اللحظات الرهيبة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2003
قرأت رسالة
الأم المكلومة التي فقدت اثنين من أبنائها, واحدا بعد الآخر, وهما في ريعان
الشباب وتعاقب نفسها لأنها استجابت لرجاء ابنها الثاني بأن تتركه في المستشفى
وترجع إلي بيتها لتناول طعام الإفطار في رمضان مع أبيه وأخوته.. فما أن استجابت
لرجائه المشفق عليها, ورجعت إلى البيت حتى فاضت روحه الطاهرة.. وندمت هذه الأم
الثكلى ندما شديدا لأنها لم تكن إلى جوار ابنها في لحظاته الأخيرة.. ولأنني قد
مررت بهذه التجربة المريرة منذ نحو شهرين وحضرت لحظات ابني الأخيرة.. فإنني أقول
لهذه الأم إن الله سبحانه وتعالى قد لطف بك وجنبك هذه اللحظات القاسية.. فلقد
شاءت لي الأقدار أن أفقد ابني وفلذة كبدي وهو في الحادية والعشرين من عمره بغير
مرض خطير ولا حادث أليم, وإنما فقط شوية برد بسيط كما قال الأطباء, والله وحده
الذي يعلم سبب رحيله الذي احتار فيه نخبة من كبار الأطباء شهدوا نهايته, ولم
نعرف حتى الآن سبب وفاته, لكني كرجل مؤمن أرد الأمر كله إلى الله جل شأنه .. فلكل
أجل كتاب ولن تموت نفس إلا بإذن ربها كتابا مؤجلا.
وأقول للسيدة المكلومة إنك لو لم تستجيبي لرجاء
ابنك الراحل لكنت قد عانيت الأمرين كما أعاني أنا الآن حين أتذكر لحظات ابني
الأخيرة يرحمه الله.. أو حين ترد إلى خاطري مرارا وتكرارا فينخلع قلبي وترتجف
أوصالي وتنهمر دموعي, ويكاد الحزن يقتلني بعجزي عن إنقاذه أو التخفيف عنه, أو
حين تتردد في أذني آخر كلماته : أنا خايف تضيع السنة علي يقصد سنة البكالوريوس
الذي كان يستعد لأداء امتحانه فيها ولم يكن يعرف أن عمره كله على وشك الضياع,
رحمه الله, لكن ماذا نملك أمام إرادة الله الذي لا راد لقضائه ولا معقب على حكمه
ولا أقول إلا ما يرضيه إنا لله وإنا إليه راجعون.
وأنا معك في ردك علي هذه الأم المكلومة بأن الله قد رحمها بهذا التدبير الإلهي
وأعفاها من شهود هذه اللحظات الرهيبة والعصيبة والتي مررت بها أنا عندما جاءت
لحظات احتضار ابني الذي كنت أدخره لأيام العجز والعوز, ولكن ليس لنا إلا أن نقول
لله ما أعطى وله ما أخذ وكل شئ عنده بمقدار, وكما جاء بردكم الذي أثلج صدري وخفف
عني ألمي قولك قدر الله وما شاء فعل, وقد شاءت إرادته سبحانه أن يصبح من كان لنا
في الدنيا سرورا في الآخرة ذخرا وأجرا عظيما, ويبقى الأمل في رحمة الله أن ينزل
سكينته علي القلوب الملتاعة ويعين أصحابها علي أمرهم ويحسن مثوبتهم.
وأنصح هذه السيدة العزيزة بأن تردد دائما هذا الدعاء كلما اشتد كربها "الله
أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها" عسى الله أن يذهب عنها وعنا الكرب ويزيل
عنا الهم والحزن.. إنه بالإجابة لجدير وهو علي كل شئ قدير.
أسأل الله لكم العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة.. والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
رابط رسالة طيف الغائب تعقيبا على هذه الرسالة
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2003
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر