أحلام الأمان .. رسالة من بريد الجمعة عام 1993
أثارت رسالة "غلطة
العمر" للزوج الذي كتب عقد إيجار شقة الزوجية بإسم زوجته فتدللت عليه
وأصبحت تتحكم فيه وتهدد بطرده إذا اعترض عليها خواطري، فقررت أن أروي لك أنا أيضا
قصتي .. بعد تخرجي في كلية الطب بعدة سنوات تزوجت من موظفة شابة كانت تحمل مؤهلا متوسطا
وتدرس للحصول على شهادة جامعية , وسافرت بعد زواجنا إلى إحدى الدول العربية وتركت
زوجتي في القاهرة لتستكمل دراستها , وعشت ثلاث سنوات وحيدا إلى أن حصلت على
شهادتها ولحقت بي مع بناتي الثلاث الصغيرات وعشنا معا العام الرابع ثم قدمت
استقالتي وعدت لبلدي , فاستأجرت عيادة صغيرة , واستأجرت بعد دفع المطلوب شقتين
متجاورتين وأزلت الحائط الفاصل بينهما فأصبحا شقة كبيرة واسعة , وقررت أن أكتب عقد
الشقتين بإسم زوجتي ولا عجب في ذلك فهي زوجتي وحبيبتي وشريكة عمري طوال 13 عاما
وأم بناتي الثلاث , وأصررت على ذلك رغم معارضة مالكة العقار قريبة زوجتي , وقلت
لنفسي وماذا يغير ذلك من الأمر .. وماذا ستفعل زوجة في الخامسة والثلاثين ومثقلة
بثلاث بنات وانتهيت إلى الإصرار على ما أردت وتمت كتابة العقد وتجهيز الشقة وأودعت
كل ما تبقى لي من مدخرات في وديعة شهرية بأحد البنوك كحساب مشترك بإسمي واسمها
ولكل منا الحق في السحب والإيداع فيه دون الرجوع للآخر , وسعدنا بما أنعم الله علينا
به من حياة عائلية هادئة ومدخرات تؤمن لنا مستقبلنا وعمل يحقق لي رزقا كريما .. وبعد
ثلاثة شهور اكتشفت بالصدفة شيئا هز كياني من الجذور وآثار حيرتي .. فقد اكتشفت أن
زوجتي وشريكة عمري قد قامت بتحويل كل ما كان في الحساب المشترك بيننا من مدخرات
إلى حساب مستقل بإسمها وحدها ! ورفضت أن أصدق ذلك في البداية فتوجهت للبنك وتأكدت
منه , وازددت اهتزازا حين عرفت أنها قد قامت بهذه العملية بعد أسبوع واحد من فتح
الحساب وإيداع النقود , أي والله يا سيدي بعد أسبوع واحد فقط لا غير , وغرقت في
بحر من خيبة الأمل والإحساس بالخديعة وواجهتها بما عرفت فاعترفت به ببساطة وبررته
برغبتها في تأمين مستقبلها ومستقبل البنات ! وتعجبت ماذا تريد من تأمين أكثر من
زوج مخلص ومحب وشقتين وأثاث وذهب ومال في البنك , واستأت لهذا المنطق الغريب
وخيرتها بين أن تعيد الحساب كما كان , أو أن تفقدني وسألتها : ماذا تختارين .. أنا
أم حساب البنك ؟ فأجابتني بهدوء أنها تريد الاثنين معا , أي تريد استمرار الحياة
بيننا مع بقاء حساب البنك كما هو بإسمها , فأعطيتها مهلة لمدة 3 شهور لتصحح الوضع
وتنقذ علاقتنا من الدمار وهجرت بيت الزوجية إلى شقة صغيرة شبه خالية من الأثاث
موروثة عن أبي , وأقمت بها أتجرع المرارة والألم وليس من أجل المال فالمال يمكن
تعويضه ولكن من أجل الحب الذي ضاع والعشرة التي بيعت لأتفه الأسباب , ومضت الشهور
الثلاثة ولم تغير زوجتي رأيها ولم تتنازل عن مطلبها وهو : الاثنان .. أنا والمال
معا , فيئست منها وطلقتها وخرجت من المحنة مصابا بإرتفاع في ضغط الدم وبالسكر
وحمدت الله على كل شئ وقررت أن أبدأ حياتي من جديد , ولم يتخل عني ربي فلم يمض عام
آخر حتى كنت قد عدت للعمل في الخارج من جديد وبعد فترة تعرفت بمحامية وتزوجتها
وسعدت معها وأنجبت منها طفلين أكبرهما في الخامسة وتركت طوال هذه السنوات أمر
زوجتي السابقة لخالقها واحتسبت ما فعلته بي عنده وقلت لنفسي دائما كلما تذكرت ضياع
العشرة بسبب المال والطمع حسبي الله ونعم الوكيل.
ومنذ عامين سمعت أن زوجتي
الأولى قد فقدت كل ما اغتصبته مني في كارثة شركات الأموال .. ودخلت بعد ذلك في
دوامة الصكوك والمدعي الاشتراكي والـ 5% والـ10%
بلا نهاية , وأنها أيضا لم تستطع الاستمرار في الحياة في الشقة الواسعة بسبب نزاع
حولها نشب بينها وبين قريبتها مالكة العقار فأغلقتها وعادت للإقامة مع والدتها في
شقة صغيرة بالحي الشعبي وعلمت بكل ذلك بالمصادفة وتعجبت له .. فالمال الذي باعتني
به طار والشقة لم تتمتع بها ولم تتمتع بها بناتنا ؟ وزرت بيت أمها لاطمئن على
بناتي فإذا بي أحس أنني أعامل كبقرة حلوب من البنات قبل أمهن , فهربت من هذا الجو
البغيض ولم أتحمل نفسيا هذه المعاملة وأحسست أني سأضيع ما جمعت في ثانية وهو من حق
طفلين صغيرين ينبغي أن أؤمن لهما مستقبلهما قبل أن تخونني صحتي العليلة أو توافيني
المنية فابتعدت وانقطعت أخبارهن عني منذ ذلك الحين وساعد على ذلك أن زوجتي الحالية
تخيرني بين الابتعاد عنهن أو الانفصال بحجة أني سأضيع مرة أخرى ما جمعت عليهن
وإنها ستضيع هي وأولادها بعد ما عانته معي من كفاح في الغربة منذ اليوم الأول.
وأنا يا سيدي لم أتوصل إلى ما
سأفعل بعد بشأن بناتي الثلاث عند عودتي لمصر في الإجازة فإني إذا زرتهن فسيكون
مصير بيتي الحالي هو الهدم .. فماذا أفعل ؟
إني انتظر ردك موجها إلى زوجتي التي فشلت في
إقناعها بأنهن بناتي ومن واجبي الاطمئنان عليهن ولو من بعيد كما أرجو أن تكتب لكل
زوجة في العالم العربي أن الزوج الطيب وحده هو السند والأمان والاستقرار والمستقبل
وأن كل شئ آخر مصيره إلى الزوال.
جميع الحقوق محفوظة لمدونة
"من الأدب الإنساني لعبد الوهاب مطاوع"
abdelwahabmetawe.blogspot.com
ولكــاتب هــذه الــرســالــة أقـــول:
آخر من يحق له أن يظلم أحدا، هو
من عرف الظلم وتجرع مرارته , وأنت يا صديقي قد خبرت مرارة الغدر .. واغتصاب زوجتك
الأولى لمالك وتضحيتها بعشرة السنين وأقدس الروابط من أجل متاع تافه ورأيت برهان
ربك بعينيك فيمن ظلمك ونقض عهدك , فكيف يحق لك يا سيدي أن تظلم غيرك ؟
إن بناتك لسن مسئولات عن اغتصاب
زوجتك لمالك , ولا عن سوء تصرفها الذي أدى إلى تبديد معظمه , ومسئوليتك عنهن طائر
في عنقك يلزمك في كل الأحوال .. سواء حفظت أمهن العهد أو تخلت عنه .. وسواء أحسنت
التصرف فيما اغتصبت أو أسأته .. وبعدك عنهن وتخليك عن مسئوليتك الأدبية والمادية
عنهن ليس مما يقبل منك بدعوى الخوف على ما جمعت من جديد أن يتبدد مرة أخرى أو بزعم
أنه حق طفليك الصغيرين وحدهما , فالحق أنك مسئول عن كل أبنائك ومطالب بالعدل بينهم
, ولقد عرفت بالتجربة أن المال وحده ليس أمانا ضد تقلبات الأيام , وأن التقوى
والعدل وكسب الحلال هي وحدها الأمان كل الأمان ضد غوائل الحياة , فإذا أردت حقا أن
تؤمن مستقبل طفليك الصغيرين فلا تحرم أخواتهما من أجلهما وإنما أد واجبك تجاههن
بالعدل والاعتدال .. والحق أنك لو كنت من البداية قد قررت أن تكون "أبا"
لبناتك بغض النظر عما ارتكبته أمهن في حقك , لما واجهت هذه المشكلة الآن مع زوجتك
الحالية حين أردت أن تستدرك ما فاتك وتؤدي بعض واجبك تجاههن , لأنه ليس من حق أحد
أن يمنع أبا عن بناته ولا أن يخيره بين الابتعاد عنهن أو الانفصال وهدم أسرة
وتمزيق طفلين صغيرين بين الأبوين , لهذا فإني لا أخاطب زوجتك لكي تسمح لك بزيارتهن
عند عودتك في الإجازة كما تريد .. وإنما أخاطب ضميرك أنت وأطالبك بألا تعاقب بناتك
بما فعلت أمهن .. وبألا تتردد في أداء واجبك في حدود العدل والامكان معهن بغير أن
تتوقف أمام هذا التهديد لأنه ليس جادا ولا يتطلب منك سوى طمأنة زوجتك إلى أن
معاودة الاتصال ببناتك لن يفتح الباب لعودة المياه إلى مجاريها بينك وبين أمهن مهما
كانت الأحوال ولن يؤثر على سعيك لتأمين مستقبل طفليك منها .. فإذا خاطبت زوجتك بشئ
بعد ذلك فلن أقول لها سوى إن أعانتك على أداء هذا الواجب الديني تجاه بناتك هو خير
ما تقدمه هي لطفليها من ضراعة إلى ربها لأن يحفظهما ويرعاهما .. ويحميهما من كل
سوء في قابل الأيام.
أما حديثك عن الصحة والعمر ورغبتك في تأمين
مستقبل الطفلين قبل أن ينتهي الأجل فلا تعليق لي عليه سوى أن الإنسان مطالب بأن
يؤدي واجبه باعتدال تجاه أولاده وأسرته , ثم يدع الأمر بعد ذلك لصاحب الأمر يصرفه
كيف يشاء , لأن المغالاة في المخاوف لن تغير من المقدور شيئا .. ولن تورثنا سوى
المعاناة والقلق والوساوس .. ولقد لمست أنت نفسك أن مغالاة زوجتك السابقة في الخوف
من المستقبل واستيلاءها على مالك لتؤمن به مستقبلها ومستقبل بناتها لم يحقق لها أو
لهن أي أمان , فمم نخاف وكل شئ رهين بإرادته مهما احتطنا واحترسنا وتسلحنا بكل
سلاح ؟
"أليس
الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه " صدق الله العظيم
يا صديقي لا تشغل بالك بهذه
المخاوف وواصل كفاحك الشريف لتحقيق "الشديديدن" اللذين تحدث عنهما بعض
الأئمة وهما "كسب من حلال وانفاق على العيال" وثق أن الله لن يتخلى عنك
أو عن أبنائك بإذن الله.
نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" فبراير 1993
كتابة النص من مصدره / بسنت
محمود
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر