مباراة الصبر .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002


 

مباراة الصبر .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002

مباراة الصبر .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002

ذكرتني هذه الرسالة بالكلمة الشهيرة التي تقول إن في حياة كل رجل امرأتين‏: امرأة ندم على أنه لم يتزوجها والأخرى ندم أشد الندم على أنه قد تزوجها‏! 
عبد الوهاب مطاوع
بريد الجمعة

هل تذكر رسالة الصندوق الخشبي؟

لقد كتبتها إليك زوجة مخلصة وقفت إلى جوار زوجها حين تعثرت أحواله المادية وقدمت له صندوق مجوهراتها ليبيعها ويستعين بثمنها على إصلاح أحواله‏.. وفعل ذلك وكافح الرجل لإنقاذ عمله من الخراب‏ .. وتحملت زوجته ظروف التقشف التي فرضت على أسرتها حتى كلل الله كفاح زوجها بالنجاح‏ واستطاع بعد أربع سنوات عجاف أن يستعيد توازنه‏ وينجح في عمله‏, وحفظ لزوجته الجميل‏, ففاجأها ذات يوم بأن أعاد لها الصندوق الخشبي الذي باع محتوياته قبل سنوات وقد امتلأ من جديد بضعف ما كان فيه من مصاغ ومجوهرات‏.

 لقد قرأت هذه القصة‏.. وبالرغم من أنها قصة حب وإخلاص .. ونجاح تحقق في النهاية إلا أنها استدرت الدمع من عيني وأثارت شجوني وتأملاتي وأحزاني .
فأنا شاب أقترب من الأربعين من العمر‏, كنت منذ عشر سنوات أشغل مركزا مرموقا بأحد البنوك‏.. ومستقبلي يبشر بالخير‏, وكنت قد عقدت قراني على إحدى قريباتي‏, ثم حدثت بيننا بعض الاختلافات العادية التي كان من السهل التجاوز عنها‏, لكني كنت للأسف قد تعرفت خلال نفس هذه الفترة على فتاة جميلة في العشرين من عمرها‏, واستطاعت أن تسيطر على مشاعري خلال فترة وجيزة‏, فإذا بي أقرر فجأة ودون أية مقدمات أن أطلق قريبتي قبل الزفاف بعدة أسابيع .. وأن أرتبط بهذه الفتاة‏, وأعلنت عن رغبتي هذه لأبي وأمي وأخوتي فعارضوني جميعا وحذرني أبي من أن أظلم قريبتي الطيبة العاقلة هادئة الطباع والتي تحظى باحترام الجميع‏, وذكرني بأن لي شقيقات قد يتعرضن للظلم من الآخرين إذا نحن ظلمنا بنات الناس بلا ذنب‏, لكني كنت كالمسحور لا أفكر إلا في هذه الفتاة الجميلة المدللة. التي تعدني الحياة معها بالمباهج العديدة‏.

 وأحست خطيبتي بابتعادي عنها‏.. فاعتذرت لي عن الخلاف البسيط الذي حدث بيننا وتنازلت عن معارضتها لبعض ما كنت أريده من ترتيبات الزواج‏.. وقالت لي افعل ما تريد‏, ولكن لا تتركني لأني أتوسم فيك خيرا كثيرا‏, كما أن أهلي جميعا يحبونك ويحترمونك‏..
وبدلا من أن أسعد بهذا التسامح من جانبها‏.. وبحبها لي فلقد ضقت بهما لأنهما يسلبانني من الذريعة التي أريد أن أتعلل بها لطلاقها‏..
فسوفت في تحديد موعد الزفاف‏.. وكنت أرقب خطيبتي وهي مشغولة بالإعداد للزواج‏, وشراء جهاز العروس وزيارة معارض الأثاث‏, وأنا أتساءل عما سوف يكون عليه رد فعلها حين أفاجئها بالطلاق‏.. وأتشاغل عن ذلك بمقابلة الفتاة الأخرى‏, وأتخيل السعادة التي سأنهل منها معها وكلما دعتني خطيبتي لمشاهدة غرفة أعجبتها في أحد المعارض ذهبت معها ونفرتها منها وأبديت لها استيائي من سوء اختيارها‏.. فتبتسم في حرج وتعدني بأن تبحث عن أفضل منها‏.. إلى أن شعرت بأن الحلقة تضيق حولي فحسمت أمري وباغتها بافتعال خلاف مصطنع معها‏.. وصارحتها بأنني لا أرغب في استكمال المشوار معها‏, وبهتت خطيبتي حين سمعت ذلك‏.. ولم تنطق بكلمة واحدة‏.. وتركتني دون أن تثور علي أو تنطق بكلمة سيئة واحدة‏.

وفي المساء اتصلت بي وصوتها مبحوح من البكاء ورجتني ألا أطلقها غيابيا لكيلا تضطر لتسلم قسيمة الطلاق عن طريق قسم الشرطة‏, وأن أذهب معها ومع والدها وشقيقها إلى المأذون لإتمام الطلاق في حضورها‏.. وترددت في ذلك خشية مواجهة والدها وشقيقها‏, لكني تغلبت على ترددي وطلبت من أبي أن يصحبني إلى مكتب المأذون لكي يشد أزري في هذا الموقف لكنه رفض بإصرار وقال إن الطلاق لغير ذنب جنته خطيبتي أو أهلها ظلم كبير لا يرضى عنه‏.. ولا يشهد عليه ولا يحضره وكذلك رفض شقيقي الأصغر الذهاب معي‏, فاصطحبت زميلا لي من البنك وتوجهت إلى مكتب المأذون‏, ورأيت خطيبتي منكسة الرأس حزينة وتمت الإجراءات دون أن يوجه إلي والدها أو شقيقها أية كلمة‏, وبعد انتهائها فوجئت بوالدها يقول لي‏, إنني من سعيت لهذا الطلاق دون رغبة من ابنته‏.. ومن حقه ألا يعيد إلي الشبكة‏.. لكن ابنته مصرة على أن تعيدها إليك فخذ شبكتك وانصرف‏.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.‏


وبالرغم من ارتباكي وحرجي فلقد أخذت الشبكة وانصرفت وأنا أشعر بأنني قد تحررت من القيد الذي كان يمنعني من الارتباط بالساحرة الجميلة الأخرى‏, وبعد أيام كنت أقدم نفس هذه الشبكة لفتاتي الجميلة‏, وبعد أسابيع أخرى كنت أحتفل بزفافها إلي في أحد الفنادق الكبرى وأنا في قمة السعادة‏, ولم أتأثر كثيرا بعدم حماس أبي وأمي وأخوتي لزواجي‏.. وعدم فرحهم به‏, وقد كادوا ألا يحضروا زفافي لولا أن توسلت إليهم ورجوتهم ألا يحرجوني أمام أهل زوجتي‏, وفي ليلة الزفاف اكتشفت أن زوجتي بنت العائلة الكبيرة ليست عذراء‏ .. وعللت لي ذلك بأنها أخطأت مع أحد أقاربها لكنها رفضت بإصرار أن تعترف لي باسمه وطلبت مني المغفرة والتستر عليها‏, واهتززت أمام هذه المفاجأة بشدة واكتأبت لها واستشرت أحد الشيوخ فحدثني عن الستر‏.. وعن أنه إذا صحت التوبة‏.. فالله غفور رحيم‏.. وسترت زوجتي وعشت معها لكني تذكرت قريبتي المتدينة التي هجرتها من أجلها وابتلعت مرارتي‏. وتأخر الإنجاب بعض الوقت فملأت حماتي الدنيا حديثا عن أنني المسئول عن عدم الإنجاب‏.. حتى اقتنعت زوجتي بذلك بالرغم من إجماع الأطباء على أنها تعاني من عيبا خلقيا قد يمنع الإنجاب وتأكيد الأطباء سلامتي‏..


وبعد كفاح مرير حملت زوجتي فما أن تحرك في أحشائها جنينها حتى بدأت تتمرد علي وتسلم قيادها كاملا لأمها التي تتدخل في كل شيء في حياتنا وتحدد لنا ما نفعل وما لا نفعل وماذا نأكل وماذا نرتدي وكل صغيرة وكبيرة‏.. وازدادت الأمور سوءا حين فوجئت بطلاق حماتي من زوجها لأسباب لا أعلمها وانتقالها للإقامة الكاملة معنا‏.. ومنذ ذلك الحين تحول بيتي إلى ساحة للمعارك اليومية بيني وبين زوجتي‏.
واستمر الحال على هذا النحو إلى أن تزوجت حماتي برجل آخر‏.. وتنفست أنا الصعداء‏, لكن الراحة لم تطل كثيرا فلقد طلقت حماتي من زوجها الجديد بعد قليل ورجعت للإقامة معنا وتجددت المعارك اليومية بيني وبين زوجتي‏, وبعد شهور أخرى من العذاب تزوجت حماتي من جديد ومن شخص سيء السمعة وصادر ضده أحكام قضائية في قضايا شيكات عديدة وراحت تتصرف كفتاة في السابعة عشرة من عمرها بالرغم من أنها تجاوزت الخامسة والخمسين‏, فرفضت السماح لها باصطحابه إلى بيتي أو زيارتي‏.. وأسر هو لي ذلك وأحكم سيطرته على حماتي وأهلها بل وعلى زوجتي أيضا وبدأ في تحريضهم ضدي وقررت أن أهرب من جحيم حياتي بتفريغ كل طاقتي في أطفالي وقررت ألا أهتم بشيء آخر في الوجود سواهم وتحملت زوجتي وحماتي ومشاكلهما من أجلهم‏, ووضعت لأبنائي بعض المدخرات في البنك الذي أعمل فيه كودائع محاولة لضمان مستقبل كريم لهم‏.

وفوجئت ذات يوم بزوجتي وبتحريض من والدتها بالطبع تطالبني بأن أحول ودائع أطفالي لاسمها وبتحرير شيكات لصالحها على بياض بدعوي أنني لو رحلت عن الحياة فلسوف يجيء إخوتي ويستولون على كل شيء‏..
ورغم تألمي الشديد لذلك فلقد أبلغتها أنها سترث ميراثها الشرعي في حالة وفاتي وأن أخوتي ليسوا سيئين لكي يغتصبوا حقا لها أو لأولادي‏..

ولم يعجبها ذلك بالطبع‏.. وحولت زوجتي حياتي إلى جحيم متصل ليس كل يوم فقط بل كل لحظة‏.. وأصرت على أن ترثني وأنا مازلت على قيد الحياة‏, ونتيجة لشرود فكري واكتئابي وقعت في خطأ كبير في عملي بسبب عدم يقظتي وقمت بالتوقيع بطريق الخطأ على مستند مهم‏.. وكدت أدخل السجن بسبب ذلك لولا ستر الله سبحانه وتعالى ولولا اقتناع مدير البنك بحسن نيتي‏, فاكتفى بنقلي إلى وظيفة أقل بمرتب أقل‏, وبدلا من أن تساندني زوجتي العزيزة في هذه المحنة الطارئة في حياتي وتساعدني على اجتيازها‏, جاءت حماتي إلى المنزل في غيابي وأخذت زوجتي وأطفالي للإقامة الدائمة معها‏.. وتركوني وحدي‏! ولم تكتف زوجتي وحماتي بذلك بل أشاعتا في أوساط عائلتي وأقاربي وجيراني أنه قد تم القبض علي في قضية رشوة وعمولات من بعض عملاء البنك‏, حتى شعرت بأنني منبوذ من الجميع‏.. وزاد ذلك من همي وحزني وشعرت بالأسى على حياتي التي دمرت على هذا النحو‏, وبعد أسبوعين من هجرها للبيت أرسلت إلي زوجتي وبتحريض من والدتها أيضا أنني إذا أردت عودتها مع أبنائي إلى البيت فعلي أن أنقل ملكية كل شيء أملكه إليها من الودائع إلى الشقة إلى السيارة إلى كل شيء ورفضت ذلك بالطبع‏.. وتذكرت قريبتي التي أدميت قلبها وجرحت كرامتها وأسأت إليها دون ذنب جنته ومع ذلك فلقد أبت أن تحتفظ بشبكتي لديها واستحرمت قبولها مع أنه لا حرمة في حصولها عليها لأنني كنت التارك لها وليست هي ورجوت الله أن يغفر لي ذنبي في حقها‏.. وأن يسعدها سبحانه وتعالى في حياتها الزوجية مع من ارتبطت به بعدي بثلاثة أعوام ظلت طوالها ترفض قبول الخطاب‏.

 وقد سمعت من أقاربي أن زوجها يتيه بها فخرا ويشيد بحكمتها وحسن عشرتها وتدينها وحسن رعايتها لطفليها منه‏.. وينعم معها بحياة هادئة يسودها العطف والمودة والرحمة والاحترام‏.. وكل ذلك ليس بكثير عليها إنني أعيش الآن وحيدا محروما من الاستقرار العائلي‏.. ومن السعادة وراحة القلب والضمير‏.. ومحروما من أطفالي الصغار الذين تحملت جحيم أمهم من أجلهم‏.. ولست مستعدا لخوض المعارك والنزاعات القضائية التي يجيدها زوج حماتي لكي أراهم أسبوعيا‏.. وأخضع لذل حماتي وزوجتي لكي تسمحا لي برؤيتهم كل ثلاثة أسابيع أو شهر لعدة ساعات‏. وقد كنت في عملي ذات يوم قريب حين شعرت بغثيان شديد واضطراب في ضربات القلب وضيق في التنفس‏.. ثم انهرت ونقلني زملائي إلى المستشفى فأمضيت به عدة أيام‏, وصدمني الطبيب بأنني قد أصبت بمرض يتطلب تدخلا جراحيا عاجلا‏.. واستعد الآن لإجراء الجراحة ولا أعلم ما إذا كان الله سبحانه وتعالى سيكتب لي أن أرى أبنائي مرة أخرى أم لا‏, وحين قرأت رسالة الصندوق الخشبي للزوجة المحبة المخلصة تعجبت للمفارقة بينها وبين زوجتي التي أورثتني المرض وأحالت حياتي إلى جحيم ولم تحفظ لي ودا ولا جميلا‏, وأريد أن أحيي كاتبة رسالة الصندوق الخشبي وأدعو لها بالسعادة مع زوجها وأبنائها وأريد أن أناشد كل زوجة أن تتقي الله في زوجها‏, ووالدة كل زوجة بأن تدع ابنتها تعيش في سلام مع زوجها وألا تحرضها على الشر وخراب البيوت الذي يدفع ثمنه الأبناء الأبرياء‏.. وكل شاب وفتاة ألا يسخرا من نصائح الأبوين والأهل لأنني لو كنت قد استمعت إلى نصائحهم لما ظلمت قريبتي ولما تزوجت من أحالت حياتي إلى جحيم‏, كما أناشد والد قريبتي ووالدتها وأخوتها أن يصفحوا عن ظلمي لابنتهم‏.. ويطمئنوا إلى أن السماء قد اقتصت لهم جميعا مني‏.. والسلام عليكم ورحمة الله.

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:

ذكرتني رسالتك بالكلمة الشهيرة التي تقول إن في حياة كل رجل امرأتين‏: امرأة ندم على أنه لم يتزوجها والأخرى ندم أشد الندم على أنه قد تزوجها‏! فقصتك خير مثال على ذلك فلقد سنحت لك فرصة الارتباط بالفتاة الطيبة المتدينة هادئة النفس والطبع والمتعففة عن الدنايا والمترفعة حتى عن الاستمساك ببعض حقها المشروع فأعرضت عنها واتبعت هوى النفس العارض وارتبطت بفتاة نزقة مدللة مادية لا تعرف عنها الكثير ولم تدرس شخصيتها وأفكارها ورؤيتها للحياة والقيم الأخلاقية السائدة في محيطها العائلي دراسة كافية ولم تتبصر حقيقة شخصية والدتها التي لابد أنها قد تأثرت بها والتي سمحت لها بالتضحية باستقرارها العائلي مع والد زوجتك والزواج من بعده مرتين وربما ثلاث خلال سنوات قليلة‏, وقد فعلت ذلك افتنانا بالشكل الخارجي لفتاتك دون اهتمام كبير بجمال الروح والطبع والخلق والدين‏, فكررت بذلك الخطأ القديم الذي يشير إليه القول الشائع‏, إن من أكبر أخطاء الرجل أن يعجب بوجه امرأة فيتزوجها كلها؟‏!
وهو قول صحيح بالرغم من النبرة الساخرة فيه لأن الزواج ليس عشقا لمفاتن الأنثى وإنما إقامة بيت على السكينة والمودة والآداب الاجتماعية في إطار من الإيمان بالله والعيش وفق تعاليمه‏.

ولهذا فلقد قال الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه‏: الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة‏.. وجاء في الكتاب المقدس من أمثال سليمان عليه السلام البيت والثروة ميراث من الآباء أما الزوجة المتعقلة فمن عند الرب‏. والواضح هو أنك قد انبهرت بجمال فتاتك المدللة التي التقيت بها وأنت تتأهب للزواج من قريبتك فغفلت عن ملاحظة أشياء مهمة كانت جديرة بأن تكون موضع الاعتبار عند اتخاذ قرار الارتباط بها وظلمت من أجلها فتاة طيبة كانت تحلم بالسعادة والأمان معك ولم ترتكب ما يبرر لك نقض عهدك معها‏, وعرضتها بذلك لمحنة الإحساس بالرفض والنبذ وعدم الجدارة حتى لقد عزفت ثلاث سنوات بعد تخليك عنها عن قبول الارتباط بأي شاب آخر‏, ناسيا في ذلك أن خير ما نتوسل به إلى السماء لكيلا نتجرع الظلم على أيدي الآخرين هو أن نلتزم نحن بالعدل في حياتنا الشخصية وألا نظلم أحدا عن قصد وتعمد‏, فاستبدلت بالذي هو خير لك ما لم يعدك إلا بالعناء والآلام‏.. والندم‏. ويكفي للتدليل على ذلك أن تتعفف خطيبتك الأولى عن الاحتفاظ بشبكتها وقد كانت حقا مشروعا لها‏.. في حين تسعى زوجتك المدللة التي لم تحفظ نفسها قبل الزواج‏.. ولم ترع لك حقا بعده إلى استلابك كل أموالك وممتلكاتك بدعوى الخوف من أن ترحل فجأة عن الحياة ويستولي أخوتك على ميراثك‏, وهو زعم فاسد لتبرير ماديتها وجشعها ورغبتها في الاستئثار دونك بكل شيء‏, ولا يعفي زوجتك من الإثم في ذلك أن تتلمس لها بعض العذر في أنها تفعل ما تفعله بتحريض من أمها أو من زوج الأم‏, ذلك أن طاعة الزوجة لزوجها أوجب من طاعتها لأمها في مثل هذه الحالة‏, خاصة إذا كان زوجها يرعى حدود الله فيها‏.. ولقد سئل الإمام أحمد بن تيمية عن الرأي في امرأة تزوجت وخرجت على حكم والديها ما هو الأفضل لها برها بوالديها بمعنى طاعتها لهما على غير رغبة زوجها أم مطاوعتها لزوجها‏, فأجاب أن المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك لها من أبويها وطاعتها له أوجب‏, وليس للأبوين أن ينهياها عن طاعة زوجها وليس لها أن تطيع أبويها في الاختلاع منه أو مضاجرته حتى يطلقها إذا كان يرعى حدود ربه فيها‏.. وعليها أن تطيع زوجها دون أبويها في هذا الأمر‏.

وزوجتك بتحريض من أمها أو من نفسها الأمارة بالسوء تمارس عليك ما يمكن تسميته بأنه أبشع الضغوط لتحقيق أحقر الأهداف وأبعدها عن الإنصاف‏.. فهي تحرمك من نفسها ومن أطفالك ومن حياتك العائلية ومن الاستقرار والأمان والسعادة ليس بهدف تقويمك لكي ترجع عن نزوة تورطت فيها‏.. أو لكي تحثك على تقدير دورها في حياتك فتكف عن إساءة معاملتها أو أهانتها أو الاعتداء عليها وتحسن عشرتها وترعى حدود ربك فيها كما قد تفعل بعض الزوجات حين تعييهن محاولة إصلاح الزوج وحمله على أن يحترم مسئولياته العائلية ويحسن عشرة زوجته‏, وإنما هي تفعل كل ذلك لتحقيق هدف مادي خسيس هو قهر إرادتك وإرغامك علي التنازل لها عن كل ما تملك‏, وعلى الخنوع والخضوع لكل رغباتها غير المشروعة منك‏.. وهي تخوض معك مباراة في الصبر والاحتمال‏.. تقول لها خبرتها الفاسدة أو خبرة أمها إنك لن تحتملها إلى ما لا نهاية‏.. وأنه سوف يجيء اليوم الذي ترفع فيه الراية البيضاء وتسلم بكل مطالبها لكي تشتري راحة القلب والنفس والاستقرار‏, وهي مباراة حتى الموت أي موت إرادة أحد الطرفين‏, وتذكرنا بعبارة شكسبير الشهيرة في مأساة ماكبث حين قال الملك لخصمه وهو يتأهب لمنازلته بالسيف حتى الموت‏, اللعنة على من يقول كفي قتالا قبل الآخر‏!

ذلك أن من يقولها سوف يخسر كل شيء‏.. لهذا فإني أنصحك بالصمود إلى ما لا نهاية ولو انتهى الأمر كله بوضع كلمة النهاية لهذه الحياة الزوجية الخالية من المودة والرحمة والتي أورثتك مرض الجسم شفاك الله منه‏, ومرض الروح والنفس حتى كادت تدمر حياتك العملية والاجتماعية‏.. كما أنصحك بأن تنقل إليها رسالة حاسمة مؤداها أنك لن تخضع أبدا للابتزاز والضغط لاستلاب أموالك فإما أن ترجع عن غيها‏.. وتعود لحياتها كأي زوجة ترعى الله في أبنائها وزوجها‏.. وإما أن تتخلص أنت بلا ندم من ارتباطك بها وليرع الله أبناءك الذين سيدفعون للأسف عواقب جشع الأم وفساد قيمها وسوء اختيار الأب لماجدة الأعراق التي بني بها علي حد تعبير الإعرابي الذي ذكر أبناءه وهم رجال بأنه قد أحسن إليهم صغارا وكبارا وقبل أن يولدوا‏.. وكان إحسانه لهم قبل أن يولدوا هو تخيره لماجدة الأعراق باد عفافها لكي تكون أما لهم‏! ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 نشرت سنة 2002 بجريدة الأهرام باب بريد الجمعة


راجعها واعدها للنشر / نيفين علي
Neveen Ali
Neveen Ali
كل ما تقدمه يعود إليك فاملأ كأسك اليوم بما تريد أن تشربه غداً
تعليقات