"ولا مؤاخذة" مرة أخرى .. بريد الجمعة عام 1983
لا أظنكم
نسيتم سریعا بطل قصة "ولا مؤاخذة"، التي نشرتها في الأسبوع الماضي عن الموظف
الحكومي الذي يرأس 6 من الموظفين ولم يجد حلا لضائقته المالية سوى أن يعمل "عازفا"
بدق الصاجات خلف راقصة في أحد ملاهي الهرم .. فالحق أني لم أنسه لحظة .. ومازالت
صورته وهو يقف مهيبا وسط أفراد التخت ليدق بالصاجات تطاردني وتصرخ منبهة إلى ما آل
إليه الحال تحت وطأة الحياة القاسية , لقد سألني هذا الموظف في رسالته النصيحة .
فطلبت بدوري المشورة من قراء البريد ، وأقسمت لنفسي أن أنشر كل كلمة تصل إلى
تعليقا على هذه القصة مهما كانت قاسية .. أو صادمة للمشاعر وسواء أكانت مؤيدة لتصرفه
أو معارضة له .. ليس رغبة في إيذاء المشاعر .. وإنما تصويرا لواقع لا يفيد إنكاره
... وإلقاء الضوء على شريحة من شرائح المجتمع تعاني ولا يحس بمعاناتها الكثيرون .. بل لعلها الآن
وبعد أن انقلب الهرم الاجتماعي في بلادنا وحدث الخلل الرهيب في تركيبه الشريحة
الوحيدة التي تقع فوق رؤوسها كل أو معظم متاعب الحياة في بلادنا الآن .. عاهدت
نفسي أن أنشر أراء القراء كاملة .. وأيضا ألا اعلق عليها .. لكي لا أؤثر على أحد
برأيي فيما سوف يستنتجه من آراء عينة من القراء حول مشكلة ليست سوى نموذج لمشاكل
قطاع عريض من قطاعات المجتمع وها قد فعلت ... فإقرأوا معي ماذا يقول قراء البريد :
-
القارئ عبد المجيد السيد
محروس من الإسكندرية يكتب إلي معلقا على القصة كيف يرتضى هذا الموظف الذي يرأس 6 موظفين أن
يعمل هذا العمل .. ثم لا تكون شكواه إلا من خوفه على مظهره أمام زملائه ومرؤوسيه ؛
وكيف ينسى أنه يبدأ هذا العمل في الحادية عشرة مساء كل ليلة وأنه لا يعود إلى
منزله قبل الخامسة صباحا ، وهذا معناه أنه لا يؤدي عمله الأساسي الذي يتقاضى عنه
من خزينة الدولة 80 جنيها كل شهر إلا ابتداء من الظهر .. الحق أن العيب ليس في
الصاجات لكنه في الطمع في عائد الصاجات أي في المائة والعشرين جنيها التي يكسبها
من هذا العمل ! .
-
-
أما القارئ السيد إبراهيم عبد الرازق
من المنصورة فيكتب لي : هذا المقال الذي نشر بعنوان "ولا مؤاخذة" كان
ينبغي أن ينشر بعنوان رسالة إلى أعضاء اللجنة التي تبحث وتقرر العلاوة الإضافية
للموظفين وهي تكون بحد ادني 3 جنيهات أو 5 جنيهات ، ليعرفوا كم يعاني الموظف ،
ورأیی الشخصي أن هذا الموظف صاحب قصة " ولا مؤاخدة" ينبغي أن يستمر في
عمله الليلي بالرغم من كل المحاذير ، وإن كنت وأنا أعاني شخصيا من مثل ظروفه لا
أقبل أن اصنع ما صنعه ، لكن مادام هو قد وجد في نفسه الشجاعة والقدرة على مواجهة هذا
الموقف فليستمر لينقذ نفسه من العوز .. وأرجوك أن تقول له ألا يخشى شيئا من ناحية
رؤسائه فربما لو علموا بالأمر لالتمسوا له العذر أو لعل بعضهم يرجوه على استحياء
أن يبحث له عمل مشابه !! فدعه يا سيدی يواصل حياته وليغفر لنا الله جميعا !
-
وكتب لي القارىء
الفريد عجبان دانیال الموظف بشركة مودی جرافيك للطباعة في لندن إنني شخصيا لا
أرى فيما أقدم عليه نقيصة ، فالنقائص هي أن يكون الإنسان مرتشيا أو فاسدا فلا تلمه
كثيرا على ما أقدم عليه.. وقل معي .. كان الله في عونه.
أما القاريء
فوزی عباس من شبين الكوم فقد أرسل إلي رسالة قصيرة لكن كلماتها لها دوي الرصاص
حين ينطلق من المسدس فهو يقول : أرجو من صاحب هذه المشكلة إذا حسم أمره وقرر أن
يترك هذا العمل أن يتصل بي لأحل محله فيه ، فعلى الرغم من أني أحمل مؤهلا جامعيا
واعمل منذ سنوات طويلة فلم يصل مرتبی بعد إلى ما وصل إليه دخله من عمله كعازف
صاجات .. ولامؤاخذة !
واترك لكم
التعليق على هذه الآراء أما أنا ففي حلقي غصة وفي نفسي مرارة . مما وصل إليه حالنا
.. ولا تعليق لدي .. جفت الأقلام ورفعت الصحف فقط أقول اللهم مالك الملك إننا لا
نسألك رد القضاء ، ولكن نسألك اللطف فيه .. فلا حول ولا قوة إلا بالله .. ورحم
الله مصطفى كامل الذي كانت أخر كلمة نطق بها وهو على سرير الموت وعلى صدره أخر عدد
صدر من جريدة اللواء قبل أن يسلم الروح لبارئها بلحظة "مسكينة .. يا مصر"
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1983
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر