الصندوق الخشبي .. رسالة من بريد الجمعة سنة 2002
أكتب إليك لأشركك وأشرك قراءك في قصتي بعد أن شاركت أبطال قصص بريد الجمعة همومهم وأفراحهم لسنوات طويلة .. فأنا سيدة أقترب من الأربعين من العمر, أرى نفسي مقبولة الشكل أو بمعني أصح مريحة للعين ويرى زوجي بعين المحب أنني أجمل النساء. وقد بدأت حياتي بين أبوين طيبين وأخت وأخ يصغرانني, وأنهيت تعليمي حتى المرحلة الثانوية في سلام .. وفي المرحلة الجامعية تعرفت وأنا في السنة الثالثة بزميل لي يكبرني بست سنوات وأمضى في الكلية سبع سنوات دون أن يتخرج, وعلى الرغم من تحذيرات زميلاتي لي منه ومن استهتاره البادي للعيان .. فلقد وقعت في غرامه .. وكرست حياتي لحثه علي الاهتمام بدراسته والحصول على شهادته بعد أن سبقه زملاؤه إلى العمل, وبالفعل فلقد أبدى بعض الاهتمام بالدراسة .. ثم طلبت منه أن يتقدم لأبي فجاء إليه, وكان رأي أبي من اللحظة الأولى أنه لا يصلح لي وأن حياتي معه لن تعرف الاستقرار ذات يوم لعدم جديته وطيشه وطفوليته, لكني استمسكت به وأفهمت أبي أنني لن أتخلي عنه وأنني قادرة على أن أصنع منه إنسانا جادا وملتزما, ووافق أبي على مضض .. وقبلت به أمي على غير اقتناع .. وخطبت له وأنا في السنة النهائية من الكلية .. وبعد الخطبة بأسابيع بدأت معاناتي التي حذرني منها أبي معه .. فلقد عاد للانصراف عن الدراسة .
ورجع في كل ما اتفقنا عليه وكان المنطق يقضي بأن أحل نفسي من الارتباط به مادام لا يحفظ عهدا ولا يلتزم بما وعد, لكني كرهت أن أستسلم للفشل واليأس وتحملت مراوغاته وإهماله لي إلى أن تخرجت وهو مازال متعثرا في الدراسة, ورفضت نصيحة أمي وأبي بفسخ الخطبة وانتظرته عاما كاملا بعد تخرجي إلى أن حصل على شهادته بما يشبه المعجزة وسعى والده في تعيينه بوظيفة بإحدى الهيئات, وقال لأبي إنه قد أدى ما عليه بالنسبة لابنه ولن يفعل له بعد ذلك شيئا آخر, وبدا المستقبل أمامي غامضا .. لكني لم أتراجع ولم أستسلم, وعملت بوظيفة بالضرائب وحصلت على شقة بالإيجار دفع أبي مقدم إيجارها الباهظ, وأصر على كتابة عقد الإيجار باسمي وأصبح كل المطلوب من خطيبي هو أن يدفع المهر البسيط الذي قبلنا به وأن نعقد القران ونتزوج .. فحثثت خطيبي على أن يدخر نصف مرتبه لكي يستطيع تقديم المهر ووعدته بأن أعطيه ـ سرا ـ كل ما ادخرته من مرتبي ليكمل به المبلغ المطلوب, لكنه تراخى كالعادة .. وراح يتعلل بشتى الحجج والأعذار .. وكلما تجمع لديه مبلغ من المال, أنفقه على حياته وسهراته ونزهاته, وشكا من عدم تعاون أبيه معه, وطالت فترة الخطبة أربع سنوات دون أن يلوح أي أمل في تغير الأحوال .. واضطررت أخيرا إلي مصارحة أبي بعجز خطيبي عن سداد المهر واستعدادي للتنازل عن بعض احتياجاتي من الأثاث للتعجيل بالزواج بعد أن طال الانتظار, وسلم أبي برغبتي كارها بعد أن ضاعت نحو ست سنوات من عمري.. وأسهمت مع أبي بمدخراتي في إعداد الأثاث وتم الزواج دون أن يتكلف زوجي إلا أقل القليل.
وانقضت الأسابيع الأولى سريعة وجميلة.. وحملت بجنين الحب بعد شهور وأنجبت طفلا جميلا .. فما أن بلغ الطفل شهره الثالث حتى انصرف زوجي عني وعن طفلي نهائيا ورجع إلي استهتاره السابق وإلى إنفاق كل مرتبه على جلساته وسهراته وسجائره, وكف تماما عن الإسهام بأي شيء في نفقات الأسرة .. كما بدأ يتطاول علي كلما عاتبته أو ذكرته بمسئوليته عني وعن طفله.. وكثرت خلافاتنا وشكوته إلى أبيه وإلى أمه, وواجهت مواقف عصيبة كثيرة بسبب مرض الطفل واحتياجه إلي نفقات للغذاء والمتابعة الطبية والملابس..إلخ. وبعد عام من الإنجاب وجدت نفسي مسئولة مسئولية كاملة عن حياتي وحياة طفلي بل ومسئولة أيضا عن تقديم هبات مالية صغيرة لزوجي ليكمل بها وجاهته واحتياجاته وسجائره الأجنبية, فإذا فرغت يداي طلب مني اللجوء لأبي لأخذ النقود منه .. كما أهمل عمله وأصبح يتغيب أو يتأخر عن الذهاب إليه في موعده كثيرا فيتعرض للخصم من مرتبه, وجاء يوم مرض فيه الطفل مرضا شديدا واحتجت إلى نقود لعرضه على الطبيب وطلبت من زوجي أن يدبر لي أي مبلغ لعلاج الطفل فانفجر في شاتما ولاعنا ولم أتمالك نفسي من الرد عليه .. وصارحته برأيي فيه فإذا به ينهال علي بالضرب المبرح ويضربني بالحزام إلى أن أغمي علي, وأفقت من الإغماء بعد قليل فلم أجده في البيت ووجدت الطفل يبكي بحرقة, فانفجرت في البكاء ثم حملت الطفل وذهبت إلي بيت أبي وآثار الجراح في وجهي ورقبتي وذراعي, فما أن رأيت أبي حتى انفجرت في البكاء وقبلت يده وطلبت منه أن يسامحني على أنني لم آخذ بنصيحته ولم أعمل برأيه في زواجي .. وهرولت أمي بالطفل إلى الطبيب, وحزم أبي أمره واصطحب أخي إلى مسكن الزوجية وجمعا أشياء زوجي في حقيبتين وغير كالون الشقة وأرسلا ملابسه إليه في بيت أبيه وأبلغاه بالحضور لإتمام الطلاق مع التنازل له عن كل الحقوق.
وقاوم زوجي الطلاق لفترة طويلة وحاول بشتى الحيل استعادتي, واستئناف حياتنا مرة أخرى .. واعتذر كثيرا وقدم وعودا أكثر, لكن قلبي كان قد أغلق أبوابه في وجهه نهائيا فاستمسكت بالطلاق حتى وافق عليه بعد معاناة طويلة, وأقمت مع طفلي في بيت أبي وبدأت أضمد جراحي النفسية والعاطفية وأستعيد صحتي وإقبالي على الحياة .. وعقدت العزم على ألا أتزوج مرة أخرى وأن أكرس حياتي لطفلي الصغير.. وتقدم لي أحد أقاربنا فاعتذرت له بأنني لا أشعر في نفسي بأي استعداد للزواج من جديد .. وحاول زميل لي أرمل أن يقترب مني فأفهمته بأدب بأنني قد جربت حظي في الزواج وليست لدي رغبة في تكرار التجربة.
وكان شقيقي وشقيقتي قد تزوجا واستقلا بحياتهما فأصبحت الابنة الوحيدة المقيمة مع أبي وأمي..
ومضي عامان لم يكف خلالهما زوجي السابق عن محاولاته لإرجاعي إلي أن سلم باليأس مني وتزوج واسترحت.. وذات يوم كلفت في عملي بمناقشة ممول صغير تلقت المأمورية ضده شكوى مجهولة بأنه يخفي جزءا أساسيا من نشاطه وإيراده, وجاءني في الموعد المحدد وأجريت المناقشة معه.. وعرفت من سياقها أن الشكوى مقدمة من مطلقته بنية الكيد له وكجزء من الحرب الشعواء التي تشنها ضده .. وبدا لي الرجل صادقا ومحترما وجادا.. وقال لي في سياق الكلام إنه يلتمس العذر لمطلقته فيما تفعل لأنها تريد استعادته بأي وسيلة ولو تطلب الأمر إشهار إفلاسه.. وليس حبا فيه وإنما لأنه الإنسان الوحيد الذي كان يتحملها ويصبر عليها ويفوض أمره إلي الله فيها.. إلي أن فاض به الكيل وجرجرته ذات ليلة إلي قسم الشرطة بدعوى اعتدائه عليها وعلى أهلها.. فلم يحتمل أكثر من ذلك وطلقها وهو حزين على مستقبل طفله منها.. ولسبب لا أدريه حتى الآن وجدت حواسي تتنبه بشدة لما يقول وسألته: وهل صحيح أنك قد ضربتها؟.. فأخرج من جيبه الداخلي مصحفا صغيرا وضع يده عليه وأقسم بالله العظيم أنه لم يمسها بأذى منذ عرفها وإلى أن طلقها ولم يمد يدا عليها بل إنها هي التي كانت تتهور عليه في شدة عصبيتها وجنونها وتمد يدها عليه فيحمي نفسه منها ويدفعها عنه !.. ووجدت نفسي أفكر في هذا الرجل وأتأمله خفية, ثم طلبت منه بعض الأوراق والمستندات وترقبت الموعد التالي لاستكمال المناقشة باهتمام غريب.. وجاء الرجل في موعده.. وقدم لي بعض الأوراق وطلب مهلة يومين آخرين لإحضار بقية المطلوب.. ووجدتني أشعر بالارتياح لاحتمال تكرار اللقاء مرة ثالثة وطلبت له فنجانا من القهوة.. وفحصت أوراقه وأثبتها في ملفه, وتحدثنا لبعض الوقت.. وفي الموعد الثالث قدم لي بقية الأوراق ووجدته صادقا في كل ما قال.. وصارحته برأيي هذا.. فبدا عليه الارتياح والابتهاج ووجدتني بغير أن أدري أسأله عن مصير طفله فقال لي إن الطفل يعيش مع مطلقته, لكنها تهمله لانشغالها بالكيد له.. ورفع القضايا ومقابلة المحامين إلخ.. واستطرادا للحديث سألني عن حالتي الاجتماعية فأجبته في اقتضاب بأنني مثله مطلقة وعندي ولد يعيش معي. فبدا عليه الاهتمام الشديد.. وسألني في حياء: هل تمانعين في معرفة بعض التفاصيل الشخصية عنك؟.. وأجبته بلا تكلف أنني لا أمانع في ذلك وسألني عن ظروفي وأبي وعنوان أسرتي..إلخ.
وانصرف شاكرا وبعد أسبوعين لم أكف عن التفكير في هذا الرجل خلالهما.. رجع إلي مكتبي بحجة تقديم ورقة أخرى رآها مهمة لضمها إلي ملفه.. فلم تفت علي الإشارة ودعوته للجلوس وطلبت له فنجان القهوة, وسألته عن آخر أخبار الحرب الشعواء فألقي علي مفاجأة مثيرة هي أن مطلقته قد تزوجت المحامي الذي توكله في قضاياها ضدي, وأنها أعادت إليه الطفل عملا بنصيحة المحامي وأنه قد سعد بعودة طفله إليه, لكنه يتوقع مزيدا من المشاكل القانونية والقضايا بعد أن تزوجت مطلقته من المحامي الذي سيبدع في الكيد له لإثبات جدارته لزوجته الجديدة!
وضحكنا على هذا الأمر وتبادلنا التعليق عليه طويلا وكلما استشعر الحرج من أنه أطال الزيارة وهم بالاستئذان طالبته بالبقاء بلا حرج إلى أن تجرأ في نهاية الجلسة وسألني بصوت خافت: هل أنت مستعدة للعطف على طفل صغير ليس من صلبك؟.. فاحمر وجهي غير أنني لم أتردد في أن أجيب عليه بسؤال مماثل: وهل أنت كذلك مستعد للعطف علي طفل صغير لم تنجبه؟!
فابتهج ابتهاجا شديدا وقال لي إنه سيزورني في منزلي مساء الغد.
وجاء في الموعد وطلب يدي ووجد أبي نفسه أمام إنسان جاد وصريح وملتزم وكريم.. قدم لي الخاتم والشبكة والمهر وأقام لي حفلا بسيطا لكنه جميل, وأعد وحده بيت الزوجية في مسكنه وتزوجنا خلال ثلاثة أشهر وبعد إجازة عسل لمدة أسبوع واحد قال لي إنه قد حان الوقت لأن يتحمل كل منا مسئوليته تجاه أطفالنا فاسترددت طفلي من أمي واسترد هو طفله من جدته.. وأصر على أن تكون لهما غرفة واحدة بسرير
رغم وجود غرفة زائدة, لكي ينشأ كأخوين من الصغر وبدأت حياتي الزوجية معه فعرفت أن في الدنيا حياة أخرى تعتمد فيها الزوجة على رجل يحبها, ويحترمها ويحفظها ويحميها ويرعاها ويتحمل كامل المسئولية عنها وعن أسرته, ويتابع شئون الأطفال, ويعطي كلا منهم مصروفه, ويصطحبه لشراء احتياجاته وإلى عيادة الطبيب, وإلى الملاهي يوم الجمعة.. أو النادي.. أو ملعب الكرة, ويأخذ بيده إلي المدرسة في اليوم الأول من الدراسة ليتعرف بالمدرسين ويوصيهم به, ويتناول العشاء مع زوجته وطفليه. ويشاهد معهم التليفزيون إلي أن ينام الأطفال فيقضي الليل إلي جوار زوجته.. ويفاجئها من حين لآخر بهدية صغيرة.. أو حلية ذهبية بسيطة.. وليست له حياة خارج نطاق أسرته سوى عمله وصلته بأهله وأهل زوجته وعلى الرغم من أن كلا منا ليس محروما من الإنجاب فلقد أصر زوجي على أن ننجب طفلا أو طفلة لكي ندعم روابطنا ويربط بين ابنينا برباط من الدم كما قال, فأنجبت طفلة جميلة طار بها فرحا وسرورا, ومضت الأيام معه وأطفالي الثلاثة يتألقون صحة وجمالا وينثرون البهجة في حياتنا فأعجب للسنوات العجاف التي ضاعت من عمري في التجربة الطائشة الأولى في حياتي.. وأعجب كيف تصورت أنني قد أحببت بطلها وحاربت أهلي من أجله.. والحب كما عرفته مع زوجي الحقيقي شيء آخر مختلف تماما ولم تخل حياتنا على الرغم من ذلك من منغصات الحرب الشعواء من جانب مطلقة زوجي, ولا من مشاكل مطلقي ومحاولته لاسترداد ابني لمجرد الكيد لي.. وليس حبا فيه فلقد تكدرت حياتي ذات يوم برغبته في انتزاعه مني وسألت زوجي عما أفعل فقابل مطلقي وحاول التفاهم معه بالحسنى.. ولم يصل معه إلي نتيجة فنصحني بتجنب النزاع والمشاكل معه وتسليمه الطفل واثقا بأن زوجته الجديدة لن تتحمله أكثر من أسابيع ثم يعيده هو إلينا.. واستجبت للنصيحة باكية فصدق حدسه ولم تتحمله زوجته بالفعل أكثر من شهر واحد ثم أعاده إلى مطلقي مشترطا أن نكتب له ورقة بالتنازل عن نفقته.. ولم أكن قد حصلت منه من قبل على أية نفقة له فرحب زوجي على الفور بذلك ووقع إلى جوار توقيعي بأننا لن نطلب منه شيئا ذات يوم.
ثم واجه زوجي بعد عامين من الزواج بعض المشاكل المالية الحادة في عمله.. وعشنا فترة جفاف شديد حتى اضطر لبيع سيارته وإنقاص مصروف البيت وهو في شدة الخجل والارتباك وشعرت بالإشفاق عليه مما يكابده في صمت.. ثم علمت أنه يواجه موقفا عصيبا يهدده بالإفلاس نتيجة لحلول موعد سداد أحد الشيكات دون أن يكون له ما يغطيه من رصيد.. وعرفت أنه قد عجز عن الاقتراض من أهله وأصدقائه فحملت الصندوق الخشبي الصغير الذي كنت أحتفظ فيه بمصاغي سرا و دون أن أستأذنه وذهبت إلى الصاغة وبعت كل مجوهراتي وحملت إليه الثمن فرفض زوجي أخذه بشدة وبكي متأثرا.. وبكيت معه واتهمته بأنه لا يحبني ولا يراني أهلا لمساعدته في محنته وأقسمت عليه بأبنائنا الثلاثة أنني لن أعيش معه يوما واحدا | إذا رفض مساعدتي.. فأخذ النقود بعد إلحاح دام ثلاثة أيام وبعد أن أقسمت له أنني أثق بقدرته على اجتياز المحنة ولا أشك لحظة في ذلك مهما طال الانتظار وسدد قيمة الشيك.. ولاحظت بعدها أنه يعاملني بانكسار غريب وتألمت لذلك.. وأردت أن أرفع روحه المعنوية ففاجأته بتقبيل قدميه أمام أطفالنا.. ليعرف أنه فارسي ورجلي وسيدي ووالد أطفالي وأن أزمته لا تقلل من شأنه في نظري.
وعشنا هذه المحنة ثلاث سنوات عجاف اعتمدت خلالها على إنفاق مرتبي على الأسرة إلى جانب ما يعطيه لي زوجي من مصروف ثم رجعت من عملي ذات يوم فوجدته في البيت على غير العادة ووجدت الأطفال معه.. وتوجست من أن يكون مريضا. لكن ابتسامته العريضة طمأنتني وفوجئت به يطلب مني أن أجلس لأن لديه ما يريد أن يحدثني عنه أمام الأطفال. ثم اختفي في غرفة النوم قليلا ورجع حاملا الصندوق الخشبي الصغير الخالي من المجوهرات وطلب مني أن أفتحه ففعلت فإذا به ممتلئا عن آخره بالمصوغات الذهبية.. وبما يزيد على ضعف ما كان فيه من قبل, وقال للأطفال إن أمهم قد وقفت إلي جواره في أزمته حتى اجتازها بسلام.. وأسترد كل ما فقده من قبل.. وأفاض الله عليه برزق أطفاله الثلاثة ففتح لكل منهم دفتر توفير في البريد ووضع فيه مبلغا محترما.. وأنه يريد منهم أن يشكروا أمهم العظيمة التي لولا وقوفها معه لانهار, وفقد كل شيء ولانهار هذا البيت وأختتم حديثه بأن قبل يدي وطلب من كل منهم أن يقبلني ويقبل يدي ويشكرني!
فتخيل يا سيدي ما شعرت به في هذه اللحظة السعيدة.. وزوجي يقيم لي حفل تكريم عائليا جميلا ويشيد بي ويعترف بدوري في حياته لقد شعرت بأن كل ما تحملناه خلال السنوات العجاف قد تبدد في الهواء.. وأنني قد فزت بأغلى جوائز السماء التي تتحدث عنها ولهذا فقد أردت أن أشركك معي في قصتي وأن أقول لكل سيدة تواجه ما واجهته من سوء حظ في زواجي الأول أن سوء الحظ في تجربة زواج فاشلة ليس نهاية الدنيا.. فقد تكون السعادة تنتظرها مع إنسان آخر تحسن اختياره فيما بعد سوف يصبح هو زوجها الحقيقي, وليس أي أحد سواه.. كما أريد أن أقول أيضا إن من واجب الزوجة المخلصة أن تساند زوجها وتصبر على ظروفه.. وألا تفقده ثقته بنفسه إذا تعثرت خطواته في بعض الأحيان.. فالسعادة شيء غال وثمين وينبغي أن تضحي الزوجة بكل ما تملك للفوز بها.. وللحفاظ على زوجها الذي يستحق منها هذه التضحية واني أكتب لك هذه الرسالة وإلى جواري زوجي يقرأ صحيفة الصباح.. وأطفالنا الثلاثة أمامنا يسبحون في مياه شاطئ شرم الشيخ البديعة.. حيث إننا في إجازة صيف لمدة أسبوع.. وهي أول إجازة نحصل عليها وأول رحلة نقوم بها معا منذ ثلاث سنوات بعد زوال الغمة والحمد لله كثيرا والسلام عليكم ورحمة الله
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
النجاح الذي يجيء ثمرة للإخلاص والوفاء والجهد والنصيحة والصبر على المكاره إلى أن تنقشع الغيوم وتشرق الشمس من جديد هو بحق جائزة السماء لمن يحققه.. وأنت يا سيدتي شخصية قادرة على العطاء لمن تحبين وعلى التضحية من أجله.. وتعلين الاعتبارات العاطفية والعائلية والإنسانية على الاعتبارات المادية, وتؤمنين كما يفعل أصحاب القلوب الحكيمة بأن المال يذهب ويجيء, ولكن السعادة إذا فقدت فقد لا تعوضها كنوز الأرض ولا مجوهراتها, لهذا لم تترددي في الوقوف إلي جوار زوجك الحالي تشدين أزره وتهونين عليه صعاب الطريق وتتحملين معه جفاف الحياة وتواسينه بما تملكين من مال, وليس غريبا أن تهبط عليك جائزة السماء وأن تفوزي بالسعادة والأمان وعرفان شريك الحياة لمن آمنت به في أحلك الظروف ولم تفقد حبها له وثقتها به حتى النهاية فالحق أن إيمان الزوجة بزوجها وبقدرته على اجتياز العقبات وتجاوز المحن من أهم دوافع الزوج لتحقيق النجاح وتجاوز العثرات, ولقد كان رجل الصناعة الأمريكي الشهير هنري فورد يطلق على زوجته لقب المؤمنة لأنها آمنت دوما بقدرته على تحقيق أحلامه.. ولم تسخر منها كما فعل الجميع حين كان يتحدث عن أحلامه لإنشاء صناعة للسيارات تحمل اسمه, وقبلت الانتقال معه من مدينتها الكبيرة حيث الأهل والأصدقاء إلى مدينة صناعية ناشئة وكئيبة لكي ينشئ أول ورشة صغيرة له وتحملت صعوبات البداية وشظف العيش والفشل المتكرر إلى أن بدأت بشائر النجاح تلوح في الأفق وأطرد نجاحه بعد ذلك عاما بعد عام حتى أسس إمبراطوريته المالية ولم ينس يوما لزوجته أنها قد آمنت به حين كذب به الآخرون ولم تستبطئ نجاحه حين طالت العثرات.. ولم تشك من البعد عن الأهل والصديقات وهو يحفر نجاحه بأظافره في صخر المدينة الكئيبة بعيدا عنهم.. فعاش مدينا لها بكل ما حققه من نجاح في الحياة ومعترفا لها بدورها الخطير في حياته.
والحقيقة هي أنك قد قدمت مثل هذا العطاء في تجربتك مع الزواج, لكن عطاءك قد ذهب سدى في التجربة الأولي لأنه صادف من لم يحسن تقديره وفهم دوافعه, وأثمر ثماره الطيبة في تجربتك الثانية لأنه قد اتجه إلى من كان أهلا له وعرف له قدره.
ولا عجب في ذلك لأن اختيارك الأول كان اختيار الاندفاع العاطفي الذي يتناقض مع أحكام العقل, ويتجاهل عمدا رؤية كل بذور الفشل البادية للعيان في حين جاء اختيارك الثاني اختيار العقل الذي يرضى عنه القلب فلم تلبث زهور المحبة أن أينعت سريعا في ظلاله, وعجمت رياح الأيام أعوادها.. فتشبثت بجذورها وعجزت الرياح عن اقتلاعها إن الزواج حياة مشتركة بين رجل وامرأة لكل منهما سماته النفسية وطباعه الشخصية.. وهناك بعض السمات والطبائع التي لابد أن يتشابه فيها الطرفان وإلا تعذر تحقيق التفاهم والامتزاج بينهما.. ومن أهمها سمات الجدية والالتزام والإحساس بالمسئولية والإيجابية في الحياة, فالإنسان الإيجابي الجاد الذي يميل للنهوض بمسئولياته يجد مشقة بالغة في التوافق مع شريك سلبي كسول مستهتر يميل دائما للتهرب من مسئولياته, وعلى صخرة هذا التناقض في السمات بينك وبين زوجك الأول تحطم ارتباطكما السابق, وبفضل تشابه هذه السمات بالذات بينك وبين زوجك الحالي وصدق رغبة كل منكما في السعادة والاستقرار وتعويض الفشل السابق وتوفير الأمان لطفله الحائر.. وجد كل منكما لدى الآخر بغيته ونصفه الآخر الصحيح الذي ضل إليه الطريق من قبل.. لهذا قلت في
رسالتك انك ترين في شريكك الحالي الزوج الحقيقي لك.. وأحسب أنه لابد هو أيضا يرى فيك الزوجة الحقيقية التي تخبط بضع سنوات قبل أن يهتدي إليها فهنيئا لكما عثور كل منكما على نصفه الحقيقي الصحيح.. وهنيئا لك حب زوجك ووفاؤه لمن آمنت به وشدت من أزره وواسته بمالها حين كان في أشد الحاجة إلى من يدعم ثقته بنفسه ويعينه على تقلبات الأيام.
رابط رسالة مباراة الصبر تعقيبا على هذه الرسالة
برجاء عدم النسخ احتراما لمجهود فريق العمل في المدونة وكل من ينسخ يعرض صفحته للحذف بموجب حقوق النشر