أنف الزوجة ! .. من كتاب وقت للسعادة .. وقت للبكاء

 أنف الزوجة ! .. بقلم عبد الوهاب مطاوع

أنف الزوجة ! .. من كتاب وقت للسعادة .. وقت للبكاء

من "همومي" الجديدة في بريدي مشكلة غريبة سميتها في إحدي الرسائل مشكلة " أنف الزوجة "!

 

فمنذ عشر سنوات وبريدي لا يخلو كل أسبوع من رسالة أو أكثر تشكو لي فيها زوجة شابة أو فتاة في سن الزواج مما تعتبره مشكلة خطيرة وهي أن أنفها ضخم وأن زوجها أو فتاها يضيق به ! ثم تستنجد بي لأساعدها في حل هذه المشكلة!

 

وأذكر أنني حين نشرت رسالة " أنف الزوجة " منذ عدة سنوات وطلبت من كاتبتها الاتصال بي لعرضها علي جراح انهالت علي رسائل الزوجات والفتيات تطلب نفس الشئ حتى خيل إلي وقتها أن مشكلة الأنوف الكبيرة قد أصبحت من مشاكل مجتمعنا المزمنة كمشكلة تنظيم الأسرة .. وارتفاع نسبة الأمية ! ورغم ذلك لم أتراجع وأرسلت لكل من استنجدت بي خطابا تتوجه به إلي هذا الطبيب الصديق .. فكانت المفاجأة المذهلة هي أن 99% من الحالات التي أرسلتها إليه لا تحتاج إلي أي تجميل ولا إلي أي تدخل جراحي لتصغير الأنف .. وأن أنوف صاحباتها طبيعية وفي حدود المقاييس العادية لها .. لكن إحساس صاحباتها بضخامتها إحساس داخلي لا علاقة له بحجمها الحقيقي ! فتأكد لي أن الإحساس الذاتي بالجمال .. قد لا يكون له أحيانا علاقة بمؤهلات المرأة الجمالية..

 

وكلما تعاملت مع مشكلة جديدة من مشاكل أنف الزوجة تمنيت أن تنتهي نفس النهاية السعيدة التي انتهت إليها قصة الأديب الفرنسي الكبير جان بول سارتر " الأنوف المستعارة " وهي قصة ساخرة غريبة تحكي عن مملكة وهمية اسمها مورافيا .. ولد لملكها مولود وحيد فجاء إلى الدنيا بأنف ضخم كبير .. فحزن لمرآه وخشي عليه إذا شب ورأى الناس بأنوفهم الطبيعية الصغيرة أن يحس بالنقص تجاه عيبه الخلقي فأصدر أمرا عجيبا يفرض على كل من يعيش فوق أرض بلاده أن يضع على أنفه أنفا صناعيا ضخما وألا يخلعه أبدا ليلا أو نهارا وبدأ بنفسه وبزوجته فالتزما بحمل هذا الأنف الصناعي بصفة دائمة .. وشب الطفل فوجد الجميع بأنوف ضخمة فلم يشعر بأي نقص بينهم !

 

وبلغ ولي العهد سن الشباب .. وساءت الأحوال في المملكة واشتد بها الفقر حتى وصل الحال بملكها إلى عجزه عن دفع أجور خدم القصر فتطلع إلى حل لأزمتها المالية في زواج ولي العهد من أميرة مملكة القوقاز الغنية المجاورة وجاءت الأميرة مرغمة لإتمام هذا الزواج بعد أن خيرها أبوها بينه وبين دخول الدير, وفرض عليها ملك مورافيا هي وحاشيتها أن يضعوا الأنوف الضخمة .. ورآها الأمير فاستبشع منظرها وكرهها لكنه مضطر لمجاراة أبيه .. وتآمر كبار رجال الدولة مع شقيق الملك على إفساد الزواج ليتولى شقيقه الحكم ويرفع عنهم أمر ارتداء الأنوف الضخمة.

 

وتبكي الأميرة في غرفتها حزنا على مصيرها وتخلع أنفها .. ويدخل عليها الأمير الشاب فيرى أنفها الطبيعي الجميل ويقع في هواها ويتعاطف معها لسبب غريب هو اعتقاده أنها شريكته في " العاهة " التي يضع أنفا صناعيا ضخما ليخفيها عن الناس .. فهو أيضا صغير الأنف في الحقيقة ولهذا يحس بالنقص تجاه ذوي الأنوف الكبيرة ثم يخلع أنفه فيتبدي جماله وتقع الأميرة في هواه .. ويتبين من خلال القصة أن الطفل الذي ولد للملك بأنف ضخم قد مات بعد شهور وأن الملكة قد اتخذت بدلا منه طفلا آخر وأخفت الأمر على الملك حتى لا يذهب العرش من بعده إلي شقيقه وفي اليوم التالي يبدأ حفل توقيع عقد الزواج .. فيتصدي شقيق الملك للأمير ويعلن أنه لا يجوز أن يكون ملك البلاد في المستقبل لأنه مشوه الأنف .. فيخلع الشاب أنفه الصناعي وينكره شقيق الملك ويؤكد أنه ليس ولي العهد  فتضطر المرضعة التي كتمت السر سنوات طويلة بعد وفاة الملكة ﻹعلان الحقيقة أمام الجميع فيطالب شقيق الملك بتنصيبه هو وليا للعهد بدلا من هذا الشاب الغريب .. وبأن يتزوج أميرة القوقاز طبقا لمشيئة أبيها أن تتزوج ممن سيصبح ملكا لمورافيا .. لكن اﻷميرة تعلن أنها لن تتزوج إلا هذا الشاب أو تدخل الدير .. فيضع الملك اﻷمر بين يدي رجال الدولة ويسألهم هل يفضلون هذا الشاب ومعه الفقر والكساد والديون .. ويفضلون جميعا الرخاء وذهب القوقاز فيعلن تبنيه للشاب واعتماده وليا للعهد .. ويخلع الجميع أنوفهم المستعارة للأبد ويدوسونها باﻷقدام ويستريحون .. ويعودون للحياة بأنوف طبيعية صغيرة !.


ومثل هذه النهاية السعيدة انتهت قصة زوجتين من قارئات بريد الجمعة مع أنفيهما .. وتم تصغيرهما ورضيت عنهما الزوجتان .. وسعد بهما الزوجان !.
لكن الحياة أثبتت أنها أكثر مأساوية من خيال أديب كبير كسارتر في قصة أخرى مازلت أتذكرها حتى اﻵن وآسف لها .. فمنذ عامين كتبت إلي زوجة شابة تقول لي إنها مهندسة عمرها 35 ولا تعمل ومن أسرة طيبة ومتزوجة من طبيب شاب ولديها أربعة أطفال صغار وأنها زوجة مطيعة لزوجها وسيدة بيت ممتازة وأم عطوف تؤدي واجباتها تجاه زوجها وأولادها بإخلاص .. وتحبه ولا تنكر عليه شيء سوى أنه ومنذ عامين قد دأب على أن يناديها أمام أبنائها بهذا النداء البغيض .. يا  "أم منخار " .. مشيرا إلى أنفها الكبير نسبيا بالرغم من أن شكلها جميل وملامح وجهها متسقة ولا تشعر بحاجتها إلى جراحة تجميل ، وقد حاولت التفاهم معه باللين وإقناعه بالكف عن هذا النداء السخيف فلم يرتدع .. وهددته بمغادرة البيت فتعجب من ذلك وسألها مستنكرا : لماذا .. هل ضربتك بسكين ؟ إنه مجرد وصف حقيقي لك أكتمه في صدري منذ سنوات وأريد أن أناديك به ..
 وأرى راحتي في ذلك .. وسألتني أليس حراما أن أمضي يوما طويلا في خدمة البيت ورعاية اﻷولاد ومساعدتهم على الاستذكار ثم تكون مفاجأتي من زوجي بعد عودته هي جرح مشاعري بهذه الطريقة المهينة .. أليس هذا حراما يا سيدي ؟


وقد نشرت رسالتها في بريد الجمعة ولمت زوجها لوما عنيفا على إيلامها بهذا النداء السخيف .. وذكرته بقول الرسول الكريم " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله " وناشدته ألا ينقص من إيمانه بهذا التصرف الصغير .. وقلت له إن اﻹشارة إلى ما يكره اﻹنسان أن يشير إليه أحد ليس من آداب التعامل بين الغرباء فكيف بمن تجمع بينهم الحياة في بيت واحد ؟ ومضى عام على نشر هذه الرسالة ثم فوجئت برسالة أخرى من زوج كاتبة الرسالة اﻷولى تقطر أسى وندما ينعي لي فيها زوجته الشابة التي ماتت فجأة بلا مرض سابق .. ويصف لي ما يحسه من ألم وحرقة لفراقها وهي الزوجة الطيبة المطيعة المخلصة التي عاشرته أربعة عشر عاما كانت خلالها الحضن الدافئ الذي يختبئ فيه من متاعب الحياة واﻷم العطوف التي ترعى أطفاله اﻷربعة .. والتي ضحت بوظيفتها من أجلهم ومن أجله .. ويبثني شجونه لفراقها وندمه الذي يحس بلسعه ينهش صدره ﻷنه آلمها بذلك النداء السخيف ويتعجب من أنه قد عمي عن جمال وجهها الملائكي وروحها الطبية خلال تلك اﻷيام .. ويسألني هل تحس هي اﻵن بافتقاده لها وندمه على تلك العبارة السخيفة .. وهل تعلم أنها كانت أجمل الجميلات وأخلص الزوجات وأني مهما طال بي العمر لن أنساها ولن أعوض غيابها أبدا ؟


وتساءلت بعدها ومازلت أفعل إلى اﻵن كلما عرضت لي حالة مشابهة : ترى لماذا يحرص ركاب القطار أو الطائرة الذين تجمعهم اﻷقدار في رحلة سفر على أن يتعاملوا فيما بينهم برقة وأدب وعطف متبادل واستعداد للمجاملة والحرص على مشاعر اﻵخرين ؟
وأجد الجواب دائما في أنهم يعرفون أنهم رفاق سفر لن يطول وسوف يتفرقون بعده ويذهب كل منهم إلى وجهته .. لهذا فهم يترفعون خلال الرحلة القصيرة عن الصغائر ..
فإذا كان اﻷمر كذلك .. فلماذا لا يهون رفاق رحلة الحياة على أنفسهم وعلى شركائهم متاعب السفر بنفس هذه الروح وبحسن المعاشرة وبالتعاطف المتبادل ورحلة الحياة مهما طالت قصيرة ..
نعم .. لماذا ؟
بل ولماذا يتصور البعض أن مشاكل الحياة الجادة قد انتهت فيتحسسون أنوفهم أو أنوف غيرهم ويضيفون إلى متاعبهم ومتاعب اﻵخرين مشكلة جديدة من هذا النوع ؟
هل عندك جواب مقنع ؟!.

 رابط رسالة أنف الزوجة

رابط رسالة دائرة الندم

·       نشرت في كتاب وقت للسعادة .. وقت للبكاء

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات