طيف الغائب .. رسالة من بريد الجمعة عام 2004

 طيف الغائب .. رسالة من بريد الجمعة عام 2004

طيف الغائب .. رسالة من بريد الجمعة عام 2004

تعودت أن أحتفظ بصفحات بريد الجمعة لأرجع لقراءتها وأستعيد ما بين سطورها بحثا عن السكينة والهدوء النفسي وتعزية لما يثقلني من هموم ومصاعب في رحلة الأيام‏.‏
فأنا أبلغ من العمر‏63‏ عاما قضيتها في صراع مع الحياة للتغلب على الظروف الصعبة وتربية الأبناء‏.‏
وقد وفقني الله وأعانني على أداء هذه الرسالة‏,‏ وأنهى الأبناء دراستهم وتزوج ابني الأكبر وابنتي وأخيرا ابني الثاني ياسر الذي استشهد في حادث سيارة برأس سدر في أثناء سعيه وراء الرزق بعد أن أوصدت أبواب الوظيفة أمامه‏,‏ وتخرجت ابنتي الأخرى وحصلت على ليسانس الحقوق وحصل ابني الآخر على ‏(‏دبلوم سياحة وفنادق‏)‏ والابن الأصغر على دبلوم السيارات‏,‏ وبخروجي على المعاش أصبحت أدير مشروعا  تجاريا بسيطا استثمارا للوقت وتحقيقا لتوفير الرخاء والسعادة للأسرة لما أقدمه لهم من مساعدة بجانب المعاش‏.‏

 

ولقد استشهد ابني وعمره ‏28‏ عاما وكان أعز الأبناء وصفوتهم لما يتميز به من أخلاق وطاعة وحب وانتماء‏,‏ وترك وراءه نهرا من الأحزان وترك الدنيا بمتاعبها وشقائها‏,‏ وكان عوني وسندي في مواجهة الأعاصير‏,‏ وكان الأمل والنور الذي نستضئ به ومميزا في تصرفاته وهدوئه وعقلانيته وذهب ليلقي ربه ومولاه ولله ما أعطي ولله ما أخذ‏,‏ وعندما قرأت رسالة اللحظات الرهيبة في بريد الجمعة 4‏ أبريل‏2003‏ التي يصف فيها الأب اللحظات الأخيرة من وداع ابنه الراحل‏,‏ هدأت نفسي واحتسبته عند خالقه وأسأل الله أن يرزقنا الصبر عند الابتلاء وأن يعوضنا عوض الصابرين.

فذكري ياسر باقية في القلب ولن تمحوها الأيام حتى انتهاء الأجل‏.‏

حيث استشهد في ‏2003/9/2‏ ومازالت صورته لا تفارق عيني‏,‏ وإنني لأكتب إليك هذه الرسالة والدموع تنساب من عيني دون إرادة مني‏.‏

لقد رأيته في المنام ثلاث مرات وأزوره في قبره دون انقطاع وأدعو له بالرحمة وأصلي على روحه الطاهرة ركعتين مع صلاة الفجر‏,‏ وأتصدق على روحه‏,‏ ولكن الفراق صعب‏,‏ وتقاسمني في هذا الشعور أمه فقد كان حبها الوحيد‏,‏ وكذلك أرملته التي لم تهنأ بصحبته سوى أربعة أشهر ولا أملك إلا الصبر عند الابتلاء‏,‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وما أطلبه منك هو أن أجد العزاء والسلوى في مواجهة هذه الصدمة وهذا الزلزال الذي أصابني في مقتل‏,‏ لقد كتبت له وصيتي قبل استشهاده‏,‏ والآن أصبحت شاردا غائبا عن وعيي بعد أن فقدت أغلى الأبناء والأخ والصديق‏.‏ وهكذا شاءت إرادة الله أن يغيب وأن يطويه القبر ويتوسده التراب‏..‏ وأن

يتركني لدموع لا تتوقف وحزن لا ينضب‏.‏

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

قدر الله وما شاء فعل يا سيدي‏,‏ ولسنا نملك في النهاية إلا الامتثال لمشيئته والتسليم بقضائه وقدره‏,‏ ومحاولة التخفيف عن أنفسنا والاقتناع بأنه لا جدوى لاستغراقنا في الحزن‏,‏ سوى أن تضعف مقاومتنا وتنهار صحتنا وتفترسنا الهموم والأحزان‏.‏
إن من يرحلون عنا لا يغيبون عنا برحيلهم عن الحياة وإنما يعيشون دوما في وجداننا‏,‏ ويشاركوننا خواطرنا وأفكارنا‏,‏ وتطوف بنا أطيافهم فتهدئ لوعتنا وتخفف حسرتنا لفراقهم‏,‏ وتجفف بعض دمعنا عليهم‏,‏ خفف الله عنك وعن أمثالك من المكلومين وعوضكم جميعا عمن فقدتم خير الجزاء
.

 رابط رسالة اللحظات الرهيبة

رابط رسالة الإشارة الغامضة تعقيبا على هذه الرسالة

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2003

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات