الليالي الدافئة .. رسالة من بريد الجمعة عام 2002
قرأت رسالة الزوجة الشابة
التي نشرت بعنوان الليالي الباردة وتحكي عن مشكلة زوجها الشاب المصاب بعجز جنسي
تام مصاحب لمرض السكر, وقد تضمنت الرسالة اتهام بعض الأطباء باستغلال المريض
والفشل في العلاج, ولقد أصابتني الدهشة بعد قراءة هذه المشكلة, حيث أن العجز الجنسي
يعتبر من الأمراض التي يمكن علاج جميع حالاتها سواء طبيا أو موضعيا أو جراحيا,
أي أنه من غير المعقول أن يقر الأطباء بعدم إمكانية العلاج, ولكن الأرجح هو أن
المريض قرر بناء على أسباب نفسية أو معلومات خاطئة أو غير كاملة رفض أسلوب العلاج
المقترح أو التوقف عنه, وعموما فإني أرحب بحضور المريض لعيادة أمراض الذكورة
بكلية طب قصر العيني أو إلى عيادتي الخاصة بموجب خطاب من بريد الأهرام لإجراء
الفحوصات اللازمة وعلاجه بدون أتعاب.
وأحب أن أضيف أن مصر تعتبر
دولة رائدة في علم أمراض الذكورة, حيث أن قسم الأمراض التناسلية مؤسس بجامعة
القاهرة منذ أكثر من40 عاما, ويمنح درجة الدكتوراه في أمراض الذكورة منذ أكثر
من 15 عاما, وتسجل نقابة الأطباء بمصر تخصص استشاري أمراض الذكورة منذ حوالي 10
سنوات, علما بأن هذا العلم جديد حتى بدول أوروبا الغربية, وقد بدا منح البورد
الأوروبي لأمراض الذكورة فقط خلال العام الماضي, كما أن الباحثين المصريين كانوا
من أنشط العلماء نشرا بالمجلة الدولية لأبحاث العجز الجنسي.
وقد حدث تطور هائل في وسائل
تشخيص وعلاج الضعف الجنسي خلال السنوات القليلة الماضية, وبعد أن كنا لا نقدر
إلا على علاج حالات محدودة منه أصبح من الممكن علاج جميع الحالات عن طريق تطور
العلاج الطبي والموضعي والجراحي إن لزم, وظهر عقار الفياجرا وعقاقير كثيرة أخرى
في طور التجارب, وتطورت وسائل الحقن الموضعي والأجهزة التعويضية الهيدروليكية
التي يتم زرعها بأسلوب جراحة اليوم الواحد وبالمخدر الموضعي, كما تطورت وسائل
العلاج والتدريبات النفسية لعلاج الضعف الجنسي النفسي, وصاحب هذا التطور في
الوسائل العلاجية تطور وسائل التشخيص لتحديد مختلف الأسباب النفسية والعضوية للضعف
الجنسي.
ويجب ملاحظة أن الفحوصات في
مجال أمراض الذكورة مثل باقي الفحوصات الطبية يجب أن تكون جزءا مساعدا
ومكملا للصورة العامة للمريض, ويجب قراءتها وترجمتها بتريث لتلافي حدوث أخطاء
تشخيصية قد تؤدي إلى أضرار نفسية بالغة للمريض, والمثال الشائع لمثل هذه الأخطاء
هي تشخيص التسرب الوريدي في شاب سليم عضويا يتم فحص الدورة الدموية له للاطمئنان
فقط, ولكن نظرا لخوفه وتوتره الشديد خلال الفحص ينشط الجهاز العصبي السمبثاوي
ويؤدي إلى انكماش الأنسجة الإسفنجية بالأعضاء التناسلية مع تقلص الشرايين وفتح
الأوردة وزيادة صرف الدم عن طريق الأوردة.. مما يعطي انطباعا خاطئا بأنه يعاني
التسرب الوريدي المسئول عن الضعف.
وأخيرا فإن الضعف الجنسي
مثل أي مرض آخر يجب وضع خطة علمية لعلاجه بناء على التشخيص الذي تم التوصل إليه عن
طريق التاريخ المرضي الدقيق والفحص الطبي الشامل والفحوص والاختبارات المعملية
التي تجري حسب الحاجة, أما عن العلاج العشوائي لأي مريض يشكو من اضطرابات جنسية
باستخدام منشطات عامة أو هرمونات الذكورة وعقاقير أخرى, فقد ينجح أحيانا مع بعض
المرضى لفترات محدودة, إلا أنه في معظم الأحوال يكون بلا فائدة ويؤدي إلي إحباط
المريض والطبيب بخلاف حدوث بعض الآثار الجانبية.
ويتضح من ذلك أنه برغم
التطور الهائل في وسائل التشخيص وإمكان علاج أغلب حالات الضعف الجنسي فإنه يجب
مراعاة الدقة خلال أخذ التاريخ المرضي وفحص المريض وعدم التسرع في
ترجمة نتائج الفحوصات إن لزمت, لتحديد العلاج المناسب بكل مريض.
ولكم أطيب التمنيات وتقديري
لدوركم الإنساني في مساعدة قراء جريدة الأهرام ونشر العلم والمعرفة.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
أشكر لك عرضك الكريم, وحرصك على إضاءة الطريق أمام هذا الزوج الشاب المحكوم بأقداره.. والحق أن العلم بإمكانية العلاج خطوة أساسية لالتماس أسبابه.. ومشكلة كثيرين ممن يكابدون هذه المحنة الشخصية حتى أنهم للأسباب النفسية المعروفة يحيطون مشكلتهم بسياج كثيف من التكتم يحول بينهم في كثير من الأحيان وبين طلب العلاج الصحيح الذي يحتاجون إليه في الوقت الملائم..ولقد تلقيت طوال الأيام الماضية عددا كبيرا من الرسائل التي تعلق علي هذه المشكلة, بعضها من متخصصين يؤكدون إمكانية الشفاء التام بإذن الله, ويرجحون أن يكون الأطباء الذين تعامل معهم زوج كاتبة الرسالة من غير المتخصصين في طب أمراض الذكورة, حيث انه علم حديث نسبيا, كما أشرت في رسالتك, وبعضها لقراء وقارئات يتعاطفون مع الزوجة الشابة كاتبة الرسالة, لكنهم ينصحونها بالتريث وعدم تعجل الانفصال عن زوجها.. رفقا بطفليها وبنفسها وبزوجها المحب الحنون, الذي تفتحت مداركها عليه, وأملا في إمكان العلاج بإذن الله.. أو التوصل إلى صيغة ملائمة للحياة تلبي قدرا مرضيا من احتياجاتها العاطفية والإنسانية دون تعريض أسرتها الصغيرة للانهيار.. وقد لفتت نظري من بين هذه الرسائل رسالة لقارئة فاضلة تلفت نظر كاتبة رسالة الليالي الباردة إلى أن في العلاقة الزوجية جوانب أخرى لا تقل أهمية عن هذا الجانب المفقود في حياتها الشخصية في الوقت الحالي, وتؤكد لها أن التواصل بين الزوجين اللذين يتبادلان الحب والعطف أمر ممكن دائما في كل الأحوال, ولكن بمعايير تختلف باختلاف الظروف النفسية والصحية والعمرية لهما, وفي التعبير القرآني وقدموا لأنفسكم ما يغني عن البيان في هذا الشأن. كما أن الحب والحنان والمودة تؤجج المشاعر.. وتثري حياة الطرفين.. وتعوضهما أحيانا عما يفقدان.. ويمكن أن تجعل من لياليهما معا ليالي دافئة طوال الحياة أيا كانت الحالة الصحية لهما أو لأحدهما.
فشكرا لأصحاب هذه الرسائل.. التي اعتذر عن عدم نشرها تجنبا للتكرار, وشكرا لك..
وأرجو أن تجد الزوجة الشابة كاتبة رسالة الليالي الباردة في هذه الكلمات أملا جديدا للخروج من محنتها بلا خسائر عائلية وإنسانية بإذن الله.
· نشرت في جريدة الأهرام "باب بريد الجمعة" عام 2002
راجعها وأعدها للنشر / نيفين علي
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر