عريس لأختي .. رسالة من بريد الجمعة عام 1984

عريس لأختي .. رسالة من بريد الجمعة عام 1984

عريس لأختي .. رسالة من بريد الجمعة عام 1984


إن الشباب في بلادنا مثقل بالهموم والمشاكل وهو ككل شباب العالم يرغب في الزواج وفي الحياة الطبيعية, لكن يده قصيرة وآماله تتحطم غالباّ علي صخرة شقة الزواج ولو حلت هذه المشكلة ولو بعد عمر طويل لخفت أو لاختفت أزمة الزواج فلا تظلم شباب بلادك فهم ضحايا وليسوا جناة وألف لعنة علي أزمة المساكن التي لولاها ما بقيت فتاة ممتازة كشقيقتك دون زواج, ولما بقي شباب ممتازون آخرون بلا زواج ولا أمل فيه حتي الآن.
عبد الوهاب مطاوع

 كأني نكأت جرحاّ قديماّ في قلوب كثيرين حين نشرت منذ أسابيع رسالة الطبيب الشاب الذي يشكو رفض زميلاته له لمجرد انه مطلق أو صاحب سابقة واحدة في الزواج والطلاق, فقد انهالت رسائل قارئات وقراء كثيرين يروون تجارب مماثلة ورسائل أمهات وآباء يعرضون علي الطبيب الشاب التعرف عليه للتقدم لخطبة بناتهم المستعدات للقبول والترحيب به, ورسائل مطلقات يشاركنه عن بعد مشاعره ويقلن له إذا كان الرجال لا يستطيعون حل هذه المشكلة ويعانون منها فكيف تكون معاناتنا نحن معها, وأكثر من ذلك فقد تفضل بزيارتي آباء أفاضل يشغلون مراكز مرموقة يحبون التعرف على هذا الطبيب تمهيداّ للتقدم للزواج من بناتهم, وكعادتي في مثل هذه الظروف فإني أطلب ممن يتقدم بمثل هذا العرض أن يكتب اسمه وعنوانه لأضمه إلي ملف الرسائل التي تلقيتها تعليقاّ علي هذه القصة, وأستأذنه في أن أقدم عرضه مع غيره إلي صاحب الشأن على أن ينتهي دوري عند هذا الحد, وعلى أن يجري الاتصال مباشرة بين الطرفين دون تدخل مني فإذا وفقهما الله إلي الخير فلعلي أسمع به من بعيد.

     وأعود إلى قصة الطبيب الشاب فأقول إنني تلقيت رسائل عديدة تعليقاّ عليها آثار بعضها شجوني, وآثار بعضها ألمي لكن إحدى هذه الرسائل هزت وجداني بعمق لسبب هو أن كاتبها ليس أباّ أو أماّ لا يريان أية غضاضة في السعي الشريف لإيجاد زوج للابنة لكنه شقيق علي درجة عظيمة من الثقافة والتعليم والثراء, وشقيق أعزب لم يوفق للزواج حتى الآن لكنه غير مهموم بذلك وإنما مهموم أساساّ بإيجاد الزوج  لشقيقته قبل العثور علي الزوجة لنفسه, وهذا وحده يكفي لكي أحبه وأحترمه بلا سابق معرفة.

تقول كلمات رسالته:

 

     رغم مشاغلي العديدة كمهندس مدني أعمل وأمثل مصر خير تمثيل في مجال عملي, وسلوكي فقد رأيت أن أكتب لك معلقاّ علي رسالة الطبيب الشاب لأنها أثارت آلامي كثيراّ فأنا يا سيدي أعزب حتى الآن رغم نجاحي في حياتي, لكن ذلك لا يشغلني كثيراّ بقدر ما تشغلني مشكلة شقيقتي التي تغربت معي في السعودية لمدة 5 سنوات عملت خلالها مدرسة للغة الإنجليزية.

     


 

     بل وكذلك فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين زينت جارية لها وقالت لعلنا نتصيد بها فتي من فتيان قريش, أي نتصيد لها زوجاّ كريماّ وها أنا أنفذ ما فعلته وأعرض علي هذا الطبيب الشاب أن نبدأ معاّ بداية قد تكون غريبة لكنها صحيحة وسليمة ومشروعة فأدعوه إلى أن يفعل كما فعل الصحابي بنصيحة رسول الله, فقد كان يتخبأ لها ليرى من عرض عليه زواجها عن بعد قبل أن يتقدم لها وهاأنذا أفعل الشئ نفسه, وأدعوه لأن يسأل عنا ليري إن كنا نتكافأ معه اجتماعيا أم لا؟ فإذا رأي ذلك فإني أدعوه لأن يتقدم لها ليراها عن بعد فإن وافقه شكلها فإني أرحب به عضواّ في أسرتنا المكافحة وهذا هو عنوان عملها في مصر فلقد رأينا أن تعود إلي مصر لكي تجد فرصتها في مجتمعها.

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

     هذه هي الرسالة التي تلقيتها وأحببت كاتبها واحترمته كثيراّ والحق أني قد جازفت بنشرها غير متأكد إذا ما كان النشر سوف يثير ضيقه أم لا؟ وعذري انه لم يطلب مني صراحة عدم نشرها فرأيتها فرصة لكي أقدم للبعض صورة لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة الصحيحة بين الأشقاء من الإيثار والاهتمام بحياة الآخر والتنازل قليلاّ عن بعض الاعتبارات في مقابل إسعاد الآخرين, إنني أحيي فيك يا صديقي كل هذه الفضائل وأحيي فيك اهتمامك بسعادة شقيقتك ومستقبلها لكني أهمس في أذنك همسة صغيرة عن تساؤلك عما يريد شباب مصر؟

     فأقول لك إن الشباب في بلادنا مثقل بالهموم والمشاكل وهو ككل شباب العالم يرغب في الزواج وفي الحياة الطبيعية, لكن يده قصيرة وآماله تتحطم غالباّ علي صخرة شقة الزواج ولو حلت هذه المشكلة ولو بعد عمر طويل لخفت أو لاختفت أزمة الزواج فلا تظلم شباب بلادك فهم ضحايا وليسوا جناة وألف لعنة علي أزمة المساكن التي لولاها ما بقيت فتاة ممتازة كشقيقتك دون زواج, ولما بقي شباب ممتازون آخرون بلا زواج ولا أمل فيه حتى الآن..     


*نشرت في جريدة الأهرام باب بريد الجمعة سنة 1984

راجعها وأعدها للنشر
نيفين علي

Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات