ابتسامة الصابرين .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

 

ابتسامة الصابرين .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992


ابتسامة الصابرين .. رسالة من بريد الجمعة عام 1992

 

أكتب إليك هذه الرسالة بعد أن قرأت رسالة "فاتورة الألم" عن الفتاة ابتسام ذات السبعة عشر ربيعا التي فقدت في حادث قطار مؤلم احدى ساقيها واحدى ذراعيها بالكامل ورسغ يد الذراع الأخرى وكيف أنها صابرة على ما أصابها وتتقبل أقدارها بإيمان صادق وتلقى الجميع بابتسامة الصابرين , فلقد عرفت من هذه الرسالة كم أنا جاحدة لنعمة ربي ذلك أني سقطت وأنا صغيرة على قدمي اليسرى فكسرت وتكرر الوقوع والكسر ثلاث مرات حتى أصبح كسرا مضاعفا وحالت الظروف وقتها دون أن أتلقى علاجا كافيا أصبحت النتيجة أنني حين أمشي أعرج قليل وحدث كل ذلك في طفولتي ولم أدر عنه شيئا إلا حين كبرت وبدأت اكتشف أن الناس ينظرون لي وأنا أمشي وأحسست بالحرج الشديد وأصبحت اتحاشى الخروج حتى زاد وزني وأصبحت أحس بالتعب إذا مشيت .. وفحصني الطبيب وأكد أني في حاجة  لجراحة جديدة في قدمي اليسرى في نفس الموضع وفرحت جدا لأني سأتخلص من العرج ثم صدمت بعد ذلك بأني لم أتخلص منه وإنما سأستعيد فقط القدرة على المشي بلا ألم.

 وأجريت العملية وتحسن المشي بلا ألم فعلا والحمد لله .. ومنذ عامين سقطت مرة أخرى وكسرت ذراعي اليمنى واحتجت لاجراء جراحة فيها وتمت الجراحة بوضع شريحة و6 مسامير من البلاتين في ذراعي وخرجت من مستشفى قصر العيني محطمة أتساءل .. لماذا أنا بالذات من يجري لها ذلك خاصة بعد أن بدأت أشعر بنفس الألم القديم في ساقي , لكن ماذا في يدي أن أصنع وأنا عمري 25 سنة وحاصلة على دبلوم تجارة ولي شقيقتان وولد , وقد تزوجت الشقيقتان والحمد لله وخطب شقيقي فتاته ويستعد للزواج .. وقد قرأت ما جرى من ابتسام وما تحس به من رضا واطمئنان "فزعلت" من نفسي كثيرا وكرهت أن أكون جاحدة لنعمة ربي وأنا أخدم نفسي وأهلي وأقوم بكل ما تقوم به أي فتاة .. كما أن بي بعض الجمال وخفة الدم والحمد لله فازددت شكرا لله ودعوته أن يتكفل الجميع برحمته وأن يخفف عن ابتسام التي أحببتها على البعد وتعلمت من إيمانها وصبرها الكثير .. وأريد أن أسألك هل حقا يجزي الله سبحانه وتعالى عباده عما يصيبهم في الحياة من آلام وعذاب ؟

 
ولــكــاتــبة هــذه الـرســالــة أقــول :

 

نعم ففي الحديث الشريف أنه ما من شوكة تصيب المؤمن إلا ويمحو بها سيئة من سيئاته ويعلي بها درجاته , وآلام الحياة كثيرة يا آنستي ولكل إنسان من همه ما يشقيه ومن حظه ما يرضيه ولم تخل حياة إنسان أبدا مما يحزنه أو يتطلع إليه .. وفي أحيان كثيرة أتذكر "وصفة" الحكيم الذي حبسه الحاكم وطال حبسه في أشق الظروف فرأوه رغم معاناته هادئ البال فتعجبوا لصبره وسألوه عن سره .. فقال : اصطنعت ستة أخلاط ومزجتها ببعضها فكان من أمري ما ترون الأول : الثقة بالله , والثاني : كل ما شاء الله كائن والثالث : الصبر خير ما استعمله المبتلى والرابع : فإذا لم أصبر فماذا أصنع ؟ والخامس : هناك من هو في حال أشد مما أنا فيه .. والسادس فمن ساعة إلى ساعة فرج !

ومؤكد أننا جميعا في حاجة لأن نتعامل مع مشاكل الحياة وشدائدها بهذه الوصفة الحكيمة وأنت قد استفدت من بعضها حين أحسست بالخجل من ضيقك السابق بما أصابك وهناك من هم اشد ابتلاء منك كالفتاة الطيبة ابتسام وغيرها كثيرون , فكأنما قلت مع شكسبير : هلم نتذكر مصائب غيرنا لعلنا ننسى مصائبنا ! جنبك الله وجنب الجميع المكاره وخفف عن المبتلين أحزانهم والسلام .

رابط رسالة فاتورة الألم 

رابط رسالة الرابطة تعقيبا على هذه الرسالة

نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" مايو 1992

كتابة النص من مصدره / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات