالحقد على خطيبي والغيرة منه ، وتحمل الرجل ثورتي وغضبي في صمت ثم غادرنا وهو يقول لي إنه يتمنى أن أكون على حق فيما أقول عن خطيبي وأن يكون هو المخطئ ، لكن أبي بدأ يفكر فيما قاله زوج أختي ويراجع تصرفات خطيبي معي منذ عرفته ويتشكك فيه، ولم أدع له الفرصة للتراجع وإنما ضغطت عليه بشدة بدموعي ورجائي له ألا يأبه لما قاله زوج أختي ، وواصلت ضغطي عليه ، فلم يملك في النهاية سوى الاستجابة لدموعي والموافقة على استكمال المشوار لكيلا يشعر بأنه قد أرغمني على ترك خطيبي ، الذي أردته لنفسي.

 

 وتم عقد القران والزفاف وتوقعت أن يقاطع الحفل زوج شقيقتي بعد ما جرى بيننا ، لكني فوجئت بالرجل يحضر الزفاف ويهنئني ويطلب مني ألا أتردد في الاتصال به إذا احتجت إليه في أي لحظة لأنني بمثابة الأخت الصغيرة .. وانتقلت للعيش مع زوجي في الشقة التي اشتراها لى أبي .

وبعد أسابيع قليلة راح يسألني من جديد عن أموال أبي ويطلب مني الانفصال المادي عنه ، كما بدأ أيضا يستولى على مرتبي کاملا كل أول شهر ، وتكتمت هذه المشاكل المادية عن أبي وأختي ، وبدوت أمامهما سعيدة بحياتي مع زوجي ، الذي تمسكت به وفرضته على أبي ، لكنه تمادى أكثر وأكثر في طريقته المادية المقززة هذه ، حتى بلغت به الجرأة أن يتحدث إلى أبي مباشرة أمامي ويطلب منه أن يقسم ماله بيني وبين أختي لكيلا يشاركنا أحد فيه بعد وفاته ، ورغم إيلام الموقف لأبي ، فقد تمالك نفسه واعتذر له بلطف وأدب عن عدم تلبية هذه الرغبة لأسباب يراها ، ولم يرض زوجي بالطبع عن ذلك ، لكنه لم يكتم مشاعره ، كما فعل أبي وإنما انصرف غاضبا وهو يتوعدني بأنني سوف أدفع ثمنا غاليا لرفضي تحقيق رغبته .

 

وبدا واضحا أمام أبي وأختي أن زوجي يهددني بالطلاق إن لم يعطني أبي نصيبي في ماله لكي يوضع تحت يده هو ، وشعرت بما يتفاعل في نفس أبی من إحساس بالألم والمرارة والضيق وشاركته مشاعره هذه ، ووجدتني لأول مرة لا أرغب في التأثير عليه لكي يرضخ تحت ضغط دموعي لمطلب من مطالب زوجي ، وفوجئت به وهو يقول لي إنه مستعد لأن يفعل ما يطلبه زوجي إيثارا لسعادتي معه وتجنبا للمشاكل معه ، فرفضت ذلك بإصرار وأكدت له أنني لا أريده أن يحقق رغبة زوجی مهما كانت الأسباب والنتائج .

 

وتمسكت بعدم تنفيذ رغبة زوجي هذه ، فبدأ يثور علي ويضربني ويعاملني باحتقار شديد حتى أمام زملائي في العمل ، وتمادى في ذلك حتى بلغ به الأمر أن ضربني أمام الجيران لأنني تجاسرت على اقتطاع

جزء من مرتبي لشراء أشياء كنت في حاجة إليها ، ثم تعددت مرات الضرب المبرح لي منه وتكرر حضور أختي وزوجها إلى مسكني لإنقاذي من بين براثن هذا الوحش ، وفشلت محاولاتهما المضنية للصلح بيننا ، وأبي يتعذب بالحسرة من أجلي وبإحساسه بالعجز عن إنقاذي وهو الشيخ الضعيف ، ولم يجد ما يفعله مع زوجي سوى أن يعرض عليه مبلغا من المال مقابل أن يطلقني ويدعني لحال سبيلي ، لكن زوجي رفض هذا العرض ، الذي لا يشبع نهمه إلى مال أبي وطلبت من والدي أن يكف عن تقديم العروض إليه ويكفيه ما فعله من أجلي، بسبب تدليله الزائد لي ولولا ذلك لما كان لمثل هذا الرجل أن يتزوجني بعد أن خدعنا بالأكاذيب من اليوم الأول .

 

وتوقفت العروض ومحاولات الصلح ولم يجد زوجي ما يفعله لكي يشدد من ضغوطه علي سوى أن يبلغني أنه سوف يتزوج من أخرى، لأنني لا أنجب بدليل مرور عامين علينا بغير إنجاب .

وبدأ يخرج بالفعل مع امرأة مطلقة من أقاربه، وبدأت هذه المرأة تقول للجميع أن زوجي سيتزوجها لأن زوجته "عاقر" ولم يكتف بذلك ، بل جاء إلي معها في عملي لكي يذلني أمام زملائي ويجبرني على قبول شروطه للطلاق وإعطائه ما يريد من مال .

وازدادت المشاحنات بيننا إلى أن جاء يوم تصادمنا فيه بالبيت فطردني بملابسي التي كنت أرتديها وضربني ورفض دخولي للبيت ، وهرولت إلى أبي فذهب مع زوج أختي إلى البيت فوجداه قد غير كالون الشقة وأغلقها واختفى ، وبحثا عنه لدى أهله فلم نجد منهم سویا الجفاء والإهانة ، وانهار أبي صحيا ، ولم يعد قادرا سوى على البكاء من أجل ابنته التي قدم لها كل ما يستطيع لإسعادها بلا جدوى ، أما أنا فلقد غضبت من نفسي لإضاعتي هذه السنوات الثمينة من عمري مع هذا الرجل ، الذي لم يكن يستحق أن ارتبط به، ولا أن أضعف أمام مطالبه ، واسودت الدنيا في وجهي وبدأ زوجي يستعد للزواج في المسكن الذي اشتراه لي أبی وأثله من ماله ، ولا تسألني كيف والشقة ملكي ، فهذا هو ما حدث ، فقد وضع يده على الشقة والأثاث ، ولم يكن هناك من سبيل أمامنا لاستردادهما إلا الشرطة والنزاعات الطويلة وزوجي مستعد للمشاكسة والتهرب وتقديم الاعتراضات التي تحتاج إلى سنين للفصل فيها ، ونحن قوم مسالمون ونريد التفاهم الودی بغیر نزاعات.

 

وخلال فترة الأمل في التفاهم حول الانفصال بطريقة ودية فوجئت بالسيدة التي سيتزوجها زوجي ترسل إلي ملابسي ملفوفة في ملاءات السرير القديمة لأن زوجي قد بخل حتى بشراء حقيبة رخيصة ليرسل إلي فيها ملابسي ، وازداد إحساسي بالقهر والمرارة ، وندمت لسوء اختياري لهذا الزوج البشع ، الذي حولني من طفلة مدللة في بيت أبي إلى خادمة ذليلة ينعتها زوجها بأبشع الصفات لمجرد أنها لم تدفع له ما يريد.

ثم حدث فجأة شيء غريب زلزل كياني ، فلقد ذهب زوجي قبل زواجه بأسبوع واحد إلى زيارة قريب له يقطن بعمارة عالية ، فإذا بمصعد العمارة يسقط به من ارتفاع شاهق ويلقي مصرعه فيه على الفور!

هل تصدق ذلك ؟

 

لقد تسبب عجزي أنا عن تصديقه في حينه في إصابتي بصدمة عصبية شديدة ورقدت طريحة الفراش بالمستشفى لبعض الوقت ، عولجت خلاله نفسيا وعصبيا وغادرت المستشفى كالعليلة .. فلقد تخيلت أن يحدث أي شيء .. لكنه لم يخطر لي ببال أن تكون هذه النهاية المفجعة هي خاتمة القصة معه أو طريق خلاصي منه غفر الله له.

ولقد شاءت إرادة الله أن استرد كل ما عجزت من قبل عن استرداده بالحسنى وتقديم العروض والتنازلات ، فاسترددت شقتي المسلوبة وأثاثي بلا مشاكل وشاركت أيضا أهل زوجي الراحل في ميراثه باعتباري زوجته ، وورثت من حيث لم أرغب من أراد أن يرثني حية ويرث أبي معي في حياته ، ولم يكن زوجي معدما ولا محتاجا لكنه طمع الدنيا لعنة الله عليه فماذا تقول عن ذلك سوى أن الظالم لا يظلم في النهاية سوى نفسه .

 



 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

كان الإمام أبو حامد الغزالي يقول : ليس المشكل النصيحة .. وإنما المشكل قبولها !

وهذا صحيح لأننا نستطيع بلا عناء كبير أن ننصح أبناءنا بما فيه خيرهم وصلاحهم ، ونستطيع كذلك أن نرشدهم إلى الطريق الصحيح الذي يتجنبون فيه العثرات والزلات وأن نحميهم عند الضرورة من شر أنفسهم وأهوائهم واندفاعهم لكن قليلين منهم هم الذين يقبلون النصيحة ويعملون بها ، ويرون وجه الله والعدل والخير فيها .

بل إن كثيرين من الأبناء لا يرون في هذه الحماية ، التي

تطالبين بها الآن بعد أن تعلمت الحكمة بدروس الأيام ، إلا محاولة من الآباء والأمهات للاستمرار في التحكم في حياتهم بعد أن بلغوا سن الاستقلال . وهم يفضلون أن يأخذوا بزمام حياتهم بأيديهم ويخوضوا اختبار الحياة معتمدين في ذلك على خبرتهم القليلة بالبشر والحياة ، ولا يسلمون غالبا بوجاهة رأي الآباء والأمهات إلا حين يتعثرون في الطريق ويدفعون ثمنا غاليا لرفضهم نصح الناصحين من حياتهم وسعادتهم بعد فوات الأوان.

 

 ولسنا ننكر على الأبناء حقهم العادل في أن يأخذوا زمام حياتهم بأيديهم في الوقت الملائم لذلك لكننا ننكر عليهم فقط تحسسهم من أية محاولة من جانب الآباء والأمهات لإعانتهم على أمرهم بما اكتسبوه من خبرة السنين الطويلة وتجارب الحياة ، وتفسيرهم لهذه المعونة الصادقة لهم بأنها مجرد رغبة أبوية في التسلط على حياتهم ، مع أنهم يملكون ، أن يتفكروا بعقل مفتوح فيما يقال لهم ، ويعملوا إذا أرادوا بما يستشعرون فيه الحق والعدل وصدق الرغبة في سعادتهم ، بل لعل السعداء منهم هم الذين إذا ترددوا بين أمرين اختاروا أبعدهما عن هوى نفوسهم ، وأقربهما للتوافق مع أحكام العقل وحكمة الشيوخ ونظرتهم الخبيرة بالحياة ، ولا تعارض بالرغم من ذلك بين استقلالية الأبناء بحياتهم وبين حمايتهم هم أنفسهم لهذه الحياة بالاستعانة بخبرة الشيوخ وتجربتهم مع الحياة ومن عجب أننا نجد أكثر الأبناء تمسكا برأيهم ورفضا لنصيحة الأهل .. هم أكثرهم لوما فيما بعد لهؤلاء الأهل أنفسهم لأنهم على حد تعبيرهم الذي أقرأه كثيرا في رسائل بعض الشباب ، لم  "يرغموهم" في الوقت المناسب على الاستماع لصوت العقل والعمل بنصيحتهم حين تمسكوا باختياراتهم الخاطئة في وجه معارضة الأهل وإشفاقهم عليهم ، مما يسيرون إليه في طريق الشقاء.

 

ولست أعرف كيف يستطيع الآباء والأمهات "إرغام" شباب يتمسكون بما اختاروه من اختيارات وفشلت معهم كل الحيل

لإثنائهم عنها في الوقت المناسب ، ومع ذلك فهم يتهمون الآباء والأمهات بعد أن زالت الغشاوة عن أعينهم بأنهم لم يكونوا "بالحزم" الواجب معهم حين كان من الممكن إنقاذهم من سوء المصير .

وحتى حين يعترفون بأخطائهم وسوء اختيارهم بعد فوات الأوان فإنهم لا يعدمون الحيلة النفسية التي يخففون بها من إحساسهم بالذنب عما جنوه على أنفسهم ، فيلقون ببعض المسئولية على الأهل ويشركونهم معهم في الجناية فإن عدموا الحجة على اتهام الآباء والأمهات بعدم الحزم الواجب معهم في الوقت المناسب ، رغم معارضتهم الصارمة لهم في حينها لم يعدموا الحجة الأخرى على اتهامهم بالضعف العاطفي معهم مما أضر بهم وعرضهم للمهانة والهوان فيما توسلوا هم أنفسهم لدى آبائهم بالدموع لكيلا يعترضوا طريقهم إليه، تماما كما تفعلين أنت الآن يا سيدتي بتركيزك على الحديث عن أثر تدليل أبيك الزائد لك وضعفه العاطفي معك ، في اكتمال فصول قصتك مع زوجك رغم بداياتها المنذرة بالتعاسة.

 

وهي مشكلة قديمة أزلية عبر عنها الشاعر العربي تعبيرا معجزا في إيجازه حين قال :

أواه لو عرف الشباب

وآه لو قدر المشبب

لأن الشباب يقدر على الفعل لكنه لا يعرف للأسف ، والمشيب "يعرف" لكنه لا يقدر على الفعل ولا على أن يرغم أحدا على الاستفادة بحكمته وخبرته ومعرفته .. ولست ادري كيف تعاميت يا سيدتي عن هذه النذر الصارخة التي نبهتك البدايات المبكرة إلى ما تقدمين عليه وبالرغم من ذلك فلقد واصلت السير على الطريق المنحدر إلى الهاوية الواضحة لكل ذي عينين.

لقد تكتمت تساؤلات زوجك المريبة وأنتما في مرحلة الخطوبة لكيلا تثير شكوك الأهل فيه ، ويتعاونوا على إقناعك بسوء نیته ومطالبتك بفسخ ارتباطك به ، ولا تفسير لديك لذلك سوى أن كنت قد أحببته وأردته لنفسك فهل يغير تجاهل الحقيقة شيئا من طبيعتها ؟

بل إنك أكثر من ذلك قد مارست ضغطك العاطفي على أبيك لکي يستجيب لما لا يقبله العقل والعدل من مطالب زوجك القادر والطامع ماديا في مال أبيك ، فكيف كنت تتصورين أن تنشأ علاقة زوجية سليمة بينك وبينه وهو لا يجهد نفسه حتى في إخفاء مطامعه المادية فيك وفي أبيك.

 



 

على أية حال يا سيدتي فلقد انتهت تجربتك المريرة مع هذا الزواج الخاطئ منذ البداية وشاءت الألطاف الإلهية لك ألا تضيف إلى ما خسرت فيه من سعادتك وصحتك وعمرك وكرامتك وبراءة مشاعرك .. المزيد من الخسائر التي لا يمكن تعويضها كخسائر الأبناء النفسية عند انفصال أبوين أساء أحدهما اختيار شريکه .

واسترددت بمعجزة إلهية تنبه الغافلين عما يغفلون عنه في

حماة صراعهم على عرض الدنيا التافه ، كل ما كان قد استولى عليه زوجك الراحل عنوة واغتصابا وتجبرا على زوجة ضعيفة وصهر شيخ ، وآن الأوان لأن تطوى هذه الصفحة الدامية بذكرياتها المريرة ونهايتها المأساوية البشعة من حياتك ، وأن تواصلي الطريق إلى الأمام بقلب يتطلع إلى نيل نصيبه العادل من السعادة والأمان ، ففي أعقاب مثل هذه التجارب المريرة لا يملك الإنسان إلا أن يتطلع إلى الغد بقلب يأمل في السعادة والتعويض الإلهي العادل له عن سنوات الشقاء، ولا يملك إلا أن يقول مع الشاعر :

 وكان ما كان مما لست أذكرها

فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

 نعم.. يا سيدتي ، فظن خيرا ولا تسأل عن "الخبر" لكيلا يعيدنا "الخبر" إلى أجواء الماضي الذي تجرعنا فيه التعاسة والشقاء بغير ذنب جنيناه سوى أن طلبنا السعادة من أبوابها المشروعة، ولكيلا نظل أسرى لهذه التجارب المريرة بعد أن استوفينا كأسنا فيها من الشقاء ، فيمتد بذلك أثرها على حياتنا إلى ما لا نهاية .. ونشقی باجترار مرارتها في حاضرنا كما شقينا بتجرع آلامها في ماضينا.

وليست هناك تجربة مريرة يشقى بها الإنسان ولا يستفيد بها بالرغم من آلامها .. ولا يضيف منها إلى خبرته بالحياة ما يجنبه تكرار الأخطاء .. والوقوع في نفس الشراك الخادعة .. بإذن الله .

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1997

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات