الاسم البغيض .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

 

الاسم البغيض .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989

الاسم البغيض .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989


أنا سيدة في السادسة والثلاثين من عمري اشغل منصبا مرموقا بإحدى الشركات الكبرى رغم صغر سني .. فمنذ عشر سنوات تزوجت من إنسان كافحت طويلا لكي ارتبط به حتى نجحت في تذليل العقبات وتم زواجنا لكنه لم يستغرق سوى ثلاث سنوات صارعت خلالها كثيرا وحاولت طويلا الاستمرار فيه فلم أوفق واضطررت إلى الانفصال .. وليست هذه المشكلة إنما المشكلة الحقيقية هو ما حدث بعد الطلاق .

فمنذ سبع سنوات حتى الآن وأنا أعاني من مشاكل عديدة سببها كلها أني أحمل هذا الاسم البغيض "المطلقة" .. ولن أسهب في سرد هذه المشاكل لكني سأسرد لك بعضا منها فقط صادفته خلال سنواتي المريرة وأوله أن كل صديقاتي قد أصبحن فجأة يخفن مني على أزواجهن بشكل ملحوظ بعد أن كنت موضع ترحيبهن وإعجابهن ويسعين إلى زيارتي ودعوتي إلى زيارتهن ، أما بعد الطلاق فقد أصبحن يحرصن على عدم زيارتي مع أزواجهن إلا للضرورة القصوى، ولا يدعونني لزيارتهن في معظم الأحوال إلا إذا كان الزوج غائبا أو مسافرا واختصر بعضهن الطريق وتجنبني وتجاهلني نهائيا في كل مناسباتهن العائلية مع أني لم أتغير ولم تتغير أخلاقي ولن تتغير سواء كنت متزوجة أم مطلقة ، ومع أن الخطر الموهوم على الأزواج ليس مصدره المطلقة وحدها .. إذا كان هناك خطر .. ونتيجة لذلك فقد اضطررت إلى أن أحد من زياراتي المنزلية للصديقات والأقارب بالرغم من إني اجتماعية وأحب الناس واخدم كل من يلجأ إلي طوال حياتي .

 

أما الشيء المؤلم حقا فهو نظرة الرجال إلى المطلقة .. وهي نظرة غريبة جدا ومستقرة في الأعماق على خلاف ما يظهر فوق السطح عند معظم الرجال .. فهم ينظرون إليها كفريسة سهلة المنال .. كأن الشيء الوحيد الذي يعصمها من الخطأ هو عذريتها فقط وليس دينها وخلقها ومبادئها .. ويتصورون أنه مادامت المرأة قد تزوجت وفشلت وطلقت فمن السهل عليها أن تفعل أي شيء .. والدليل على ذلك هو أن كثيرين من الرجال قد تقدموا لخطبتي وما إن علموا بأني مطلقة حتى فروا هاربين كأن المطلقة مرض جلدي أو وباء يخشون انتقال عدواه إليهم .

أما من هم على استعداد للتقدم ومواصلة الطريق فهم فقط .. متزوج من قبل ومعقد نفسيا .. أرمل وعنده أطفال ويريد لأطفاله أما ثانية .. أو نصف متعلم .. أو جاهل .. أو شاب صغير يرغب في الشقة والمال لأنه بلا أي إمكانيات ولأني مستقرة ماديا .

 

والشيء الأغرب الذي تأكدت منه خلال سبع سنوات هو التناقض العميق بين أفكار الرجل المصري الكامنة داخله وبين ما يتردد على لسانه من كلام متحرر براق .. فهو إذا ما جلس وسط مجتمع من الرجال والنساء وجاءت سيرة المطلقة ومشكلتها قال : ما هذا التفكير المتخلف .. وماذا يعيب المطلقة ؟ وإذا فكر في الزواج فإنه يستبعد المطلقة من "شبهة" التفكير في الارتباط بها وربما استبعد أيضا من سبق خطبتها من قبل .. ومع أن هذا الرجل يعرف أن أخته وربما ابنته يمكن أن تصبح بين يوم وليلة مطلقة مثل من يستبعدهن من تفكيره في الزواج ومن يحاول افتراسهن لمجرد أنهن مطلقات.

 


ولكاتبة هذه الرسالة أقول :

 لن أدافع عن الرجال يا سيدتي فأقول لك أن فكرتك عنهم ظالمة أو أن ما تتصورينه عن أفكارهم عن المطلقة وهم لأن بعضه صحيح للأسف ويشترك فيه الرجل مع المرأة بدليل ما تشكينه أنت نفسك من خوف صديقاتك على أزواجهن منك بلا مبرر .. على أني أقول لك رغم ذلك أنه ليس كل الناس أشباها فهناك كثيرون من النساء والرجال يعرفون تماما أن المطلقة ليست سوى امرأة سيئة الحظ لم توفق في حياتها الزوجية وربما فرض عليها الفشل فيها، وأن الحالة الاجتماعية للمرأة ليست المعيار السليم للحكم على أخلاقها .. وإنما قيمها الدينية والتزامها الخلفي هو المعيار الصحيح للحكم عليها وللاقتراب منها أو الابتعاد عنها.

 

وهناك كثيرون يؤمنون بذلك ويعملون به ويعرفون أن الاقتران بالمطلقة والأرملة عمل مرجو من الفضلاء سترا وصونا لهما .. وقد ضرب لنا المثل في ذلك الرسول الأمين الذي تزوج من ثيب هي مطلقة دعيه زيد، ومن أرملة هي ابنة عمر بن الخطاب التي عرضها أبوها على صاحبيه علي وعثمان فسكتا عنها وبث همه إلى الرسول فطيب خاطره وقال له : يعوضك الله بخير منهما وحين تعجب عمر وتساءل : من خير من علي وعثمان ؟ قال : أنا وتزوجها رابا للصدع وإرضاء لصاحبه.

 

 هكذا يفعل الفضلاء لأن السعادة ليست مقصورة على من يتزوجون لأول مرة .. وكم رأينا في الحياة من قصص زواج ناجحة سبقتها تجارب زواج فاشلة لأحد الطرفين أو لكليهما معا .. لأن من جرب الفشل يصعب عليه أن يقبل به من جديد .. ويبذل غاية جهده لكي يتفاداه حتى لا يتجرع مرارة الندم التي تعرفينها الآن .

ولعلك تذكرين قصة ملك بريطانيا في الثلاثينات الملك إدوار الذي وقفت الكنيسة والبرلمان والحكومة ضد رغبته في الزواج من مسز سمبسون المطلقة الأمريكية التي أحبها ، فتنازل عن عرش بريطانيا حين كانت إمبراطورية لا تغرب الشمس عن أملاكها وتزوج بمن أحبها وعاش حياته معها حتى آخر يوم من عمره .. وحين سئل بعد ثلاثين عاما من زواجهما هل ندم على التنازل عن العرش من أجل امرأة مطلقة قال : لم اشعر بالندم لحظة .. فقد عشت حياتي كما أردتها أنا إذ ماذا يجديني لو كنت ملك العالم وأنا إنسان تعس؟

 

لكني أريد أن أضيف سببا آخر يسهـم في معاناة بعض المطلقات هو أن بعضهن يطالبن الرجل بأن يتغاضى عن تجربتهن السابقة وهذا مطلب عادل .. لكنهن في نفس الوقت لسن على استعداد كبير للتنازل عن بعض مواصفات الزوج الملائم في نظرهن كالمطلق وله طفل مرفوض عندهن والأرمل مرفوض والعزب الذي لم تتوافر له الإمكانيات المادية اللازمة مرفوض أيضا، فتقل فرص الزواج أمامهن لأنهن يفكرن فيه بمنطق الفتاة التي في مقتبل عمرها وتطلب لنفسها الحد الأقصى من كل شيء .

والتجربة السابقة ليست عيبا بكل تأكيد لكنها بشكل أو بآخر خصم من مؤهلات الفتاة المرشحة للزواج ينبغي أن يعادله خصم آخر مناسب في مطالبها فيمن تتزوجه وهكذا تلتقي النوايا الطيبة عند نقطة وسط وتزداد فرص اللقاء .. فلعلك قد أدركت هذه الحقيقة الآن واقتنعت بها لكي تساعدي نفسك على حل مشكلتك .. ولعل رسالتك هذه التي اعتبرها صرخة صادقة سوف تغير أفكار كثيرات ممن يستسهلن التفكير في الطلاق لأسباب غير جادة ولا مقبولة . فشكرا لك نيابة عنهن ! وتمنياتي لك بالسعادة والتوفيق .

بتاريخ 17 مارس 1989

رابط رسالة السؤال تعقيبا على هذه الرسالة

رابط رسالة المدرج الكبير تعقيبا على هذه الرسالة

 نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1989

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات