ذوبان الجليد .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988

 

ذوبان الجليد .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988

ذوبان الجليد .. رسالة من بريد الجمعة عام 1988


"الحمد لله" هذه هي كلمة السر التي أنزلت السكينة على قلوب النفوس الراضية .. فتقبلت أقدارها وأعفت نفسها من المعاناة وعاشت حياتها صابرة وآملة .. فكافأها ربها بتحقيق المنى واكتمال السعادة .. وكذلك يجزي الله الصابرين.

عبد الوهاب مطاوع

أكتب إليك يا سيدي رسالتي الثانية بعد عام تقريبا من رسالتي الأولى إليك، التي نشرتها بعنوان «زائر الصباح» والتي رويت لك فيها أني مهندس في الخامسة والأربعين تزوجت منذ 10 أعوام من فتاة ذات خلق ودين وجمال فاكتملت سعادتی بها.

وعشنا حياة هادئة جميلة إلى أن مرت السنوات ولم يزرنا زائر جديد، ولم نوقد شموعا، فبدأت رحلة طويلة من التحاليل والعلاج صدمت خلالها مرارا وضعفت في بعض مراحلها، ففعلت كما يفعل البسطاء واستسلمت لبعض الوصفات البلدية التي لا تتفق مع علمي وديني، حتى جاءتنا البشرى بعد عذاب طويل، وجاءت نتيجة التحاليل إيجابية، وحملت زوجتي ثم وضعت مولودها الأول، وليد الصبر والعناء ففرحنا به وحلقنا فوق أجنحة السعادة ثم لم تمض أيام حتى صحوت على يد زوجتي توقظني لأجد طفلي شاحبا وأنفاسه تتلاحق، فأسرعت بحمله إلى المستشفى ثم غادرته بعد ساعات ومعي ورقة تنعي إلى الدنيا هذا الزائر الذي لم تطل زيارته لها، فكأنه جاء في الصباح ورحل قبيل

الضحى، ورويت لك كيف تحول بعدها مذاق الحياة في فمي إلى مرارة. وكيف تحجرت دموعي فلم أستطع أن أذرف دمعة واحدة، في حين سالت دموع زوجتي انهارا، فكتبت ترد علي وتحاول أن تخفف آلامي وتنصحني بتقبل أقداري.. لأن رفضي الداخلي لما حدث هو الذي يمسك دموعي وتطالبني بأن أبكي لكي تطهر الدموع جراحي، وبالتمسك بالأمل بعد أن زالت أهم العقبات التي كانت تحول دون الإنجاب .. وأن التجربة يمكن أن تتكرر فإن كانت ثمرتها الأولى فرحة لم تطل، فلسوف تكون ثمرتها الثانية سعادة دائمة وزائرا مقيما بإذن الله، قائلا لي إنه إذا كان صبح هذا اليوم ولى، فإن غدا لناظره قريب، ثم اختتمت ردك على رسالتي بهذه الأية الكريمة: "ولسوف يعطيك ربك فترضى" .. إنه نعم المولى ونعم النصير، فما إن وصلت في ردك إلى هذه الآية الكريمة حتى تفجرت دموعي المحبوسة.. وتساقطت بغزارة على صفحات الجريدة و حرت في تفسير هذه الدموع، التي تحجرت أكثر من شهرين، والتي طالما تمنيتها من قبل.. ثم سالت وذابت فجأت كما يذوب الجليد ويتحول إلى ماء، وسألت نفسي أهو الحزن الدفين الذي يسكن أعماقي؟ أم هو الأمل والرجاء الذي لا ينقطع في الله سبحانه وتعالى؟ أم هو تعاطف قرائك معي ودعواتهم لي؟

 

لقد نزلت سكينة الله على قلبي يا سيدي بعدها.. ورضيت بإرادته وتقبلتها صابرا وآملا، فتخلص عشنا الصغير من بعض أحزانه وواصلنا حياتنا العادية .. ثم لم تمض شهور حتى حدث الحمل مرة أخرى، رغم تحذير الأطباء لنا بعدم تکراره قبل عامين من التجربة الأليمة السابقة، لكننا سلمنا الأمر لصاحب الأمر، وأخذنا بالأسباب فأشفق علينا الأطباء وأمدونا بقائمة طويلة من أدوية تثبیت الحمل، ومنع النزيف، وهي نادرة رغم أهميتها القصوى، ولا أعرف لماذا.


 فالشكر لله في كل حين.. والشكر لك ولقرائك الطيبين الذين أحسست بدعائهم من أجلي، وكان دعاء صادقا استجابت له السماء، مثلما أفعل أنا كلما قرأت رسائل الزملاء المهمومين فأدعو لهم الواحد الأحد، وأضع رجاءهم على بابه الذي لا يصد أحدا، وشكرا لبريد الجمعة "نافذتك المضيئة" بالحب والتعاطف الإنساني في هذا الزمن المادي الصعب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

ولكاتب هذه الرسالة أقول:

إن الحمد لله هذه هي كلمة السر التي أنزلت السكينة على قلبك.. فتقبلت أقدارك وأعفيت نفسك من المعاناة وعشت حياتك صابرا و آملا فكافاك ربك بتحقيق المني واكتمال السعادة

وكذلك يجزي الله الصابرين، فهنيئا لك يا صديقي "سالي الصغيرة". وشكرا لك أن أسعدتني وأسعدت أصدقاءك على الورق بهذه الرسالة المعبرة الرقيقة ودعاء لك من الأعماق بأن يحفظ الله عليك أسرتك الصغيرة وأن يحقق الأحلام لكل من يخفق قلبه بهذا الأمل المشروع.. والسلام.

رابط رسالة زائر الصباح

·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 1988

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات