الليالي الباردة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002

الليالي الباردة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002 

الليالي الباردة .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002

كل إنسان محكوم بأقداره .. والرأي الذي أشير به غالبا على الزوجة التي تمتحنها الأقدار بالحرمان من الاحتياجات الحسية لتعرض زوجها لظروف صحية لا إرادة له فيها والتي ألحظ للأسف اتساع مجالها ودخول زهور شابة عديدة في دائرتها الشائكة خلال السنوات الأخيرة‏ .. سأذكره بالتفصيل في ردي على هذه الرسالة↓.
عبد الوهاب مطاوع

 
أكتب إليك طلبا لمشورتك بعد أن اشتد بي الكرب لعلي أجد عندك الحل لمشكلتي التي أعلم جيدا أنه لا حل لها‏..‏ فأنا سيدة أبلغ من العمر‏سبعة وعشرين عاما‏,.. لم أعش منها حقيقة سوى 10أعوام هي سنوات زواجي‏,‏ أما الـ 17 التي سبقته فلقد كانت طفولة بائسة تبدأ وتنتهي عند أم لا أعرف كيف يطلقون عليها كلمة أم وأب مغلوب على أمره يثق ثقة عمياء في كل ما ترويه هي له عنا أنا وأخوتي ‏..‏ ويكافئنا عليه بالضرب والتعذيب دون أن يتحرى الحقيقة أو يسألنا سؤالا واحدا عما فعلنا ‏..‏ واستمر هذا الحال طوال الرحلة وبعد أن كبرنا إلى أن تقدم إلي زوجي وأنا في السابعة عشرة من عمري فوافقت عليه على الفور هربا من مشاكل البيت ومن تسلط أمي علينا وكرهها لنا الذي لا تدخر وسيلة للتعبير عنه في كل مناسبة‏..‏ وبالرغم من أن زوجي مهذب وحنون ويحبني حبا هائلا وإمكاناته المادية كبيرة جدا‏,‏ فإنني لم أوافق عليه في البداية لهذه المزايا وإنما فقط لكي أهرب من جحيم أمي وأسرتنا ‏..‏ ثم تزوجنا وأحببت زوجي بعد الزواج وعشت معه في هناء وسعادة وحب وحياة مريحة من الناحية المادية وأنجبت منه أطفالا واستمتعت بحبه وحنانه وشكوت في بعض الأحيان من غيرته الشديدة علي‏.


ومنذ‏5‏ سنوات توفى والده الذي كان زوجي يحبه حبا جما فتملكه الحزن عليه ‏..‏ وبعد فترة من الوفاة فشل معي لأول مرة في علاقتنا الحميمة وتكرر الفشل في الليلة التالية‏,‏ ففسرت ذلك بظروفه النفسية بعد وفاة والده‏ ..‏ وبعد عدة أيام رجع إلى طبيعته بعض الشيء‏.‏
وقد ترك والده وراءه ثروة كبيرة وعدة أبناء .. فوقعت مشاكل ومعارك بينهم حول هذا الميراث اللعين‏,‏ وأسفرت المعارك عن إصابة زوجي بمرض السكر وهو في الواحدة والثلاثين من عمره‏,‏ ومنذ ثلاث سنوات عاوده الفشل مرة أخرى في العلاقة الحميمة وبدأ يتردد على الأطباء في هذا التخصص‏,‏ واعتبره البعض منهم سامحهم الله فريسة يستنزفون منها المال مقابل إعطائه الأمل في الشفاء بلا جدوى‏,‏ وتفاقمت الحالة حتى انقطعت العلاقة الحميمة بيننا تماما وذهب زوجي لأطباء آخرين كبار فأقروا بأن الحالة قد تصل إلى مرحلة العجز‏,‏ ولا أستطيع أن أصف حالته وهو يحدثني عن النتيجة‏..‏ وبالرغم من تأثري الشديد فلقد تماسكت وقلت له إنني لا أريد منه شيئا سوى وجوده إلى جانبي وجانب أطفاله‏..‏ وبالفعل عشنا حياتنا لمدة عامين على هذا النحو إلى أن بدأت منذ عام أشعر بأنني أحترق كل ليلة كلما لامست قدمه عفوا قدمي‏,‏  فلقد تخيلت أنني أستطيع الاستغناء عن هذا الأمر‏,‏ ولكني لم أتخيل أن يكون له كل هذه الأهمية في حياتي وكل هذا الأثر‏ وأريدك أن تشير علي بالحل فأنا في السابعة والعشرين من عمري‏,‏ وزوجي في السادسة والثلاثين وهو كل يوم يعرض علي الطلاق لكي أحيا حياتي كما شرعها الله لكيلا يظلمني ويقول لي إنني صغيرة السن وإذا احتملت عاما آخر فلن أواصل الاحتمال للعام الذي يليه‏,‏ والأفضل لنا أن ننفصل الآن وسوف يعطيني كل ما أطلبه وسوف يكتب لأبنائه كل ما يملكه لأنهم ورثته‏,‏ ومن حقي بعد ذلك أن أتزوج من شخص أحيا معه حياتي‏,‏ وأنا الآن أحترق بنارين‏..‏ نار خوفي عليه إذ من سوف يرعاه من بعدي علما بأنه لن يتزوج من أخرى لكيلا يظلمها كما يؤكد لي‏..‏ ونار الحرمان التي أكتوي بها ونار الرغبة في أن أحيا الحياة الطبيعية‏..‏ إذ أن هذه الرغبة من عند الله ونحن بشر.

 فماذا أفعل يا سيدي علما بأن زوجي قد عرض نفسه على سبعة أطباء فقرروا جميعا عدم صلاحيته لهذا الأمر‏.‏
إنني أرجو أن تشير علي بالرأي‏..‏ وإذا نشرت رسالتي أن تنشرها بعنوان الليالي الباردة لأعرف أنها تخصني وشكرا‏.‏

‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏

كل إنسان محكوم بأقداره يا سيدتي والرأي الذي أشير به غالبا على من تمتحنها الأقدار بمثل هذه المحنة التي ألحظ للأسف اتساع مجالها ودخول زهور شابة عديدة في دائرتها الشائكة خلال السنوات الأخيرة‏,‏ هو أن للزوجة‏,‏  خاصة إذا كانت شابة مثلك أن تختار لحياتها ما تستشعر في أعماقها قدرتها الحقيقية وليست الموهومة عليه من الاختيارات‏.‏ فإذا استشعرت في نفسها القدرة على التكيف مع حياتها في ظل الحرمان من هذا الأمر والاستعاضة بالعشرة الجميلة والحب المتبادل وسعادة الأبناء واستقرارهم بين أبويهم عما ينقص حياتها الزوجية‏..‏ ورأت في زواج الإيناس والعطف المتبادل واتحاد الأهداف في إسعاد الأبناء ما هو أهم من نواقص حياتها الأخرى فلا لوم عليها فيما اختارت لنفسها‏..‏ وإن استشعرت على العكس من ذلك العجز عن احتمال الحياة على النحو الذي جرت به المقادير وخشيت على نفسها من الضعف البشري والفتنة ‏..‏ فإني لا أقول في هذه الحالة أنه لا لوم عليها إن هي اختارت الانفصال بلا حرج عن زوجها لتبدأ حياة أخرى‏,‏ وإنما أقول إن من واجبها الأخلاقي والديني تجاه زوجها المحكوم بأقداره وتجاه نفسها وأبنائها وأهلها ألا تتردد أمام اعتبارات العاطفية والإنسانية والعائلية وأن تسرع بالانفصال عن زوجها‏,‏ وذلك عملا بالقاعدة الشرعية التي تقول إن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة‏,‏ والقاعدة الأخرى التي تحث على دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر‏,‏ والضرر الأكبر هنا هو أن تعجز الزوجة الشابة عن احتمال وطأة الحرمان من الاحتياجات الحسية‏,‏ فتعرض نفسها للفتنة والغواية والسقوط في الهاوية فتسيء بذلك إلى زوجها ونفسها وأبنائها وأسرتها‏..‏ وتبوء بغضب السماء عليها‏..‏ ولا شفع لها في شيء حرمانها الذي كابدته ومهد الطريق أمامها إلى المنحدر‏,‏ ولا يغنيها طلبها لسعادة الأبناء واستقرارهم  أو إشفاقها على زوجها من التخلي عنه من جريرة ما تفعل‏,‏ بل إنها لتؤذي زوجها الذي أشفقت عليه من الانفصال عنه في هذه الحالة بأبلغ مما قضت عليه به أقداره الحزينة‏.‏
وإني لأستشعر من كلماتك المحترقة بلهب الحرمان أنك لا تطيقين صبرا على ما ينقص حياتك الآن يا سيدتي‏,‏ ولن تصبري عليه أكثر مما فعلت‏,‏ وما دام الأمر كذلك فاقبلي من هذا الشاب الكريم المبتلى بما لا حيلة له فيه عافيته‏..‏ واحتفظي له دائما بأجمل الذكرى وأعمق التقدير جزاء وفاقا لحسن عشرته لك وكرمه معك في المبتدأ وفي المنتهى ولترفعه عن الأنانية معك‏,‏ ولإيثاره لسعادتك على سعادته‏,‏ والأمل كل الأمل بعد ذلك في أن تعوضك السماء بمن تستقر سفينتك في مرفئه وتكون له بعض وليس كل مزايا هذا الشاب النبيل الأخلاقية والإنسانية‏..‏ وألا تجهدي أنت نفسك بالمقارنة بين الاثنين في المستقبل لأن لكل إنسان ظروفه وشخصيته وسماته النفسية والخلقية المختلفة‏,‏ ولقد تكون مشكلته معك فيما بعد ما عبر عنه الإنجليز في أمثالهم حين قالوا‏: إياك أن تستأجر خادما عمل عند من هو أفضل منك‏!‏

 ·       نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002

راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي


Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات