الأغلال .. رسالة من بريد الجمعة عام 1991
وكانت النتيجة أن ثمرة تعبي
ومجهودي خلال 10 سنوات من العمل المضني بالتجارة .. قد تسربت بكل سلاسة وهدوء من
بين أصابعي واستقرت في هذا العش الجميل .. وأنا في حالة استنزاف مستمرة ولا أقدر
على الرفض أو المقاومة كمن ينزف دمه أمامه ولا يستطيع وقف نزيفه .. وكل ذلك وزوجتي
وأم أولادي تعرف بالمحنة التي أعيشها من الآخرين ولم تواجهني ولو مرة واحدة .. بل
وتدافع عني عند أهلها حرصا منها على انقاذ أسرتنا وأبنائنا من الضياع .. وأكثر من
ذلك تعطف علي عطفا خفيا رغم جرحها الأليم مني .. وتداري دموعها بعيدا عني ويختلط
في عينيها الأسى بالاشفاق باللوم الصامت لي .. وتدعو لي في صلاتها أن ينجيني الله
من هذه الهوة التي وقعت فيها والتي تمتص دمائي ببطء وتلذذ.
جميع الحقوق محفوظة لمدونة
"من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
ولــكــاتــب هــذه الــرســالة أقــول :
حذرك من الشر هو نصف المعركة
ضده ! هكذا تقول الحكمة المأثورة .. وهكذا علمتنا تجارب الحياة .. لكن رسالتك
وحدها تكفي لأن تعلم من لا يريد أن يصدق أن للخطيئة ثمنا غاليا يدفعه المرء من
كرامته وصحته وماله واستقراره النفسي والعائلي .. وأن للالتزام الخلقي أيضا عائده
الكبير الذي قد لا يلمسه صاحبه كاملا إلا إذا عرضت له قصة كقصتك فيعرف أن لحرمان
النفس من الانسياق وراء أهوائها قيمة كبرى أبسط مظاهرها أن يعيش حياة الأحرار بل
يملك إرادته، يفعل ما يؤمن به ويرفض ما لا يقتنع به ويملك أن يقاوم ما يرى مقاومته
لأنه إنسان حر وليس عبدا رقيقا يفعل ما يؤمر به حتى ولو ضاق به وسخط عليه.
هذا يا سيدي هو ما يتصوره البعض
"حرمانا" من اللذات غير المشروعة ومن الأهواء .. وهو في حقيقة الأمر كرامة
إنسانية وحرية إرادة ورفض لقيود الرذيلة وعبوديتها وأغلالها واحترام النفس قبل أن
يحترمها الآخرون.
إن من ينزل بقدميه إلى المستنقع
ليس من حقه أن يشكو البلل .. وأنت قد نزلت إلى المستنقع بكل أسف .. لكن بللك أو
بلاءك فاق كل توقع .. ربما ترى أنك بما فعلت وبما قدمت راغما من مال قد كفرت عن
جنايتك .. لكني أختلف معك في ذلك وأرى وأنا من لا ينصح أبا وزوجا أبدا بأن يعرض
زوجته وأبناءه لمحنة الزواج من أخرى بلا ضرورة شرعية أنك لو كنت قد أصلحت خطأك مع
هذه الفتاة مهما كانت مسئوليتها عن استدراجك إليه , بالزواج منها لكان ذلك أكثر
شرفا لك وأكثر تكفيرا وأكثر قربى لله من كل ما فعلت حتى الآن .. ذلك أننا نحذر من
السقوط في دائرة المحرمات أما إذا انزلقت القدم إليها وقضي الأمر فإن علاج الخطأ
لا يكون بخطأ مضاعف وإنما يكون بفروسية الفارس الذي يتحمل أقداره مهما كانت
المخاطر ولا يجبن عن تحمل تبعات أفعاله مهما عظمت .. ثم يكون له بعد ذلك أن يفعل
بزواجه منها ما يشاء فإما أن يستمر فيه إلى النهاية وإما أن ينهيه بعد فترة وبعد
أن يكفر عن فعلته ويرضي ربه ويطلب صفح زوجته ومجتمعه عما كان , أما تصدير
"المشكلة" إلى شاب آخر وإغراؤه بالتسهيلات والمعجزات على قبوله ثم
اتهامه بعد ذلك بالمشاركة فى الاستغلال .. فهو حل أناني لا يليق بالرجال.
لا أريد أن أزيد من همك بلومي
لك .. إذ يكفيك ما أنت فيه وما تعانيه من قهر واستنزاف مادي ونفسي وإحساس بالذنب
تجاه زوجتك وأسرتك ونفسك .. لكني فقط أردت أن أضع الأمور في نصابها لكيلا يتصور
أحد أن ما فعلت هو السبيل الصحيح لعلاج مثل هذا الخطأ البشع إذا استسلم المرء
لأهوائه وسقط في الشباك المنصوبة له أو نصب هو الشباك لغيره من الضحايا أما شريكتك
في الإثم فلست أجد من الكلمات ما يليق بها وبأخلاقياتها المنهارة .. ابتداء من
نصبها للشباك حولك إذا صح ما تقول أو استجابتها لك وضعفها أمام بريق مالك إلى
أخلاقيات أسرتها البابلية المتساهلة الحقيرة إلى استباحتها لمالك بهذه الطريقة
الابتزازية الاجرامية إلى أفظع جرائمها وهي خداعها لهذا الشاب وتدمير معنوياته
واجتذابها له إلى دائرة الإغضاء والاستغلال إلى قبولها استمرار العلاقة معك رغم
رفضك زواجها .. انتهاء بقبولها النفسي والمادي لهذا الحل المنحط من كل الوجوه وآسف
لقسوة كلماتي .. وإن كان أسفي أكبر لمن جرت أمامهم هذه الأهوال وهم بها سعداء وراضون
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي النهاية أقول لك شكرا لرسالتك المصهورة بنار
التجربة والتي ستفيد كثيرين غيرك .. وأرجو أن تكون استفادتك أنت من التجربة
المروعة بحجم ما خسرت من مال واستقرار وحرية إرادة .. ولن أقول وكرامة أيضا مراعاة
لشعورك.
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" مارس
1991
كتابة النص من مصدره / بسنت
محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر