السلاح الأقوى .. رسالة من بريد الجمعة عام 1989
إن الإنسان
في مواجهة ما يتعرض له من مواقف في الحياة عليه أن يختار دائما بين أحد اختيارين :
إما القبول بالأمر الواقع والتواؤم معه والكف عن الشكوى منه والمعاناة بسببه ،
وإما رفض هذا الأمر وتغييره إذا كان يملك القدرة على تغييره بغير الندم عليه ولا
البكاء على أطلاله .
عبد الوهاب
مطاوع
منذ حوالي 9 سنوات كنت
طالبة بالمرحلة الثانوية فتعلق قلبي بطبيب شاب من أقاربي ووجدت نفسي وأنا في هذه
السن الصغيرة أحبه حبا عظيما من طرف واحد فحاولت جذب انتباهه أكثر من مرة إلا أنه
لم يشعر بي إطلاقا فسلمت أمري لله ورضيت بأن أحمل له هذا الإحساس في قلبي بلا أمل. ..
وانتهيت من دراستي
الثانوية فصممت على الالتحاق بكلية الطب رغم عدم ميلي للدراسة فيها بل وعدم
قدرة أسرتي أيضا على تحمل أعبائها .
وكان دافعي الوحيد
للالتحاق بهذه الكلية هو حبي لقريبي هذا .. وإيماني بأن طريقنا سوف يلتقي ذات يوم
مهما طالت السنون .
وبدأت الدراسة
وانقطعت عني أخباره ثم علمت بعد فترة أنه سافر لدولة عربية وتزوج من زميلة له تعرف
عليها هناك وتم الزواج سريعا بعد فترة تعارف قصيرة ووجدت نفسي أتابع أخباره
باهتمام كأن شيئا لم يكن وكأن التقاء طريقنا واقع واقع برغم كل شيء وأصبحت أنتظر
زيارة أمه لنا لأعرف منها أخباره وبعد عدة شهور جاءت حزينة تشكو سوء حظ ابنها في
الزواج , وكيف أنه حدثت بينه وبين زوجته مشاكل كبيرة انتهت بعودتهما معا إلى مصر
وإلى طلاقهما منذ فترة قصيرة بعد مشاكل وصلت إلى أقسام البوليس , وأنه الآن وحيد
حزين لأن مطلقته حامل وهو مشفق على المولود القادم من الضياع .
سمعت كل ذلك وقلبي
يرقص طربا .. رغم تظاهري بالأسف لحاله ومواساتي لأمه ! ولم تمض أيام حتى بدأت
أتقرب إليه من جديد بحجة أن يساعدني على فهم دروسي , ونجحت في ذلك فعلا كما نجحت
في إخراجه من محنته وإعادته إلى طبيعته مرة أخرى وبعد فترة قصيرة وضعت مطلقته
طفلتها فجاءني قريبي سعيدا يبلغني أنه قد اختار لها اسمي فطرت فرحا بذلك وسألته
ولماذا اسمي بالذات فأجابني بما أردت أن أسمعه منذ 4 سنوات وهو أنه يريد أن يتقدم
لخطبتي والزواج مني ولكن بشرط أن أتفرغ له تفرغا تاما لأنه لا يريد أن يكرر تجربة
الزواج من طبيبة مرة أخرى.
وبدون أن أفكر
فيما قال وجدت نفسي أوافق على شروطه لكن أهلي ثاروا علي ثورة هائلة وعارضوا
انقطاعي عن الدراسة والتضحية بمستقبلي ودراستي للزواج من رجل جرب حظه من قبل وله
طفلة سيأتي يوم وأكون فيه المسئولة عن رعايتها .. وواجهت هذه الثورة الصاخبة
بالصمت والإصرار , ثم زدت عليهما شيئا آخر هو أني رسبت في الامتحان عامدة متعمدة
"وأعترف لك بذلك" لكي أجعلهم يوافقون على زواجي منه ونجحت خطتي فاقتنعوا
بأني لن أتقدم في طريق الدراسة ووافقوا على زواجي منه .. وأصبح الحلم الذي راودني
حقيقة وبدأت حياتي معه وأصارحك القول يا سيدي بأنني حتى بعد الزواج لم أشعر أنه
يبادلني الحب , وعرفت جيدا أني مازلت أحبه من طرف واحد ورضيت بذلك وسعدت به ولم
يعكر علي صفو حياتي سوى ألاعيب مطلقته ومحاولاتها تنغيص حياتي بسلاحها الأقوى وهو
ابنته التي يحبها !
وعدا ذلك فقد مضت
حياتي هادئة معه وتجنبت دائما إثارة أي خلاف معه يتعلق بابنته ورغم لهفتي على
الإنجاب فقد وافقت على تأجيله استجابة لطلبه إلى أن ينتهي من تحضير رسالة
الدكتوراه وصبرت على رغبتي ووفرت له كل ما يريده من هدوء وتفرغ حتى نال الدكتوراه
وأصبح طبيبا ناجحا في منطقته وزاد دخله زيادة كبيرة , وكبرت ابنته أيضا وزاد تعلقه
بها وزاد خوفي منها وهي مازالت طفلة عمرها 5 سنوات ولم يكن خوفي منها هي نفسها
بالطبع وإنما كان من أمها التي لم تتزوج بعد ولم يمض وقت طويل حتى تحققت مخاوفي
فأبلغتني إحدى قريباتي أنها رأت زوجي يركب سيارته وبجواره مطلقته وبينهما ابنته.
ومادت بي الأرض وأنا أسمع ذلك ..ثم تظاهرت أني
أعرف ذلك وتركتها وأسرعت إليه وصارحته بما سمعت وأنا أبكي بحرقة حتى انتهيت مما
أردت أن أقوله ونظرت إليه وانتظرت رده كأني انتظر حكم الإعدام فإذا به يقول في
هدوء أنه قد عاد فعلا إلى مطلقته منذ شهور من أجل طفلتهما وأنه لن يفرط في ولا
يطيق أن يعيش بدوني وأنه يطلب مني أن أستمر في عطائي له كما تعود مني دائما !
ولم أستطع الكلام
فانصرفت من أمامه حزينة أفكر في أمري وقد فكرت بعقلي فلم أقو على مطالبته بالطلاق
لأني سألت نفسي ماذا سأفعل بعد الطلاق وأنا لا عمل لي ولا مكان أعيش فيه
وليس لي أطفال منه فأكون حاضنة لهم ويترك لي منزل الزوجية ثم لماذا أترك لغريمتي
كل ما وصل إليه من نجاح كنت أنا السبب فيه , وأنا التي لم تفكر سوى في إسعاده
وقبلت عدم الإنجاب إرضاء له، في حين فضحته الأخرى في الغربة ولم تعد إليه إلا بعد
أن أصبح ناجحا .
ولكاتبة هذه الرسالة أقول :
أشك يا سيدتي في
أنك قد فكرت بعقلك هذه المرة واخترت البقاء معه رغم عودته لمطلقته وابنته سرا، فليس هذا في تقديري هو حكم العقل في القضية وخاصة أنك لم تنجبي منه أطفالا تفكرين
في مصيرهم قبل طلب الطلاق كما أن لك بالتأكيد أسرة تستطيعين العودة إلى بيتها إذا
أردت مستعينة ببعض حقوقك المادية عليه إلى أن تتدبري أمرك .. وإنما هو في أغلب
الظن حكم القلب الذي أراد البقاء بجوار من أحب , ثم حاول أن يستتر وراء مبررات
عقلانية بل " ومادية " أيضا إمعانا في التخفي !
ولا شك أنه أيضا
نفس الحكم الذي دفعك إلى الانقطاع عن الدراسة للزواج ممن أحببت.
ولست ألومك
في شيء في قصتك هذه سوى في قبولك شرط الانقطاع عن الدراسة تلبية لرغبة فتاك
..مضحية بمستقبلك وبشهادتك التي كانت في متناول يدك رغم ما تمثله لك الشهادة من
أمان حتى ولو لم تعملي بها بعد الزواج .
لقد اخترت لنفسك
منذ البداية يا سيدتي مستهدية مشاعرك وعواطفك وحدها في قراراتك فلم تعرضي بعضها
على عقلك ولم تجيدي حساب قوتك لتعرف من منكما تملك السلاح الأقوى , ولن ألومك في
ذلك لأن اللوم لا يفيد ولأنك محبة " والمحب عن العُذّال في صمم " ! كما
يقول الإمام البوصيري , لكني سأقول لك فقط أن الإنسان في مواجهة ما يتعرض له من
مواقف في الحياة عليه أن يختار دائما بين أحد اختيارين : إما القبول بالأمر الواقع
والتواؤم معه والكف عن الشكوى منه والمعاناة بسببه , وإما رفض هذا الأمر وتغييره
إذا كان يملك القدرة على تغييره بغير الندم عليه ولا البكاء على أطلاله .
وفي حالتك هذه
فإنك تستطيعين الانفصال إذا أردته لكنك اخترت الاستمرار وهو من حقك ولا اعتراض
عليه , لكن الاعتراض هو على ألا تقبلي نفسيا الأمر الواقع الذي رضيت به فتعذبي
نفسك برغبتك في تدمير الطرف الآخر أو الإساءة إليه واستعادة زوجك كاملا لك ,
فتتحول الحياة على صراع ومكائد وألاعيب الفائز فيها كالخاسر تماما لأنه خسر وقته
وجهده وأعصابه وصفاء نفسه في تدبيرها وتنفيذها فأفسد حياته قبل أن يفسد حياة ضحيته
.
إن التسليم بما
حدث هو الخطوة الأولى لمواجهة أصعب المواقف فإما أن تتقبليه نفسيا وعقليا .. وإما
أن تتحرري أنت مما تسمينه " وهم الحب " وتفكي قيده عن ذراعك فتستعيدين
القدرة على الحركة والاختيار .
فهل تريدين ذلك حقا .
رابط رسالة السلاح الأضعف تعقيبا على هذه الرسالة
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر