عشرة العمر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1990

 عشرة العمر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1990

عشرة العمر .. رسالة من بريد الجمعة عام 1990

إن الحرص على " عشرة العمر " يجب أن يكون متكافئا بين الطرفين وليس من طرف واحد وإلا صار هوانا ومذلة !
عبد الوهاب طاوع

أعرف أن قصتي غريبة ويندر حدوثها لكنها الحقيقة المرة التي أعيشها والتي أريد لنفسي مخرجاً منها ، فمنذ 11 عاما تزوجت من زميل لي عقب تخرجنا من الجامعة وبعد قصة حب عنيفة توجها الله بالزواج ومنذ اليوم الأول من زواجنا كنت لزوجي الحبيب الزوجة والأخت والأم التي تحنو على طفلها المدلل وكان اتفاقنا منذ البداية هو أن نسرع بالإنجاب لأن زوجي يحب الأطفال ويتلهف على الإنجاب ، وطرت فرحا حين حملت في عامي الأول من الزواج لكنى أجهضت بعد قليل دون سبب معروف وحاولت أن أكرر الحمل مرة أخرى فلم يأذن الله لي به ولم تنجح جهود الأطباء في تحقيق أملي وأمل زوجي ، وسلمت أمري إلى من بيده أمر كل شىء وتفرغت لزوجي ولعملي كمدرسة وحرصت دائماً على أن أجعل من عشي الصغير واحة يستريح فيها زوجي وينعم فيها بحبي وحناني وطاعتي له في كل الأمور وسعد زوجي بحياته معي .. وتخلص قلبي من هواجسه بشأن لهفة زوجي على الإنجاب .

 

ثم فوجئت به ذات يوم يفاتحني برغبته في أن يتزوج مرة ثانية لكي ينجب الطفل الذي ينتظره وأنه يريد أن يتزوج الأخرى التي لم يقع اختياره عليها بعد في نفس شقة الزوجية التي تضمنا معا لأنه غير قادر على إيجاد شقة أخرى ، وصعقت حين سمعت ذلك وبكيت حتى جفت دموعي ورفضت بالطبع .. لكنه بعد قليل استطاع أن يقنعني بقبول المبدأ وبعد فترة أخرى استطاع أن يقنعني بأن تعيش معنا في نفس الشقة بسبب ظروفه وبصفة مؤقتة إلى أن يستطيع أن يحل مشكلة الشقة .. ووافقت مرغمة .. ولم يكن لي طلب عنده سوى أن يتعهد لي أمام صديق حميم له بألا يسىء معاملتي بعد زواجه ! وجئنا بهذا الصديق ورويت له قصتي والعهد الذي أطالب بأن يشهد عليه فاستنكر ذلك وخاطبه قائلا : إذا كانت ظروفك لا تسمح لك بإيجاد شقة أخرى فزوجتك لا ذنب لها في ذلك وليس من الرحمة أن تحملها هذا العناء ، أفهمت ؟

 

 فتنفست الصعداء وزالت الغشاوة عن عيني وتمسكت بألا يتزوج في شقتي واتفقنا على أن يبحث عن زوجة لها شقة ليقيم معها بعيداً عني على أن يعدل بيننا فتذكر فتاة تقيم مع والدها ووالدتها في شقة بمنزل أسرته ولم تتزوج بعد وسألني عن رأيي فيها فشجعته على التقدم لخطبتها وتقدم إليها فعلا وتمت الخطبة وتزوجها في شقة أبيها .. وغاب عني أيام العسل الأولى فعرفت لأول مرة في حياتي معنى الألم والإحساس بالقهر والمرارة وأمضيت اليومين الأولين في الفراش لا أنام ولا أستطيع أن أغادره .. ثم فجأة أنزل الله علىّ سكينته وقررت أن أواجه الأمر الواقع بهدوء فسألت نفسي : هل أريد الطلاق منه ؟ لا ، ألا أسعد باللحظات التي يعيشها معي وقد قبلت من الأصل مبدأ زواجه لكي ينجب طفلا أنا عاجزة عن إنجابه ؟ نعم ، إذن لا معنى للمعاناة والألم وضياع الوقت ، ونهضت فجأة من فراشي وقد تولاني نشاط غريب فقمت بتنظيف الشقة وإعادة ترتيبها وغيرت مواقع بعض قطع الأثاث فيها لتكتسب شكلا جديدا ثم خرجت فاشتريت لنفسي بعض الملابس الجديدة وعدت وإرتريتها ليعود زوجي فيجدني في أجمل صورة.

 

 وجاء زوجي بعد ساعات ففوجئ بمنظري وبشكل البيت وبروحي الودود ومرت لحظات الحرج الأولى كما تمر كل الأزمات وعشنا أيامنا بطريقة عادية لا اختلاف فيها سوى أنى تعودت تدريجيا على أن أقضي ليلة وحيدة كل ليلتين ، وعشنا على هذا الحال في هدوء لكن الزوجة الجديدة لم تحمل بعد عام من زواجها ، واكتشف زوجي أن بها عيبا عضويا يمنعها للأسف من الحمل والإنجاب فطاف بها على الأطباء دون أي أمل في العلاج ولم يحتمل حدة طباع أمها التي تقيم معها فطلقها يائسا وعاد للتفرغ لي .. ومضى عام سعيد في حياتنا قدرت خلاله أنه قد رضي بنصيبه من الحياة بعد أن جرب الزواج مرة أخرى ولم يكتب له الله الإنجاب ، لكن تقديري خاب مرة ثانية فقد بدأ يفكر في الزواج ، ورفضت مرة ثانية وطالبته بأن يتحمل قدره كما أتحمله أنا في صبر فلم يستجب وصمم على رأيه فوافقته على الزواج واتفقنا على أن يتزوج هذه المرة من سيدة سبق لها الإنجاب ليتأكد من قدرتها على تحقيق أمله وبدأ يبحث عن زوجة .. وكانت لي زميلة بالمدرسة التي أعمل بها أرملة ولها طفلان وأستريح إليها فعرضت عليها أن تتزوجه فدهشت لهذا الطلب الغريب ورفضت مناقشته لكني ألححت عليها بأن تفكر فيه على مهل .. فوعدتني إشفاقا علىّ وبعد أيام سألتها عن رأيها .. وما فعلت بها حتى وافقت على الفكرة لكن أهلها هم الذين رفضوا أن تتزوج من رجل له زوجة أخرى !

 

 ثم عرض عليه صديق له أن يتزوج من سيدة مطلقة لها طفل ولها شقة فتقدم لها زوجي ورحب به أهلها واعتبروا إبقاءه علىّ وحرصه على استمراري كزوجة له رغم عدم إنجابي دليلا على طيب عنصره ، ولأنه سوف يتزوج في شقتها .. فقد قدم لها مهرا قدره 5 آلاف جنيه مقابل الشقة ، وتم الزواج وقمت أنا بعمل البوفيه الخاص بالفرح ! وشغلت نفسي خلال أيام العسل كالعادة بإعادة ترتيب شقتي وتجميلها وشراء ملابس جديدة ليجدني عند عودته كما يحب أن يراني .

 

وتحقق أمل زوجي هذه المرة سريعا فقد حملت زوجته من الشهر الأول وفرح بذلك فرحة طاغية لكنه للأسف لم يهنأ بفرحته طويلا فقد بدأت زوجته بعد حملها تكلفه ما لا يطيقه .. وبدأت تطالبه بشقة أخرى غير شقتها وبدأت طباعها تسوء معه يوما بعد يوم حتى لم يعد يطيق البقاء معها ويعود إلىّ حزيناً ، ثم ازداد غضبه منها ومن أسرتها مع تصاعد الخلافات فانقطع عن الذهاب إليها نهائياً منذ ثمانية شهور.



ولكاتبة هذه الرسالة أقول :


قولي له يا سيدتي " لم أرك عدلت " ولا تخشى شيئا !! فلقد قالها من قبل اعرابي جلف لسيد الخلق أجمعين وأعدل من حكم بين الناس من البشر فلم يبطش به ولم يزد عن أن قال له متعجبا : " ومن يعدل إن لم أعدل أنا ؟ "أما زوجك فلم يعدل معك برغبته في أن يتزوج للمرة الثالثة بعد زواجكما الذي توج قصة حب طويلة ، فهذا أمر لا جدال فيه ، فإننا حتى لو تفهمنا رغبته في الزواج من أخرى لكي ينجب .. وفهمنا قبولك بذلك إدراكاً لحاجته للإنجاب وتمسكا بمن تحبين ولو تعاليت على آلامك ، فلقد تزوج يا سيدتى مرة فلم ينجب ، وتزوج مرة ثانية فأنجب لكنه لم يسعد بمن أنجبت له ولم يتحمس لرؤية طفله الذي كان يتلهف عليه والذي عرضك لهذه المحنة من أجله مرتين .. فماذا يريد أكثر من ذلك ؟ ، ومن يدريه أنه سوف يوفق للإنجاب من الثالثة ، وأنه لن يشقى بها كما شقي بالأخرى فلا يتلهف لرؤية طفله منها إذا كتب له الله الإنجاب مرة ثانية ؟

 

وأين يجد كل هؤلاء السيدات اللاتي يقبلن به وهو زوج لزوجة محبة ومخلصة ومتفانية في إسعاده وفى الحرص عليه مثلك ؟ وإلى متى سوف يتوقع منك أن تعارضيه قليلا في البداية ثم تمنحيه موافقتك راضية أو غير راضية لأنك مغلوبة على أمرك معه ! وإلى متى سوف يتوقع منك أن تنهضي وأنت مذبوحة من الألم لإعداد بوفيه الفرح ، ثم لإعادة ترتيب الشقة وشراء ملابس جديدة لكي تتجملي في انتظاره بعد كل زفاف .
إن الحرص على " عشرة العمر " يجب أن يكون متكافئا بين الطرفين وليس من طرف واحد وإلا صار هوانا ومذلة !

فإذا كان من حقه أن يتطلع لإنجاب طفل ينشأ بينه وبين زوجته فإن من حقك بكل تأكيد أن تحجبي عنه موافقتك على الزواج ، وأن تطالبيه بالانفصال إذا أصر عليه ولن تظلميه إذا فعلت فلقد أنجب فعلا ويستطيع أن يشبع عاطفة الأبوة في طفله ولو كان في حضانة أمه ، وأغلب ظني أنه لو لمس منك قدرة حقيقية على الرفض ومغالبة نفسك على قبول الانفصال عنه لتردد ألف مرة في أن يضحي بك وبعطائك السخي له من أجل أمل في علم الغيب ولو أنصف لفعل .. ولرضي بحسن اختيار الله له ولم يعدل به بديلاً ، أما إن لم يفعل فسوف تكتشفين بعد قليل أنك قادرة على الحياة بعده ، وربما مع غيره ، وسوف يكتشف هو أن السعادة كانت بين يديه لكنه أضاعها بتطلع الإنسان الدائم إلى ما ليس بين يديه ، وآفة الإنسان الشره .

 

أما حجة " إن الشرع قد قال أربعة " هذه العبارة المعروفة ، فهي حجة يرددها كثيرون بغير فهم ويعطون بها انطباعا خاطئاً يسيئون به إلى الشرع حين يصورون الأمر وكأن الأصل هو تعدد الزوجات والاستثناء هو الاكتفاء بواحدة ! .. في حين إن تعدد الزوجات " رخصة " وليس " دعوة " إلى الزواج بأكثر من واحدة أو أمراً بذلك ، وليرجع من يفتون بغير علم إلى كتب الفقه ليتأكدوا من ذلك وأقربها مثالا لمن يريد كتاب فقه السنة لفضيلة الشيخ سيد سابق الذى يقول فى ص 250 من الجزء الثاني أن : " تعدد الزوجات ليس واجباً ولا مندوباً " أي ليس واجبا ولا مستحبا ، إذ أن عبارة الأمر المندوب في الشرع هي : الأمر المستحب ( المعجم الوسيط ص 946 ) .وليرجعوا أيضا إلى كتاب " بيان إلى الناس من الأزهر الشريف " الذي يقول بالنص فى ص 230 الجزء الثاني : " إنه ليس أمرا واجباً بل مباحاً يتوقف على حاجة الرجل إليه وقدرته عليه ".. كل ذلك بالإضافة إلى تقييده بشرط العدل ، العدل الذي يضيق دائرته إلى أقصى الحدود ، وبحق الزوجة في أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها وبحقها في طلب الانفصال عنه إذا فعل .فما هي حاجة زوجك إلى الزواج للمرة الثالثة بعدك ؟

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1990

شارك في إعداد النص / بسنت محمود

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي

 


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات